المواءمة بين استراتيجيتي الموارد البشرية والمنظمة وأهدافها

فرضت التطورات العالمية المتسارعة على المنظمات أن تعمل في بيئات تقنية، واقتصادية، ومالية، وقانونية ذوات تحدٍ كبيرٍ؛ وترتب على ذلك ضرورة تكيف المنظمات معها، فأخذت هذه المنظماتُ تكيِّف استراتيجيتها، واستراتيجيات إداراتها المختلفة، وممارساتها في جميع الأنشطة والمجالات: الإنتاجية، والتسويقية، والمالية، والموارد بشرية، وغيرها، بما يتلاءم مع هذه التغيرات. وأحد أهم هذه المجالات، والذي احتاج إلى تغيير شامل هو إدارة الموارد البشرية؛ إذ من غير الممكن أن يستمر دورها كالسابق. كذلك لم يقتصر تغيير مسمى "إدارة الأفراد" إلى "إدارة الموارد البشرية" على المسمى فقط، بل امتد إلى المضمون والأدوار أيضاً، وأصبح لإدارة الموارد البشرية استراتيجيةٌ خاصة بها تتكامل مع استراتيجية للمنظمة وتقوم بدور هام في تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية.  

     وتعرَّف الاستراتيجية بأنها عملية مستمرة وتفاعلية؛ تهدف إلى الحفاظ على المنظمة، متوافقة مع بيئتها من خلال مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لتحقيقها. في حين تعرف استراتيجية الموارد البشرية بأنها عبارة عن خطة طويلة الأجل تركز على تخطيط القوى العاملة وتنميتها، ومواءمة مؤهلات ومهارات العاملين وقدراتهم مع احتياجات القوى العاملة اللازمة لتحقيق أهداف المنظمة، وينبغي على المنظمات تطوير استراتيجيات أعمالها في نفس الوقت الذي تطور فيه استراتيجيات الموارد البشرية الخاصة بها.

      لقد تعرضت وظائف وممارسات إدارة الموارد البشرية المختلفة (الاختيار والتعين، وتصميم وتوصيف العمل، والتدريب، وتقييم الأداء، والتعويضات، وغير ذلك) إلى تغييرات جوهرية وأساسية؛ فرضتها طبيعةُ التغيرات والتحولات التي طرأت على المنظمات واستراتيجيتها، والتي نتجت عن التغيرات في البيئة العالمية والإقليمية والمحلية المحيطة، ولم يعد ينظر لهذه الوظائف أو تأديتها كالسابق، وإنما بنظرة استراتيجية منبثقة من الاستراتيجية العامة للمنظمة وبما يمكِّن من تحقيق استراتيجية المنظمة وأهدافها. ويتطلب ذلك من إدارات المنظمات أن تعيد النظر في وظائف الموارد البشرية وما إذا كانت قادرة على تحقيق ذلك أم لا. ولتحقيق المواءمة بين الاستراتيجية العامة للمنظمة واستراتيجية الموارد البشرية؛ يترتب على مديري الموارد البشرية مشاركة الإدارة العليا في تحديد استراتيجية المنظمة وأهدافها، وتحديد أهداف الموارد البشرية، بما يتلاءم مع أهداف المنظمة ووضع الإجراءات الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف.

      ويشير مفهوم المواءمة الاستراتيجية إلى الارتباط الوثيق بين إدارة الموارد البشرية واستراتيجية العمل التي تساعد في الحفاظ على العاملين وتحفيزهم. وتعرَّف بأنها المستوى الذي تتم فيه مواءمة الموارد البشرية واستراتيجيات الأعمال وتوجيهها نحو تحقيق نفس الأهداف. وقد أشار عدد من الباحثين إلى أن الاتساق بين استراتيجية المنظمة وممارسات إدارة الموارد البشرية يعد عنصراً أساسياً في نجاحها؛ حيث تؤثر إدارة الموارد البشرية على مهارات العاملين من خلال استقطابهم وتطويرهم وبما يسهم في تحقيق أهداف المنظمة، كما يتطلب تحقيق أهداف المنظمة تطوير موردين من مواردها الأساسية هما: رأس المال النقدي، ورأس المال البشري؛ إذ أن نقص أي منهما يضعف أي استراتيجية يتم اختيارها. وتفشل العديد من المنظمات في صياغة وتطوير استراتيجيات الموارد البشرية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا باستراتيجيات الأعمال، على الرغم من توفر التمويل الكافي. ولا يمكن للمنظمات أن تعمل بفعالية؛ إلا إذا كان حجم ونوعية العاملين المطلوبة متوفرة فيها.

      إن ممارسات إدارة الموارد البشرية هي من يوجِّه سلوك العاملين، بما يتوافق مع استراتيجية المنظمة وبما يعمل على تحقيق أداء متميز، كما أن تطبيق مفهوم الملاءمة الاستراتيجية يساعد المنظمات على إدارة مواردها بكفاءة أكبر، بحيث يمكِّنها من خفض التكاليف التشغيلية والاستجابة الفعَّالة للتهديدات البيئية والفرص الجديدة. ووفقًا للنظرية الموقفية والمنظور السلوكي؛ فإن الارتباط الفعَّال بين استراتيجيات العمل واستراتيجيات إدارة الموارد البشرية يعزز الأداء التنظيمي. ويبين مكتب إدارة شؤون الموظفين في الولايات المتحدة أن التوافق بين استراتيجية الموارد البشرية واستراتيجية المنظمة يعني تكامل القرارات المتعلقة بالأفراد وبالقرارات المتعلقة بالنتائج التي تحاول المنظمة الحصول عليها.

      هذا وتعتمد الدرجة التي تشارك بها وظائف الموارد البشرية في كل من التطوير التنظيمي واستراتيجية الموارد البشرية على ما إذا كان مديرو الموارد البشرية يحتلون مراتب متقدمة ضمن الهيكل التنظيمي للمنظمة، كما تعتمد على قدراتهم الذاتية ونشاطهم وحافزيتهم وقدرتهم على جعل الموارد البشرية مشاركاً رئيساً في بناء استراتيجية المنظمة. وقد أولت المنظمات في الوقت الحالي اهتمامًا بهذا الموضوع؛ مما يعد فرصةً لمديري الموارد البشرية ليكونوا صُنَّاع استراتيجيات في منظماتهم؛ وسيؤدي هذا إلى تغيير في دور الموارد البشرية من شريك في تنفيذ الأعمال إلى شريك في تخطيط وترتيب استراتيجيات الأعمال مع الإدارة العليا داخل المنظمة، ويعمل مديرو الموارد البشرية كقادة للتميز في الموارد البشرية.

      لذلك ومع أهمية وضرورة بناء استراتيجية جيدة للمنظمة، فإن تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل جيد لا يتم إلا في حالة وجود استراتيجيات للموارد البشرية موائمة لذلك. وترتبط استراتيجية العمل واستراتيجية الموارد البشرية ارتباطًا وثيقاً مع بعضهما البعض؛ حيث تعمل إدارة الموارد البشرية كأداة لكل جانب من جوانب تنفيذ الاستراتيجية تقريبًا. ومن المسلم به القول إن القوى العاملة عالية الجودة تساعد المؤسسات على التنافس والتميز في المنتجات والخدمات؛ وبالتالي ستكون نقطة البداية هي استراتيجيات تخطيط الموارد البشرية القائمة على خطط العمل التي تؤدي إلى التنبؤ بالطلب في المستقبل على مهارات مختلفة للعاملين، إلى جانب تحليل القوى العاملة الحالية الموجودة بشكل رئيسي فيما يتعلق بالعمر، والمؤهلات، ومدة الخدمة، وسجلات التدريب، وبيانات الكفاءة وما إلى ذلك. وبناء على خطط العمل، يجب مراقبة خطط القوى العاملة ومراجعتها بشكل متكرر للاستجابة للمواقف المتغيرة.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة