تحليل السياسات العامة: المفاهيم الأربعة والنماذج الخمسة


شا​​ع في أدبيات السياسات العامة أنه لكي نفهم طبيعة السياسات ونكشف أغوارها؛ فإن علينا أن ننظر لها من خلال 4 مفاهيم تبدأ بحرف الـ (I)، وهي: الأولي هي Ideas التي تعني جملة الأفكار والتصورات والرؤى الكامنة والمعلنة التي تحرك السياسات العامة. والثانية Individuals أي أدوار القادة والأشخاص الذين يتخذون القرارات المرتبطة بالسياسات العامة وإدراكاتهم واستجابتهم للمؤثرات البيئية. والثالثة هي Interest  أي تلك المصالح المتباينة والمتشابكة والمترابطة لفئات المجتمع والعلاقات البينية. والرابعة هي Institution أي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تقوم بأدوار في صياغة وتشكيل وتنفيذ السياسات العامة فضلا عن الرقابة عليها وتقييمها. 
بيد أن التطورات النظرية والعملية التي لحقت بحقل السياسات العامة داخل الأكاديميات الغربية خلال الـ 5 عقود الأخيرة؛ أدت إلى بروز مجموعة من النماذج والاجتهادات التي تحاول طرح عدد من التصورات لمزيد من فهم السياسات العامة، كان لكل نموذج تصوراته وافتراضاته وخصائصه وسماته التي تقترب حيناً وتتباين أخري. والنموذج هو تصور ذهني لأمر ما ولكيفية عمله، يُستنبط-غالباً-من الواقع. وسوف نقتصر هنا على استعراض أهم 5 نماذج شائعة لتحليل السياسات. 
النموذج الأول (الأسئلة): كما يتضح من اسمه، فإنه ينهض على عدد من الأسئلة التي تتراوح ما بين أسئلة ذات طابع "وصفي" من قبيل: من؟ وأين؟ وكيف؟ وما الذى تفعله الحكومة /وما الذى لا تفعله الحكومة تجاه السياسة الصحية أو التعليمية؟..وغيرها، وداخل الأسئلة الوصفية تتم 3 عمليات أساسية، وهي: التصنيف، والترتيب أو التسلسل، والارتباطات. والهدف هنا محاولة وصف السياسات القائمة، وتصنيفها، وتحديد علاقاتها المتبادلة بين عناصرها، وجمع المعلومات عنها، وربما النجاح في صياغة عدد من الفرضيات. والنوع الثاني من الأسئلة "تحليلية" تحاول البحث في النتائج والأسباب؛ للوصول إلى معرفة الثغرات وتقديم تفسيرات ملائمة، فتُطرح أسئلة من قبيل: لماذا تفعل الحكومة ما تفعله؟ ولا يقف النموذج عند هذا الحد بل يتعداه إلى مناقشة أثر السياسات العامة سواء في المدي القصير وهو ما يُسمي بـ "العائد"، أو المدي البعيد وهو ما يسمي بـ"الأثر". بيد أن هذا النموذج لا يُقدم أدوات بحثية عميقة في تقييم السياسات العامة أو تقويمها.
النموذج الثاني (حل المشكلة): يتشابه مع النموذج الأول في طرحه مجموعة من التساؤلات. وتلخصه مقولة مفادها أن: "الوصف الدقيق والصياغة المُحكمة للمشكلة هي نصف الحل" أو هي مشكلة نصف محلولة. وتختلف الأسئلة التي يطرحها ما بين أسئلة مفتوحة تشحذ الذهن علي النقاش والتفكير في إجابات عليها من قبيل: إلى أي مدي تتلاءم الجهود والتكاليف مع السياسات؟ وهو سؤال يسعى لتقييم السياسات والحكم عليها؛ من أجل تغييرها أو تأييدها أو تعديلها. والأسئلة الأخرى تجمع ما بين "الوصفية" و"التحليلية"، مثل: ما الخطوات التي تبنتها الحكومة لمعالجة...؟ ولماذا؟ 
وبما أن السياسات العامة تتسم بطابع التشابك والترابط ظهر النموذج الثالث (روابط تحليل السياسات العامة): والذي يركز على التفاعلات والروابط بين 3 جهات هي: السياسات، والمؤسسات، والتفاعلات البيئية. فيطرح دراسة أثر 6 روابط هي: أثر البيئة على السياسات العامة مباشرة. وعلى جانب ثان التأثيرات التي تقوم بها المؤسسات والعمليات الإدارية في السياسات، ويفحص الرابط الثالث التأثيرات التي تقوم بها البيئة في المؤسسات والعمليات الإدارية والسياسات التي تتبناها الحكومة. ثم ينتقل الي دراسة أثر التغذية الراجعة للسياسات على البيئة. وأثر التغذية الراجعة للمؤسسات في البيئة. وأخيراً أثر التغذية الراجعة للسياسات في المؤسسات.  
ونظراً لأهمية الدراسات الكمية؛ يأتي النموذج الرابع (نموذج الاختيار الأمثل): والذي يفترض أن كل إنسان يحاول تعظيم منفعته، والإفلات من الخسارة أو على الأقل وضعها في حدودها الدنيا. وبناء عليه يسعى النموذج إلى تحليل حسابات (المنفعة -العائد / التكلفة)، ويستخدم في ذلك أساليب، كشجرة القرارات، ونظريات المباريات، وغيرها من الأساليب الكمية. 
وبرز النموذج الخامس كامتداد للدراسات الكمية في حقل السياسات العامة وهو نموذج (الأداء الأمثل): والذي يؤكد علي تطوير الأداء باستخدام الأساليب الرياضية والمنطقية وبحوث العمليات؛ في سبيل الموازنة بين البدائل المختلفة. وبدأ يستعين بأدوات مثل: الأدوات المحاسبية، والمحاكاة، وخرائط جانيت أو Gantt Chart، وأسلوب المسار الحرج (تكلفة بيرت PERT)، وصفوف الانتظار، ونماذج ماركوف، وأسلوب دلفي.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة