الوجه والوجه الآخر للـــــــــ «DeepFake» فــــي عــــالــم الإدارة والمـــال والأعمــــــال

​​إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد​

"الديب فيك" أو ما يُعرف بالتزييف العميق عبارة عن تقنية فاقت أضرارها كل التوقعات وتطارد لعناتها المشاهير، ولا سيما في مجال الفيديوهات المزيفة، وهو الوجه السلبي المُظلم لهذه التقنية. فمن أبرز ضحاياها الرئيسان الأمريكيان "باراك أوباما" و"دونالد ترامب"، بالإضافة إلى العديد، مثل "مارك زوكربرج"، و"نانسي بيلوسي"، كذلك تم استخدامها في استدعاء بعض المشاهير من الموتى، مثل "سالفادور دالي" الرسام الإسباني البارز وأحد أعلام الفن السريالي. وبالطبع لم يكن عالم الإدارة والمال والأعمال بمنأى عن مرمى نيران "الديب فيك"، لكن بأنواع وأشكال متعددة، فبالإضافة إلى الفيديوهات المزيفة، هناك الأصوات المزيفة التي يعتمد عليها القراصنة في هجماتهم الإلكترونية على الشركات والمؤسسات والاحتيال على رجال أعمال، وقطاع لا يُستهان به من العملاء. إلا أن ممارسات "الديب فيك" في هذا العالم لم تكن كلها وبالًا عليهم، بل كانت في كثير من الأحيان تمثل استثمارًا مجزيًا، وهو الوجه الآخر الإيجابي والمشرق، في هذا التقرير نسلط الضوء على هذين الوجهين للـ"ديب فيك" في عالم المال والأعمال والإدارة.

أنواع وتطبيقات
نستهل الحديث عن الـ"ديب فيك" من خلال تعريف "شيراديب باسوماليك" الكاتب في مجال التقنية عبر موقع "spiceworks" بأنه شكل من التزييف عبر أشكال الوسائط المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تصور شخصًا يقول شيئًا لم يقله، أو يظهر بطريقة مختلفة عما هو عليه، أو يبتعد عن الواقع بطريقة ما؛ بغرض خداع جمهور الوسائط الإعلامية أو النظام التقني. وبصفة عامة يمكن أن يتخذ الـ"ديب فيك" عدة أنواع وأشكال، مثل التزييف العميق للنصوص المكتوبة، والفيديوهات، والمحتوى الصوتي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل حي أو مباشر. ويبدو من ذلك أن هذه التقنية ليست كما يعتقد الكثير أنها خاصة بتزييف فيديوهات فقط أو ربما على أقصى تقدير تشمل فيديوهات وصوت، بل إنها تقنية خطيرة وشاملة.
وقد لاقت تلك التقنية رواجًا كبيرًا؛ مما ترتب عليه وجود الكثير من التطبيقات التي تُمكِّن مستخدميها من إتقان الـ"ديب فيك"، والتي من أشهرها تطبيق Zao  الصيني، بالإضافة إلى عدد من التطبيقات، والتي من بينها: DeepFakes Web، Machine Tube، DeepfaceLab، وغيرها.
إدارة السمعة
وفيما يتعلق بالمجال الإداري وعالم المال والأعمال، فإن تقنية وممارسات "الديب فيك" ربما تصيب الشركات والمؤسسات والمشاهير من أصحاب المصلحة ورجال الأعمال بمخاطر وأضرار كبيرة، تتعلق بالسمعة، وتداعيات ذلك فيما يخص تنافسيتها وتسويق منتجاتها. لذلك فإن انتباه هذه الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال يجب أن يتركز على كيفية إدارة السمعة بصفة عامة، والسمعة التنظيمية أو المؤسسية بصفة خاصة، وهو الأمر الذي يقع على عاتق فرق الاتصالات المؤسسية والعلاقات العامة، ويبدو أنهم يواجهون صعوبة بالغة.
وهو ما يفسره موقع ubermetrics-technologies.com في تقرير له يتناول موضوع "السمعة المؤسسية: ماذا يجب أن نفعل في مواجهة الديب فيك"تقنية " بأن هذه التقنية لا تزال جديدة نسبيًا، لذلك لا توجد الكثير من الاستراتيجيات والتكتيكات التي تم تجربتها واختبار فعالياتها في مجال الاتصالات والعلاقات العامة، التي قد يقع عملائها-سواء كانوا شركات أم أفراد-ضحايا لممارسات ومخاطر هذه التقنية. وبالرغم من عدم وجود أي طرق ملموسة لحماية شركة أو فرد من ممارسات ومخاطر "الديب فيك"، إلا أن الموقع-على حد تعبيره-يأمل في ظهور حلول وطرق مبتكرة وفعالة لمكافحة هذا النوع من التزييف، والتي-كما يلفت الموقع نفسه-قد تأتي من شركة Truepic متمثلة في شهادة مصادقة الصور والفيديو، والتي جمعت مؤخرًا 8 مليون دولار أمريكي؛ من أجل مواجهة التحدي المتمثل في كشف "الديب فيك". فعندما يستخدم المتصلون ميزة كاميرا Truepic لالتقاط الصور، تتم إضافة عنوان URL للعلامة المائية يؤدي إلى نسخة من الصورة التي يحفظها. وبهذه الطريقة يمكن للجمهور مقارنة العناصر المرئية، والتأكد من أنهم يشاهدون نسخة أصلية لم يتم تزييفها أو التلاعب فيها. على سبيل المثال، يستخدم مجمع الأخبار الاجتماعية وموقع المناقشات Reddit تقنية Truepic في البث المباشر بعنوان: "اسألني أي شيء" أسئلة وأجوبة مع المشاهير".
رب ضارة نافعة
وعلى النقيض مما سبق، يطرح "راج شروف"-عبر موقع Medium.com-تساؤلًا مهمًا وهو: هل الـ"ديب فيك" مفيدة لعالم المال والأعمال؟ وهو ما يجيب عليه مباشرة، حيث يشير إلى أن كافة أنواع الوسائط التي يتم انتاجها وابتكارها بتوظيف آليات الذكاء الاصطناعي تساعد رواد الأعمال غير المتخصصين في التقنية والشركات الصغيرة وفرق التسويق المختلفة في مجال التصميم والبيع، بشكل فعال.
ويرى "شروف" أنه عندما ننظر عن كثب إلى هذا التطبيق الخطير للذكاء الاصطناعي، سنرى أن تقنية deepfake تفيد الشركات والمسوقين ورجال الأعمال وعالم ريادة الأعمال بطريقتين مهمتين، وهما:
1- يؤدي إنشاء صور باستخدام تقنية الـ"ديب فيك" إلى خفض تكلفة التسويق والإعلان للشركات، وخاصة الشركات الصغيرة. إذ يمكن لشركة صغيرة تضم 3 أشخاص إنشاء مئات الصور الواقعية للغاية والخالية من حقوق الملكية للأشخاص بنقرة زر واحدة لاستخدامها في الحملات التسويقية-وعلى سبيل المثال-تبيع شركة Generated Photos اشتراكات ميسورة التكلفة لصور واقعية مزيفة لأشخاص غير موجودين بالفعل، بدءًا من 20 دولارًا شهريًا تقريبًا. كما يمكن للمسوقين إنشاء صور مخصصة (ملامح الوجه، والمشاعر) دون الحاجة إلى مهارات تقنية أو تحرير الصور.
2- تتيح تقنية الـ"ديب فيك" إنشاء محتوى أسرع وأسهل. يمكن للشركات الصغيرة ذات الفرق والميزانيات المحدودة أن تتنافس بشكل أكثر فاعلية مع الشركات الكبيرة.
5 شركات مهيمنة
وفي ضوء الجدل حول تقنيات الـ"ديب فيك"؛ أصبح هناك اتجاهان للشركات في عالم المال والأعمال، لكنهما في نهاية المطاف يدران الأموال والأرباح وزيادة حركة التوظيف وتوظيف التقنية سواء في إتاحتها أو منعها، وهما كالتالي:
-الاتجاه الأول-وهو ما تتناوله "دانا هانسن" عبر موقع "Moneyinc"-خاص بإنشاء وهيمنة شركات عالمية وكبرى متخصصة في تقنية الـ"ديب فيك"، والذي تسيطر عليه 5 شركات، برعت في تطوير تكنيكات الذكاء الاصطناعي، وبخاصة "تعلم الآلة" بالاعتماد على الـ"مودلز" من البشر، وقد برز هذا الاتجاه منذ العام 2018م، والذي شهد ولا يزال يشهد تطويرًا مستمرًا في هذه التكنيكات بما يسهم في الوصول إلى أعلى معدلات الجودة والإتقان الخاص بالـ"ديب فيك"، وهذه الشركات هي:
• شركة Topaz labs: إحدى شركات البرمجيات التي أنشأها "إريك" و"ألبرت يانج" (الأب والابن)، وتقوم بتطوير أدوات تحرير الصور والفيديو في Adobe After Effects بالاعتماد على تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، والمنتج الأكثر مبيعًا لهذه الشركة في هذا المجال هو Gigapixel AI.
•  شركة Modulate: أسسها "كارتر هوفمان" وأصدقاءه عام 2018م برأس مال 2 مليون دولار، وقد برعت في التقنيات الصوتية للـ"ديب فيك"، وأصبح لها منصة رقمية مشهورة.
• شركة Respeecher: تخصصت في مجال استنساخ الأصوات التي تتميز بالفروق العاطفية والجودة العالية، وهي في ذلك تشبه سابقتها، لكنها تختلف عنها في توجهها نحو صناعات الرسوم المتحركة والأفلام.
• شركة Rephrase.ai: تأسست عام 2018م في الهند، وتخصصت من خلال برنامجها Rephrase في مجال مقاطع الفيديو وربطها بتحليل إيماءات الوجوه وتعبيراتها وحركاتها بواسطة آليات الذكاء الاصطناعي، في مجال التسويق والمبيعات، وتعتمد عليه العديد من شركات السيارات والمؤسسات المالية والعقارات.
• شركة D-ID: تأسست عام 2017م متخصصة في تطوير الحلول التي تحمي من التعرف على الوجوه؛ لضمان خصوصية المستخدمين.
خسائر وتصيد وهجمات إلكترونية
-الاتجاه الثاني-يتضح مما طرحه "أنوباما أ." عبر موقع ManageEngine.com-بشأن ما تسببه تقنية الـ"ديب فيك" في حدوث هجمات إلكترونية، بالرغم من أن هذه التقنية بدأت كمحاولات لإنشاء مقاطع فيديو أو صور مزيفة، إلا أنها تُستخدم الآن لتقليد واستنساخ الرسائل الصوتية أيضًا؛ وهو ما يساعد مجرمي الإنترنت في الاعتماد عليها لتنفيذ هجمات الهندسة الاجتماعية مثل:
• التصيد الاحتيالي: يعتمد التصيد أو التصيد الصوتي كليًا على إقناع الضحية بتنفيذ إجراء معين من خلال مكالمة هاتفية مزيفة؛ مما قد يؤدي في النهاية إلى نتيجة ضارة أو حدوث نوع من القرصنة الإلكترونية. فباستخدام تلك التقنية يمكن للمخادعين، على سبيل المثال، إنشاء نسخ متماثلة شبه مثالية من الأصوات التي تنتمي إلى أصحاب المصلحة الرئيسيين في الشركة، واستخدامها لإقناع الموظفين بخرق بيانات اعتماد تسجيل الدخول أو تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى حادث اختراق أمني إلكتروني للشركة.
• اختراق إلكتروني عبر البريد الإلكتروني الخاص بالعمل: على غرار التصيد، يمكن للقراصنة تنفيذ هجمات إلكترونية من خلال البريد الإلكتروني، بحيث يقترن ذلك باتصالات هاتفية مقنعة تستخدم تقنية الـ"ديب فيك" من خلال صوت مزيف؛ مما قد يتسبب في إقناع بعضهم ووقوعهم ضحايا الاحتيال الإلكتروني.
الذكاء الاصطناعي و"البلوكتشين"
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن "أنوباما" يسلط الضوء على الحلول المتاحة لمواجهة أخطار وخسائر وأضرار تقنيات الـ"ديب فيك"، ولا سيما في مجال المال والأعمال والإدارة، وهو الأمر الذي يتمثل في حلين مهمين، كالآتي:
• الذكاء الاصطناعي/تعلم الآلة كخط الدفاع الأول: تقترح خبيرة البيانات الأساسية "إيلين لي" الاعتماد على نظام قائم على الذكاء الاصطناعي مشابه للنظام المستخدم بموقع "اليوتيوب" الذي يفحص الصوت ويحوله إلى نص، ثم يحلل النص للكلمات الرئيسية. وهو ما يسهم في الاعتماد على هذه الطريقة لمقارنة محتوى الفيديو الذي تم تزييفه بنظيره الأصلي؛ بحيث يتم اكتشاف الحالات المشتبه في تزييفها، ومن ثم الإبلاغ عنها
• تقنية الـ"بلوكتشين" (سلسلة الكتل): هناك دراسة حديثة تركز على استخدام هذه التقنية في مكافحة الـ"ديب فيك"، بالاعتماد على ما يعرف بالعقود الذكية التي تمنح أفرادًا محدودين إمكانيات الوصول المقيد للفيديوهات كما هي (الأصلية)، بحيث يجب على أي مستخدم يريد تنزيل الفيديو التفاعل مع مثل هذه العقود؛ مما يمنع إنشاء مقاطع فيديو مزيفة.
نصائح مهمة للشركات
وختامًا، نتطرق إلى البُعد الأخلاقي لممارسات "الديب فيك" بالنسبة للشركات، حيث يُبرز موقع pwc اقتراح الخبير الإنجليزي في أخلاقيات البيانات والثقة الرقمية Arnav Joshi، أنه خلال الوقت الحالي يجب أن تضع الشركات في اعتبارها المبادئ أو القواعد الثلاثة التالية:
1- إذا كان هناك شيء يبدو جيدًا (أو سيئًا) ليكون صحيحًا، فمن المحتمل أن يكون كذلك. فيجب توخي الحذر والاجتهاد، وعدم الانسياق بسرعة إلى تصديق الأشياء في ظاهرها، خاصة عندما تكون مثيرة للجدل أو مشبوهة. كذلك توسيع نطاق التحقق من الحقائق ليشمل الفيديو.
2- الاستثمار في تقنية الأصالة لمحتوى الفيديو الخاص بك. على سبيل المثال، أختام الثقة وإدارة الحقوق الرقمية وتشفير الفيديو والتحقق المستند إلى "البلوك تشين" والمصادقة الثنائية.
3- الاعتماد على قنوات الاتصال الرسمية؛ للوصول إلى المحتوى ونشره، والبحث عن مواقع الويب الرسمية وقنوات "اليوتيوب" التي تم التحقق منها وعبر "تويتر". مع الأخذ في الاعتبار أنه من الممكن اختراقها؛ لذا-وبغض النظر-لا بد من الوضع في الاعتبار القاعدة رقم واحد.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة