هندسة التدفقات النقدية

​إن الدول ذات الملاءة المالية الجيدة في إعدادها موازناتها السنوية تبدأ عادةً بتحديد أوجه الإنفاق بناءً على احتياجاتها التقديرية، ثم تنظر بعد ذلك في توفير اللازم لتغطية هذه النفقات؛ وذلك لما تتمتع به من قوة اقتصاديه تمكنها من توفير الإيرادات اللازمة لتغطية هذه الاحتياجات.

لذلك استغرب كثيراً سماع عبارة (ماااا في فلووووس) في أي جهة حكومية، خاصةً أننا نتمتع في المملكة العربية السعودية بوضع مالي جيد، ويظهر هذا جلياً من خلال ثبات التصنيف الائتماني للمملكة؛ بحسب ما أعلنته شركة "موديز" للتصنيف الائتماني لعام 2020 م مؤخراً خلال أزمة جائحة كرونا.

ومن ناحية أخرى، فإن ما يزيد من استغرابي هو أن القطاع العام يمتاز بمعرفته المسبقة أوجه الصرف السنوية بناء على ما تم تحديده مسبقاً، من خلال إعداد الموازنات السنوية للجهة الحكومية واعتمادها من قبل وزارة المالية.

في الواقع هذه المشكلة تواجه القطاعين العام والخاص على حد سواء؛ نتيجة سوء إدارة النقد فيها. قد أتفهم هذه المشكلة في شركات القطاع الخاص حيث يصعب التنبؤ بتدفقاتها النقدية الداخلة، لكن أن تحدث هذه المشكلة في مؤسسات القطاع العام فهو من وجهة نظري شيء غير مبرر.

في الواقع إن السبب الرئيس لنشوء هذا العجز هو سوء عمليات التقدير للاحتياجات السنوية بالدرجة الأولى، علاوةً على سوء تقدير توقيت صرف النفقات الحكومية بناءً على ما تم التخطيط له مسبقاً. ولتجاوز هذه المشكلة يجب أن يتمتع المدير المالي في القطاع العام بالقدرة على هندسة التدفقات النقدية الحكومية بشكل جيد، بالتزامن مع وضع آلية مناسبة لتحديد الاحتياجات باستخدام أدوات التنبؤ العلمي، ووضع إطار زمني محدد ودقيق لعملية الصرف؛ وهو الأمر الذي من شأنه أن يسهم بشكل كبير في تقليل انحرافات الموازنة وإزاحة وهم ( ماااافي فلوس) . 



 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة