التغيير الكبير في سوق العمل (الاستقالة العظيمة)

​​​​​

ستفقد 13% من الوظائف منخفضة الأجر في ألمانيا جدواها؛ إذا أدرك العمال مدى جودة خياراتهم الخارجية. وهذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه الورقة البحثية التي أعدها-مؤخرًا-"بنجامين شوفر"، زميلي هنا في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، والمؤلفون المشاركون معه "سيمون جاجر"، و"كريستوفر روث"، و"نينا روسيل".
حيث أشاروا في ملاحظة لهم إلى أنه "عند مقارنة الخيارات الخارجية الشخصية للعمال بمقاييس موضوعية فيما يتعلق بمكافأة الأجور، من خلال بيانات صاحب العمل والموظف المتطابقة فيما بينها، "يعتقد عديد من العمال خطأ أن أجورهم الحالية تمثل سوق العمل الخارجية. كذلك فإن العمال الذين يتلقون أجورا منخفضة انخفاضًا موضوعيًا يبالغون في التشاؤم، (وأصحاب الأجور المرتفعة) يبالغون في التفاؤل بشأن خياراتهم الخارجية".
المعتقدات الخاطئة
وبلغة واضحة، المعنى هو أنه إذا أدى شيء معين إلى زعزعة المعتقدات الخاطئة للعمال ذوي الأجور المنخفضة حول مدى ضعف خياراتهم الخارجية، فإن الظروف المهنية وسوق العمل ستتغير بصورة أساسية. ومن المؤكد أن الرؤية الأساسية نفسها تنطبق أيضا على الولايات المتحدة الأمريكية، بل أكثر من ذلك؛ لأن الحد الأدنى الفيدرالي للأجور في الولايات المتحدة أقل بكثير من نظيره في ألمانيا، فيما يتعلق بمتوسط الإنتاجية.
وتجلى هذا التغيير في جائحة كوفيد -19 وتداعياتها الاقتصادية واسعة النطاق. إذ تظهر البيانات الحديثة أن 3% من العمال الأمريكيين-4.4 مليون شخص-تركوا وظائفهم خلال هذه الأزمة. وهذا المعدل الشهري ليس مرتفعًا بصورة ملحوظة فحسب، إذ لم يسمع به أحد، ولا سيما بالنظر إلى أن نسبة العمالة إلى السكان في الولايات المتحدة لا تزال 59.2% فقط، أي أقل بنقطتين-تقريبًا-من ذروتها في شباط (فبراير) 2021.
تحول في العمل
وتتمثل أحد الآثار الملحوظة الباقية للوباء في أنه عزز تحولاً في العمل، ومكانه الذي كان من الممكن أن يستغرق عقودًا في غياب الفيروس، بل لم يكن ليحدث على الإطلاق. وخير مثال على ذلك، التحول واسع النطاق إلى العمل عن بُعد بالنسبة لعمال الياقات البيضاء، والأتمتة السريعة للمكونات الأساسية للعمل الخدمي، أو تحول البيع بالتجزئة، ما يتطلب الكثير من سائقي التوصيل وعددًا أقل من عمال المبيعات داخل المتجر.
وجلبت هذه التغييرات قدرًا كبيرًا من الراحة للعديد من المستهلكين والموظفين؛ إذ فجأة أصبحت الأدوات المتوافرة عبر الإنترنت جيدة بما يكفي، حيث لا يحتاج المرء إلى التسوق شخصيا للتعرف على جودة المنتج. "وإذا لم يكن التسليم في مستوى التوقعات، يمكن للمرء إعادة المنتج. ولن تعود القطاعات المتأثرة بهذه التغييرات إلى الوضع السابق للوباء.
وما لم تتم إجازة العمال بصورة واضحة، فإن إعادة حياكة تقسيم العمل لاستعادة التوظيف بعد حدوث اضطراب كبير-دائمًا-ما تكون عملية طويلة ومؤلمة. ففي العقد الأول من القرن الـ 21 بدا أن العودة إلى التوظيف الكامل مقيدة بحدود السرعة التي تبلغ نقطة مئوية واحدة سنويًا؛ لأسباب ليس أقلها إن الطلب ظل ضعيفًا نسبيًا، حيث ركز صانعو السياسة المالية والنقدية على محاربة تنانين الديون والتضخم الوهمية.
التعافي السريع
وليس من المناسب-حاليًا-أن يكون الانتعاش بعد وباء كورونا مقيدًا بحد السرعة المنخفض هذا؛ إذ يتطلب التعافي السريع أن يوفر أرباب العمل في الولايات المتحدة للعمال ذوي الأجور المنخفضة أفضل الصفقات التي يطلبونها، من خلال تركهم وظائفهم بصورة جماعية. ويتطلب ذلك إزالة سريعة للعوائق الرئيسة في جانب العرض التي تعرقل المشاركة في العمل، والتي من أبرزها: ضعف رعاية الأطفال، والفيروس نفسه. وهو الأمر الذي يتطلب اقتصادًا شديد الضغط، حيث يكون من الواضح للعاملين على الخطوط الجانبية أن هناك فرصًا جيدة.
ويجب أن تدرك الإدارة الحكومية أن كلًا من العمال، ورجال الأعمال يحتاجون في الوقت الحالي إلى قدر من الدعم أكبر مما يمكن أن تقدمه الشركات الأمريكية عادة. وبالنظر إلى أوروبا فإنها تقدم مثالًا واعدًا، بينما الولايات المتحدة في حاجة أكثر إلى مثال.


​​​​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة