«القوة تكمن في الاختلاف لا في التشابه؛ فلنجعل من الاختلاف جسرًا من التكامل وليس النزاع»

​​​في الآونة الاخيرة شهدت المنظمات المعاصرة تحديات كبيره وعديدة، حيث أصبحت تشكل تهديدًا لبقائها واستمراريتها، ومن أبرز هذه التحديات الصراع بين الأجيال، أو ما يسمى بـ (الفجوة الجيلية)، بمعنى أن كل جيل لديه مجموعة فريدة من المواقف والقيم والسلوكيات ومواطن القوة والضعف، وهي غير ثابتة؛ لأنها تتأثر بالتجارب والخبرات، فالجيل الأصغر ينظر إلى الجيل الأكبر باعتبارهم غير مواكبين لمتطلبات العصر والتطور الحالي ويصفونهم بالتقليدين. بينما الجيل الأكبر ينظر إلى الجيل الأصغر بأنهم ليس لديهم الخبرة الكافية والالتزام بالقيم والمبادئ. في الواقع العملي، فإن معظم المنظمات لم تدرك أهمية الفجوة الجيلية داخل بيئة العمل، بالرغم من أنها تشكل تهديدًا لهويتها واستمراريتها. إن عدم معرفة أسلوب العمل ووسائل التواصل المناسبة ونظام المكافآت والحوافز، وغيرها من الممارسات العملية المرغوبة لكل جيل؛ قد يؤثر سلبًا على العلاقة بين العاملين؛ مما يولِّد عدم الرضا لديهم ويقود في النهاية إلى تهديد كيان المنظمة واستدامتها. ​

التنوع الجيلي في بيئة العمل
في ضوء الأدبيات السابقة والتجارب العملية؛ سيتم عرض الاختلافات بين الأجيال من حيث الخصائص الشخصية، وتفضيلاتهم حول إتيكيت وطريقة التواصل في العمل. فالجيل التقليدي (1922‐1945) يمتاز بالتوجه إلى الماضي والانغماس في التاريخ، والإيمان بالمنطق، والاعتقاد في أن الترقيات والترفيعات تاتي من خلال مدة الخدمة (يفضل المقابلات الرسمية والكتابية، والكلمات، ونبرة لبقة ومحترمة)، بينما جيل الطفرة (1946-1964) يمتاز بالاجتهاد، وبناء حياة اجتماعية، والسعى إلى تحقيق الاستقرار المادي والوظيفي بدرجة عالية (يفضل المقابلات الشخصية) (محادثة وجهًا لوجه)، واعطاء الاهتمام والتركيز. وفي المقابل فإن جيل إكس (1965-1980) يتميز بالتفكير في نتائج العمل وليس بساعاته، ولا يثق بشكل تام في الآخرين، واقعي، وعملي، ويتأثر بالتطور التكنولوجي، ويتقبل التغيير نوعًا ما، ويميل لعدم الرسمية (يفضل استخدام البريد الإلكتروني، ووضوح الهدف، وتحديد نطاق المهام والوقت)، أما جيل واي (1981-1999) يمتاز بالرغبة في تعدد المهام والتطوير المهني، والتحدي في العمل، ويمتاز باستخدام التكنولوجيا  بدرجة كبيرة في العمل، والحرص على معرفة التعذية الراجعة بشكل مباشر (يفضل الرسائل الفورية، ووسائل التواصل الاجتماعي). بينما جيل زد أو الرقمي (2000-حتى الآن) يمتاز بالذكاء الرقمي من خلال استخدامه الواسع للإنترنت من سن مبكر، وتفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي كجزء كبير من حياتهم الاجتماعية، وسرعة الشعور بالكأبة والتعب والرتابة (يفضل التنوع في استخدام الوسائل التقنية واحدثها، ولغة مختصرة بالتواصل).
الوضع في المملكة
وطبقًا لتقارير الهيئة العامة للإحصاء بالمملكة السعودية (2021م)، والتي أشارت إلى أن أغلبية القوى العاملة في المملكة تتشكل من جيل الألفية (واي) الذين تتراوح أعمارهم بين (25-44) سنة، أي ما نسبته (%63) وهي النسبة الأكبر. مقارنة بالأجيال الأخرى، ويليها الأفراد المشتغلين من جيل (إكس)، ومن ثم المشتغلين من جيل (زد Z (، وأقل نسبة من المشتغلين جيل طفرة المواليد. وبما أن ثلثي القوى العاملة في المملكة تتشكل من جيل الألفية (واي)؛ يجب أن يكون المديرون على دراية تامة بكيفية التعامل مع الجيل "واي" في وظائف العمل المختلفة كدرجة أولى، من خلال الاهتمام بفرص النمو والتطوير الوظيفي، وتوفر المرونة في حياتهم المهنية، واستخدام وسائل متنوعة من التواصل الإلكتروني وغيره. بالإضافة إلى ذلك، أن يعرفوا أيضًا الاختلافات والخصائص بين الأجيال؛ حتى يتمكنوا من إيجاد طرق لتحقيق التوازن بين احتياجات وآراء الأجيال، وزيادة إنتاجيتهم وجذبهم والاحتفاظ بهم بشكل فعال، وخاصة أنه في المستقبل القريب سيتم دخول الجيل الجديد (الرقمي) الذين ولدو في الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي بدرجة أكبر إلى عالم الأعمال، والذي يترتب على المنظمات أحداث تغييرات مهمة لممارساتها وعملياتها؛ من أجل تلبية حاجات وتوقعات الجيل القادم (الرقمي) بشكل استباقي.
• كيف ندير التنوع في الأجيال لجعلها قوّة وميزة مؤسسية؟ 
ومن زاوية أخرى قد نسأل أنفسنا: هل تنوع الأجيال في بيئة العمل مهم بالنسبة للمنظمة؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ تكمن الإجابة-من وجهة نظري-في أنها تتحقق عندما تستطيع المنظمات إدارة تنوع الأجيال وتجسير الفجوة بينهم، بحيث يتم تحويل التهديد المتوقع إلى فرصة ومصدر قوة لها، وذلك من خلال توليد الأفكار بناء على تجارب مختلفة من أجيال متنوعة، ودعم الابتكار والتغيير والتطور في بيئة العمل، ومساعدة الجيل الأكبر للجيل الأصغر على صقل مهاراتهم الاجتماعية وتنمية سلوكياتهم، ومساعدة الأصغر للأكبر في تعلم كيفية الاستفادة من التكنولوجيا وتوظيفها في رفع كفاءة وفاعلية العمل.
8 استراتيجيات فعالة
ومن هذا المنطلق، اعتقد أنه يجب إدراك دور قادة الموارد البشرية على وجه الخصوص في إدارة تنوع الأجيال، وتحويل هذا التنوع إلى أداة تنظيمه استراتيجية تنافسية. ومن أهم الاستراتيجيات الفعالة في إدارة التنوع الأجيال في بيئة العمل، هي:
1) إعادة هيكلة بيئة العمل وثقافتها، وتعزيز العمل المرن؛ من أجل ضمان عمل الموظفين من مختلف الأجيال بالطريقة المناسبة لهم. 
2) تحديد تركيبة الأجيال في المنظمة (الطفرة، اكس، واي، زد)، وفهم احتياجات وخصائص كل جيل في بيئة العمل؛ لإيجاد وسيلة تواصل مناسبة من أجل تفادي الصراع والتصادم بينهم، وتجنب سوء الفهم الذي يؤدي إلى التوتر، والذي قد يؤدي بدوره إلى ترك العمل.
3) إجراء مقارنات معيارية دقيقة في السوق بشأن المكافآت والمزايا، ومن الضروري معرفة ما الذي يحفز العاملين من مختلف الأجيال من أجل البقاء في المنظمة، وتقييم مدى التنافس في مكافآتهم ومزاياهم. 
4) إدارة التوقعات حول التقدم الوظيفي وتقديم مسارات واضحة للترقيات؛ لتعزيز معدلات الاستبقاء، خاصة مع جيلي: الألفية، والرقمي (Z).
5) تأهيل وتطوير المدراء بالكفاءات القيادية المناسبة للتعامل مع الأجيال بنسيج تكاملي؛ لأن القائد الناجح هو قدوة في توجيه كل الأجيال. 
6) إنشاء برامج ومبادرات تعزز التدريب والتطوير المهني لموظفيها؛ لضمان الاحتفاظ بالموظفين الموهوبين في المنظمة من مختلف الأجيال، ومواكبة أي تطور للوصول إلى مستوى مساوٍ تقريبًا في المهارة والمعرفة بينهم.
7) تشكيل فريق عمل متنوع الأجيال من أجل المزج بين خبراتهم ومهاراتهم، واحترام وتقدير الكفاءات والخبرات والمبادرات المقدمة من كل الأجيال؛ من أجل التغلب على التحيز اللاواعي، وهو التمييز على أساس العمر.
8) إنشاء وتفعيل إدارة التنوع مع تنظيم برامج التوجيه والإرشاد حول قضايا تخص ثقافة الأجيال.



 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة