أ.عبد الرحمن الشعيل مدير عام الموارد البشرية بالمعهد في حوار مع وكالة الأنباء العالمية «سبوتنيك»


في حواره مع وكالة الأنباء العالمية "سبوتنيك"، تحدث أ.عبدالرحمن بن محمد الشعيل، المدير العام للموارد البشرية بمعهد الإدارة العامة، مستشار الموارد البشرية، عن العديد من القضايا المهمة. فقد أبدى تقييمه الوضع العام للموارد البشرية السعودية حاليًا في ضوء رؤية المملكة 2030، ومدى تعافي سوق العمل ومجتمع الأعمال من آثار جائحة كورونا، والتمكين الاقتصادي والإداري للمرأة السعودية، ونظرة المواطن السعودي للعمل في القطاعين العام والخاص. كذلك استعرض الجهود الحكومية والمبادرات المتعلقة بالمتقاعدين، والباحثين عن العمل، وسوق العمل، ومكاسبها الاقتصادية، والتستر التجاري، وتسليط الضوء على مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية. وإليكم التفاصيل.

الوضع العام للموارد البشرية
مما لا شك فيه أن رؤية المملكة 2030 هي الإستراتيجية الحالية والمستقبلية الأبرز والطموحة التي تُعوِّل عليها المملكة ومواطنيها في ارتياد آفاق تنموية غير مسبوقة في كافة المجالات، والتي من بينها الموارد البشرية، حيث يبدي أ.عبدالرحمن الشعيل تقييم الوضع العام لهذه الموارد حاليًا في ضوء رؤية المملكة 2030، مؤكدَا أن الخطط، والمبادرات الحالية التي تم إطلاقها ضمن برامج الرؤية أسهمت بشكل كبير في منح سوق العمل السعودي حرية آليات العرض والطلب، والمرونة اللازمة.
وأصبح سوق العمل المحلي جاذبًا للكوادر الوطنية، وللمهارات والكفاءات الأجنبية، وانعكس ذلك على تنافسية الأجور ومزايا العمل، والأمان الوظيفي الذي شجع الكثير من هذه الكوادر للعمل في مؤسسات وشركات القطاع الخاص؛ وبالتالي انتفت الأسباب السلبية السابقة التي كانت تجعل المواطنين يفضلون العمل الحكومي على العمل في القطاع الخاص.
التعافي من الجائحة
وفي ضوء الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة-يحفظها الله-التي تتعاطي بحنكة واقتدار مع كافة القضايا وإدارة أزمة كورونا التي اجتاحت جميع دول العالم، يتطرق المدير العام للموارد البشرية بمعهد الإدارة العامة إلى آثارها في سوق العمل ومجتمع الأعمال السعودي، ومدى تعافيه منها، بقوله: "كما هو معروف فإن سوق العمل، والمجتمع الوظيفي بشكل عام في السعودية شأنه شأن دول العالم الأخرى تضرر بسبب تداعيات جائحة كورونا، ولكن مع إدارة المملكة الفاعلة للجائحة، والدعم الكبير الذي قُدِّم للقطاع الخاص، والمبادرات التي عملت على رفع العبء عن أصحاب الأعمال، استطاع القطاع الخاص المرور من التداعيات السلبية الأكبر للجائحة. وبدأت الأجواء تتحسن شيئا فشيئاً. وحالياً عادت الأعمال بشكل طبيعي، وبدأنا نشاهد إعلانات التوظيف والاستقطاب".
التمكين الاقتصادي والإداري للمرأة
واتساقًا مع التوجهات الحضارية العصرية للمملكة وما تشهده من طفرات تنموية متلاحقة؛ يطرح أ.الشعيل أبرز المؤشرات الخاصة بكل من التمكين الاقتصادي والإداري للمرأة السعودية، مشيرًا إلى أن المملكة حققت قفزات نوعية، وزادت مشاركة المرأة الاقتصادية في سوق العمل وانعكست الجهود والتشريعات الإصلاحية التي تمت خلال السنوات الأخيرة وفق رؤية المملكة 2030 على مستهدفات تمكين المرأة، حيث بلغ معدل المشاركة الاقتصادية للإناث السعوديات من 15 سنة فما فوق 33,5% بنهاية 2020، في حين تضاعفت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 17% إلى 31.8%، متجاوزين بذلك مستهدف الرؤية لعام 2030م للوصول إلى نسبة 30%. كما بلغت نسبة النساء في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا 30% في القطاعين العام والخاص خلال العام الماضي 2020. كما أظهرت المؤشرات ارتفاع نسبة النساء السعوديات في الخدمة المدنية إلى 41.02% بنهاية 2020.
مستجدات بيئة وسوق العمل
ويطرح أ.الشعيل مستشار الموارد البشرية وجهة نظره حول بيئة العمل والجديد فيها، قائلًا: "لدينا إيمان كامل بأن كفاءة وجاذبية وإنتاجية سوق العمل السعودي ترتبط ببيئة العمل بشكل عام، ولهذا فقد أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية العديد من المبادرات، والبرامج الهادفة إلى تحقيق ذلك. على سبيل الذكر لا الحصر برنامج حماية الأجور، والإستراتيجية الوطنية لسوق العمل، كما عملت على دراسة أنماط العمل التي يحتاج إليها سوق العمل حاليًا ومستقبلًا. وأحدثت التشريعات اللازمة والمنصات الحاضنة لها، وتم تفعيل أنماط العمل الحديثة عبر منصات متخصصة هي منصة العمل الحر، ومنصة العمل المرن، ومنصة العمل عن بعد، وهذا يعتبر غيضٌ من فيض، حيث ما بين الفينة والأخرى نجد مبادرات ومشروعات هدفها تحسين بيئة العمل وجعل السوق السعودي أكثر جاذبية وإنتاجية".
كذلك أوضح وجهة نظره حول أبرز المستجدات التي أثرت على سوق العمل السعودي، حيث يرى أن هناك الكثير من المبادرات التي أثرت إيجاباً على سوق العمل السعودي، لعل أبرزها مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية للعمالة الوافدة، وبرنامج حماية الأجور، وكذلك تعديلات على التشريعات والأنظمة واللوائح فيما يخص تمكين المرأة، مثل صدور قرار التنظيم الموحد في بيئة العمل في منشآت القطاع الخاص، وتساوى المواطنين والمواطنات في حق العمل دون تمييز، كما أن هناك سعي دائم لتحديث الأنظمة واللوائح لمواكبة المتغيرات ومتطلبات المرحلة الراهنة.
دعم المنشآت
ولعل ذلك ينقلنا إلى حديث أ.عبدالرحمن الشعيل حول أبرز الجهود الحكومية بالمملكة الخاصة ببرامج ومبادرات دعم المنشآت، فيلفت إلى أن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" أُنشئت عام 2016م، وتتلخص أهدافها في تنظيم قطاع هذه المنشآت بالمملكة ودعمه وتنميته ورعايته وفقاً لأفضل الممارسات العالمية؛ وذلك لرفع إنتاجية هذه المنشآت وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35% بحلول عام 2030م. وتعمل "منشآت" على إعداد وتنفيذ ودعم برامج ومشروعات لنشر ثقافة وفكر العمل الحر وروح ريادة الأعمال والمبادرة والابتكار، وتنويع مصادر الدعم المالي للمنشآت، وتحفيز مبادرات قطاع رأس المال الجريء، إلى جانب وضع السياسات والمعايير لتمويل المشاريع التي تصنف على أنها مشاريع صغيرة ومتوسطة، وتقديم الدعم الإداري والفني للمنشآت ومساندتها في تنمية قدراتها الإدارية والفنية والمالية، والتسويقية، والموارد البشرية. أما فيما يتعلق بالتدريب، فيتولى معهد الإدارة العامة تدريب وتطوير موظفي القطاع العام، ويتولى صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) تأهيل القوى العاملة الوطنية للعمل في القطاع الخاص وذلك عبر عدة برامج ومبادرات محفزة.
ثقافة العمل بالعام والخاص
وفي ظل هذه المستجدات والمبادرات والبرامج الهادفة والفعالة؛ يُثار التساؤل حول ثقافة العمل التي تحكم نظرة المواطن السعودي للعمل بكل من القطاعين العام والخاص وتفضيلاته، وهو ما يسلط أ.الشعيل عليه الضوء، مبينًا أنه على الرغم من أن ثقافة العمل في القطاع الخاص أصبحت حالياً سائدة بين الشباب بفضل جهود الوزارات والمؤسسات الوطنية، وعلى رأسها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إلا أن فكرة التمسك بالعمل في القطاع العام لازالت إلى حد ما ماثلة في توجه نسبة من الكوادر الوطنية، كما تعتبر مسألة الازدواجية التي كان يعاني منها سوق العمل المحلي هي أحد أسباب هذا التباين. من هنا جاءت فكرة القيادة الرشيدة في دمج وزارة الخدمة المدنية المختصة في القطاع العام بوزارة العمل المختصة بالقطاع الخاص في كيان واحد، تحت مسمى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، كأحد المعالجات التي تهدف إلى إزالة هذه الازدواجية. ثم تلتها الخطوة التالية بإطلاق المبادرات، والأنظمة، والتشريعات التي تقلص الفجوة في المزايا الوظيفية بين القطاعين وكذلك تحسين بيئة العمل لتكون أكثر جاذبية للمواطنين.
المتقاعدون والباحثون عن العمل
ويبرز مدير عام الموارد البشرية ومستشارها أ.عبدالرحمن الشعيل أهم الحلول والبرامج المقدمة للمتقاعدين، فيذكر أنه تم حديثاً إطلاق برنامج (تقدير) الذي يتيح لعملاء المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، من متقاعدين ومستفيدين الحصول على خدمات مميزة في مسارات متنوعة تشمل: حلول التمويل، والمزايا والعروض، والاستفادة من خبرات المتقاعدين، والتطوع؛ تحقيقا للمسؤولية الاجتماعية، وحضور الأنشطة والفعاليات، وذلك بالتعاون مع شركاء برنامج (تقدير) من القطاع الخاص.
وأما ما يتعلق بالحوافز والتنظيمات الداعمة للباحثين عن العمل، فيضيف: "هناك حزمة من هذه الحوافز والتنظيمات، مثل خدمة التقديم على الوظائف الحكومية (جدارة)، والتي تهدف لمساعدة المواطنين الباحثين عن عمل في القطاع العام، وبرنامج (طاقات) للباحثين عن العمل في القطاع الخاص. كذلك برنامج (حافز) للباحثين عن العمل، والذي يوفر مساعدة مالية شهرية للباحثين عن العمل، بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية لتأهيلهم".
تنافسية سوق العمل
وحول الأثر المباشر لهذه المبادرات في تنافسية سوق العمل السعودية مع أسواق العمل العالمية ورفع تصنيفه في مؤشرات التنافسية الدولية، يشدد أ.عبدالرحمن الشعيل على أن هذه المبادرات هي أحد ثمار برنامج التحول الوطني ورؤية 2030م، حيث تعمل على تحقيق إصلاح جذري في سوق العمل، والذي بدوره سينعكس على مرونة السوق وجاذبيته وتتوافق مع مبادرة استقطاب الشركات العالمية إلى المملكة، بما تتيح من مرونة وسهولة تنقل العاملين، وتحسين علاقاتهم التعاقدية؛ وبالتالي رفع تنافسية سوق العمل، ومساعدة أصحاب الأعمال في توفير الكفاءات ومرونة عملية التوظيف، إلى جانب تعزيز توطين الوظائف للمواطنين. وللعلم فإن المملكة صعدت إلى المرتبة 13 في مؤشر كفاءة سوق العمل وفقًا لتقرير التنافسية العالمي، وأصبحت عضوًا في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، مما ينعكس على المكانة والثقة التي تتمتع بها المملكة في المنظمة ودورها الفعال في صناعة القرارات وبناء السياسات حول معايير العمل الدولية؛ وهو ما يعكس جاذبية الاستثمار المحلية والعالمية في المملكة، كما أنه المولِّد الرئيس للوظائف. كما أنه بإطلاق هذه المبادرات تكون المملكة استوفت الـ 9 ركائز الرئيسة المطلوبة من قِبَل منظمة العمل الدولية (ILO) لبناء سوق عمل جاذب، وتمثل حرية انتقال العمالة وتسهيل إجراءات الخروج والعودة أحد أهم الركائز التي كان يحتاج سوق العمل لتحسين إجراءاتها.
مكاسب اقتصادية
ويستعرض أ.الشعيل أبرز المكاسب الاقتصادية التي جناها الاقتصاد السعودي من هذه المبادرات الهادفة إلى تطوير، وتحسين ظروف وبيئة العمل بكافة مكوناتها، حيث تتعدد آثارها الاقتصادية الإيجابية، والتي منها: تحقيق مرونة سوق العمل وتطوره، ورفع إنتاجية القطاع الخاص، ورفع نسبة التوطين واستقطاب الكفاءات وأصحاب المهارات العالية، ومحاربة التستر التجاري، والمساهمة في تحقيق مستهدفات برنامج رؤية المملكة 2030م. وهذه الآثار الإيجابية بدأنا نشعر بها بالفعل ولكن سيزداد تأثيرها، وسيصبح جلياً في قادم الأيام إن شاء الله. وبلغة الأرقام، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.7% في الربع الرابع من عام 2021 م مقارنة بالربع المماثل من عام 2020م، وبالمقارنة مع الربع الثالث من عام 2021 م فقد حقق نموا بلغ 1.6%.
ظاهرة التستر التجاري
وعلى صعيد متصل، يرى أ.الشعيل أن لهذه المبادرات دور فعال في الحد من ظاهرة التستر التجاري كأحد مستهدفات رؤية المملكة 2030؛ فقد أسهمت في تحسين بيئة العمل في رفع نسبة الاستعانة بالعمالة الوطنية في جميع القطاع الخاص، وكذلك استقطاب الكفاءات الخارجية، وتشجيع التنافس، والحد من العمالة السائبة، إضافة لنوعية الأيدي العاملة الوافدة التي سيتم استقدامها، حيث إن أهم مسببات التستر التجاري هي القيود السابقة في إجراءات حرية انتقال العامل الوافد في حالة توفر فرصة وضع وظيفي أفضل، وبتطبيق تلك المبادرات والبرامج، حدث انحسار كبير في ظاهرة التستر التجاري، بالإضافة إلى المبادرات الخاصة بالقضاء على التستر بشكل عام.
تحسين العلاقة التعاقدية
ويختتم أ.عبدالرحمن الشعيل مدير عام الموارد البشرية بمعهد الإدارة العامة حديثه، بالتركيز على مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية، والتي أشار إليها سابقًا، مبينًا أبرز الجوانب والخدمات التي تضمنتها، قائلًا: "شملت المبادرة 3 خدمات رئيسة هي: خدمة حرية التنقل الوظيفي، وخدمة الخروج والعودة والخروج النهائي. وتفصيلاً، هي كما يلي:
أولا: خدمة التنقل الوظيفي: وهي خدمة تنظم عمليات التنقل الوظيفي للوافدين من منشأة إلى أخرى بما يتوافق مع العقود الموثقة بين الطرفين وتتطلب مراعاة مجموعة الضوابط.
ثانيا: خدمة الخروج والعودة: وتتيح هذه الخدمة للعامل الوافد رفع طلب إصدار تأشيرة الخروج والعودة خلال سريان عقد العمل الموثق الكترونياً
ثالثا: خدمة الخروج النهائي: وتتيح هذه الخدمة للعامل الوافد رفع طلب إصدار تأشيرة الخروج النهائي للمغادرة بعد انتهاء عقد العمل الموثق أو خلال سريانه الكترونياً".
وفيما يتعلق بتقييم أثرها على سوق العمل السعودي، يرى أن هذه المبادرة جاءت في إطار دعم رؤية وزارة الموارد البشرية السعودية والتنمية الاجتماعية في بناء سوق عمل جاذب وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية وتطوير بيئة العمل، وهو ما يزيد جاذبية سوق العمل السعودي للشركات العالمية، ويقضي على تسرب الكفاءات من سوق العمل، ويجعل السوق السعودية من أكثر أسواق العمل جاذبية في المنطقة.



​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة