القـــانون والتـــخصص.. تداعيـات سلبيــة

​​​​​

تخيل أنك في  مجلس  يجمعك  مع  الأصدقاء والمعارف،  وقال  أحدهم  إن  استشاري  القلب  نصحه عليه  بعملية  قلب مفتوح  بعد  أن  درس  ملفه الطبي،  فقفز  أحد  الحاضرين، والذي  يعمل  في  مجال  التمريض، فور  سماعه  قول  هذا الشخص  بخصوص  نصيحة  استشاري  القلب  له  بعمل العملية،  وقال: لا تحتاج  هذه  العملية!  فأنا في تخصصي "تمريض" أدرس بعض الأمور عن القلب، ولحالتك لا تحتاج لمثل هذه العملية!!. 
 فكيف سيكون الرد على هذا الممرض؟ وكيف ستكون ردة فعل الحاضرين بالمجلس؟ فضلا عن  رد  فعل  صاحبنا الذي  أشار  عليه  الاستشاري  المختص  بضرورة  عمل العملية!.  
ومن هذا المنطلق، ومن خلال عملي الأكاديمي في تدريب، وتأهيل  موظفي الدولة  في  القانون  بحكم (تخصصي)،  لاحظت  شيئاً غير متوقعاً؛ لاسيما مع تطور الوعي القانوني في المجتمع، والدعم اللامحدود من الدولة، أيدها  الله،  في تحديث ووضع قوانين وأنظمة جديدة تواكب التطور ورؤية المملكة٢٠٣٠ على  مختلف المجالات، وهو أن العديد من  الوزارات والهيئات  الحكومية تعاني من اشكاليات في  إدارتها  القانونية، ومهامها، وأعمالها. وتتطلب حلول جذرية  سريعة ومحكمة، كإشتغال غير المختص  قانونياً، في  الإدارات  القانونية بل ويكون  ممثلاً لها أمام القضاء في كثير من الحالات القانونية! فتجد المتخصص  في الرياضيات، على سبيل المثال،  يعمل  في  الإدارة القانونية،  وآخر تخصصه حاسب آلي، وغيره موارد بشرية أو لغة إنجليزية، وجميعهم يعملون في الإدارات القانونية دون تخصص ومعرفة قانونية حقيقية.
وهذا الأمر ينعكس سلباً على  أداء الإدارة من عدة أوجه؛ كإحراج الجهة الحكومية أمام  القضاء الإداري؛ لأن من  يمثلها غير متخصص، مما يوقع الضرر أيضاً على موظفي  الجهة، وعلى المواطن أو المقيم الذي يستفيد مما تقدمه له هذه  الجهة من خدمات عامة، وفيها كذلك مخالفة لمبدأ مهم في القانون الإداري، والمرافق  العامة، إضافة إلى ضياع  حقوق الدولة خصوصاً عندما يكون هناك تعويضات، وعقود، ومشتريات، والتزامات وغرامات وغيرها. 
كذلك هناك محور مهم في هذه الإشكالية، وهو تداخل المهام بين إدارات الموارد البشرية أو شؤون الموظفين بحيث  أصبحت هذه الإدارات في الجهات الحكومية تقوم بمهام الإدارة القانونية من حيث تفسير، وتطبيق الأنظمة والقوانين، واللوائح على موظفيها، وفي كثير من الأحيان يكون التفسير خاطئ، ومخالف، وغير صحيح قانونياً، لأنهم لا يعملون وفق منظور قانوني تخصصي، ولذا يجب تصحيح ذلك بوضع رقابة قانونية على قرارات هذه الإدارات من قبل الإدارة  القانونية المختصة أو وضع مدقق أو مراجع قانوني في كل إدارة من هذه الإدارات لكي لا يقع ظلم على أي طرف.
ولهذا لابد أن تقوم الوزارات والهيئات الحكومية بلا استثناء بالوقوف وقفة جادة  للتأكد من وجود الكفاءات القانونية المؤهلة فيها كي لا تكون عرضه لمثل هذه التداعيات السلبية، وتتمكن من ممارسة أفضل المعايير القانونية تماشياً مع توجه الدولة ورؤية المملكة ٢٠٣٠.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة