الاستثمار الجريء مستقبل التنمية الاقتصادية عبر ريادة الأعمال

​إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

ينظر الاقتصاديون والخبراء في مجالات الأعمال التجارية والإدارة والشركات إلى الاستثمار الجريء أو ما يسمى أحيانًا برأس المال المُخاطِر، باعتباره "فرس الرهان" على المديين: الراهن، والمستقبلي لتحقيق طفرات تنموية متعاظمة. ولذلك أولته المملكة عنايتها بين مستهدفات رؤية 2030 ضمن مبادرة تنمية القطاع المالي والخاص. كذلك فقد أصبح أحد أبرز المفاهيم الاقتصادية المتداولة على كافة المستويات، مما دفع هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" عام 2018م إلى تأسيس "الشركة السعودية للاستثمار الجريء". فهو يستثمر في هذه النوعية من المنشآت والمشروعات ويهتم بريادة الأعمال، خاصة في مراحلها الأولى. وقد تجلى نجاح هذا النوع من الاستثمار في شركات عالمية، مثل: فيسبوك، وتويتر، وجوجل، وأوبر، وغيرها؛ فأصبح محط الاهتمام في عالم المال والأعمال والإدارة، وهو ما نتناوله في هذا التقرير. 

أموال وخبرات فنية وإدارية

تقدم موسوعة "Investopedia" مدخلًا مهمًا لفهم ما يعنيه الاستثمار الجريء، حيث تذكر أنه نوع من التمويل الذي يقدمه المستثمرون للشركات الناشئة والشركات الصغيرة التي يُعتقد أن لديها إمكانات نمو طويلة الأجل. ومصدر هذا النوع من الاستثمار-عمومًا-هو المستثمرين الميسورين، والبنوك الاستثمارية، وأي مؤسسات مالية أخرى. ومع ذلك، فإنه لا يأخذ دائمًا شكلاً نقديًا؛ إذ يمكن أيضًا أن يكون في شكل خبرة فنية أو إدارية. عادةً ما يتم توجيه الاستثمار الجريء للشركات الصغيرة التي تتمتع بإمكانيات نمو استثنائية، أو للشركات التي نمت بسرعة ويبدو أنها مستعدة لمواصلة التوسع والنمو.

وتشير الموسوعة إلى أنه بالرغم من أن الاستثمار الجريء قد يكون محفوفًا بالمخاطر بالنسبة للمستثمرين الذين يضخون الأموال، إلا أن احتمال تحقيق عوائد أعلى من المتوسط يعد مكسبًا جذابًا بالنسبة للشركات أو المشاريع الجديدة التي لها تاريخ تشغيل محدود (أقل من عامين). وقد أصبح الاستثمار الجريء على نحو متزايد مصدرًا شائعًا-بل وأساسيًا-لجمع الأموال، خاصة إذا كانت تفتقر إلى الوصول إلى أسواق رأس المال أو القروض المصرفية أو أدوات الدين الأخرى. كما تلفت "Investopedia" إلى أن هذا الاستثمار قد تطور من نشاط متخصص في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى صناعة متطورة تضم العديد من اللاعبين الذين يلعبون دورًا مهمًا في تحفيز الابتكار.

وردًا على التساؤلات المثارة حول الاستثمار الجريء، وخصوصًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يوضح أ.بسام العبيد في مقاله بصحيفة "الاقتصادية" أنه قد أُطلق مسمى "الاستثمار الجريء" لأنه يستهدف الأموال الجريئة والمستثمرين الذين يمتلكون شغف المغامرة ويرغبون في أن يكونوا سباقين في الاستثمار بمراحله الأولى حتى ينضج ويقف على قدميه، وبالتالي تلحق بهم بقية المستثمرين، وهنا يكون دخول المستثمر الجريء أقل تكلفة وأكثر ربحًا في حال تحقق نجاح استثماره بمشروع أو فكرة ما.

4 خصائص مهمة

ويبرز الباحث الصيني An'na Li في بحثه المنشور بدورية Scientific Research Publishing 4 خصائص يتميز بها الاستثمار الجريء، كالتالي:

  1. ارتفاع عائداته ومخاطره.
  2. استثمار طويل الأجل، ويتصف بأنه شجاع وصبور؛ لأنه يرتبط بالبدايات والمراحل المبكرة من الأعمال التجارية.
  3. عادةً ما يأخذ هذا النوع من الاستثمار في الاعتبار شركات التكنولوجيا الفائقة والشركات التي تتمتع بإمكانيات نمو أكبر. كما أنه هو القوة الدافعة الأساسية لتطوير الصناعة بهذه الشركات. على سبيل المثال، يركز رأس المال الاستثماري في الولايات المتحدة على تطوير برامج الكمبيوتر والتكنولوجيا الحيوية والإنترنت والرعاية الصحية. ومع ذلك، فإن رأس المال المغامر لا يستثمر فقط في شركات التكنولوجيا الفائقة، بل إنه يبحث عن مشاريع عالية النمو يمكن أن تحقق عوائد أكبر على الاستثمارات.
  4. يرتكز على نموذج إداري للتدخل غير المباشر ونظام تحفيز متفاءل.

استثمار سعودي مربح

ويلفت أ.بسام العبيد-في مقاله المذكور-إلى أن هذا الاستثمار جاء ضمن مبادرة تنمية القطاع المالي والخاص التي تعد أحد أهداف رؤية 2030، وهو يستهدف تحديدًا دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتمويلها والاستثمار فيها لتنمو وتتوسع وتصنع فرصًا استثمارية تعود على المستثمرين وأصحاب المشاريع بالنفع والإيجاب، كما توجِد فرصًا وظيفية لأبناء وبنات الوطن. والحقيقة أن نتائج الاستثمار الجريء متعددة ومتنوعة، وكل يوم يكتشف المستثمرون ميزة جديدة لهذا النوع من الاستثمار.

وقد قامت هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت» عام 2018م بتأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء التي ترعى هذا النوع من الاستثمار وتقوم بتطويره ودعمه وربط المستثمرين بأصحاب الأفكار والمشاريع، وإيجاد الفرص الاستثمارية الجاذبة والمحفزة للقطاع الخاص.

ويضيف: على الصعيد المحلي، كمثال على الاستثمار الجريء، شركة الطيار التي استثمرت في تطبيق كريم بـ 17 مليون ريال، وحصدت أكثر من مليار و700 مليون خلال أعوام قليلة. كذلك يعد صندوق الاستثمارات العامة أحد الأمثلة الكبرى التي خاضت هذا المجال، وحققت نجاحات كبيرة من خلال استثمار الصندوق في شركة "لوسيد" بمبلغ مليار دولار عام 2018م، وخلال ثلاثة أعوام ارتفعت قيمة هذا الاستثمار بأكثر من 30 ضعفا.

استثمار ملائكي

ويؤكد أ.بسام العبيد أنه لا يزال الاستثمار الجريء يشهد صفقات متنوعة بين صغيرة ومتوسطة وأخرى كبيرة، ولا يزال المجال خصبًا ومفتوحًا للجميع سواء الأفراد أو الشركات، ولا تزال النتائج مبهرة في هذا النوع من الاستثمار الذي لن نبالغ إذا قلنا إنه اختصر 1000 عام ضوئي من العمل على المستثمرين.

 ومن الجدير بالذكر، فإن الشركة السعودية للاستثمار الجريء-بحسب ما أورده موقعها الإلكتروني-تهدف إلى تطويــر منظومــة الاســتثمار الجــريء من خلال تحفيز الاستثمار في الصناديق الاستثمارية والاستثمار بالمشاركة مع مجموعات المستثمرين الملائكيين، وذلك لسد الفجوات التمويلية وتحفيز الاســتثمار في الشــركات الناشــئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة بمراحل نموها الأولية والمبكرة والمتقدمة عن طريق اســتثمار 2,8 مليارات ريال سعودي (750 مليون دولار أمريكي). كذلك تجدر الإشارة-كما تذكر لجين العبيد عبر منصة "إمكان"-إلى أن المستثمرين الملائكيين (Angel Investors) هم أفراد من أصحاب الثروات الذين يستثمرون في الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة لمساعدتها على النمو والتوسع. هؤلاء المستثمرون عادة ما يقدمون التمويل الأوَّلي أو ما يعرف بالتمويل البذري (Seed Fund) مقابل الحصول على حصة في الشركة، وبمجرد أن تتوسع الشركة وتنجح، يصبح بإمكان المستثمر الملائكي بيع أسهمه؛ لتحقيق الأرباح. كما أن المستثمرين الملائكيين هم إما مستثمرين مستقلين أو جزء من مجموعة استثمارية أكبر، كالشبكات الاستثمارية، أو الصناديق الاستثمارية المنظمة.

أشهر الشركات العالمية

ويسلط موقع CBINSIGHT الضوء على أبرز 45 شركة عالمية؛ باعتبارها نماذج متميزة ومشهورة في مجال الاستثمار الجريء وهي:

WhatsApp، وFacebook، وGroupon، وCerent، وSnap، وKing Digital Entertainment، وUCWeb، وAlibaba، وJD.com، وDelivery Hero، وZayo، وMobileye، وSemiconductor Manufacturing International (SMIC)، وMeitu، وGoogle، وTwitter، وZynga، وLending Club، وGenentech، وStemcentrx، وWorkday، وRocket Internet، وQudian، وAcerta،  Pharma، وNexon، وZalando، وUcar Group، وWebvan، وQualtrics، وMercari، وNIO، وMeituan Dianping، وXiaomi، وPinduoduo، وEle.me، وAdyen، وGitHub، وFlipkart، وSpotify، وDropbox، وCoinbase، وUber، وAirbnb، وZoom، وSnowflake.

وفي هذا التقرير لن يتسع المجال لتوضيح تطور أرباح هذه النوعية من الاستثمار الجريء، والتي يمكن وصفها بالمجزية جدًا، بشكل تفصيلي؛ لذلك سنستعرض بعضًا منها كالآتي:

واتس أب

قُدِّرت صفقة استحواذ Facebook على WhatsApp بقيمة 22 مليار دولار في عام 2014م، كأكبر عملية استحواذ خاصة لشركة نشأت بمفهوم الاستثمار الجريء على الإطلاق في ذلك الوقت. وقد كانت في الوقت نفسه مكسبًا كبيرًا لشركة Sequoia Capital، المستثمر الوحيد للشركة، والتي حولت استثمارها البالغ 60 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار. وتجدر الإشارة إلى أنه عادةً عندما يضع المستثمرون في المرحلة المبكرة نقودًا في شركة ما، فإنهم يريدون جذب مستثمرين إضافيين، وبحيث يمكن أن تنتهي الشركات الناشئة بما يصل إلى خمسة أو ستة رؤوس أموال مختلفة، وهو الأمر الذي توضحه القيمة الرأسمالية لواتس أب، والتي تطورت من 80 مليون دولار، إلى 1,5 مليار دولار، ثم كانت صفقة بيعها بقيمة 22 مليار دولار.

فيسبوك

بلغت قيمة الاكتتاب العام المبدئي لها 16 مليار دولار، ثم حقق الاستثمار الجريء فيها أرباحًا بقيمة هائلة بلغت 104 مليارات دولار، بعد أن قُدِّرت قيمتها عام 2005م بـ 12,7 مليون دولار، ثم تطورت قيمتها لتبلغ 100 مليون دولار، وما إن اتسعت أسواق وجاذبية وسائل التواصل الاجتماعي حتى بلغت شركة فيسبوك هذه القيمة الهائلة السابق ذكرها.

Alibaba

في عام 2014م تم بيع أسهم هذه الشركة الناجحة بقيمة 22 مليار دولار، كأكبر طرح عام أولي مسجل. ومن الجدير بالذكر أن شركة الاتصالات اليابانية العملاقةSoftBank  استثمرت عام 2000م ما قيمته 20 مليون دولار مقابل استحواذها على 34% من أسهم شركة Alibaba، والتي أعطى ظهورها في السوق العامة على المستوى العالمي سقفًا سوقيًا يقدر بـ 231 مليار دولار، حيث بلغت حصة SoftBank في الشركة ما يزيد عن 60 مليار دولار.​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة