التنمر الوظيفي..دوامة الصمت وشجاعة المواجهة



إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

علاقات العمل هي نسخة مصغرة لحياتنا اليومية وعالمنا الإنساني المعاصر الذي يعج بالكثير من الظواهر والمشكلات، والتي من أخطرها "ظاهرة التنمر" التي ربما يواجهها الجميع بشكل أو آخر، وربما يلوذ الكثيرون منهم بالصمت في مواجهتها، خاصة إذا كان من جانب المديرين والرؤساء. وتبرز أهمية هذه الظاهرة في بيئات العمل؛ لأنها تؤثر سلبياً على الصحة النفسية للموظفين وتنعكس على أدائهم وبالتالي تنال من أداء أي منظمة، وذلك في الوقت لا تدخر فيه الدول والشركات مالاً أو جهداً لتوفير بيئة عمل سعيدة ومواتية لتحفيز أداء منسوبيها وبناء علاقات عمل وإنسانية سوية وناضجة بينهم؛ فمواردها البشرية هي أثمن ما تمتلكه، وتعمل على الارتقاء بمهاراتهم وقدراتهم.

نستهل حديثنا عن ظاهرة التنمر الوظيفي أو التنمر في مكان العمل بأن نوضح أن أول استخدام موثق لمصطلح "التنمر في العمل"-وفقاً لموسوعة "ويكيبيديا"-كان في عام 1992م في كتاب "أندريا آدمز" بعنوان: "التنمر في العمل: كيف نواجهه ونتغلب عليه؟".

الإعلام والعولمة

ويوضح معهد التنمر في مكان العمل WBI (الأمريكي) أن التنمر الوظيفي هو عبارة عن أذى وإساءة أو إساءات موجهة متكررة وتلحق ضرراً بموظف أو أكثر، من جانب موظف آخر أو أكثر. وهذه الإساءة قد تكون لفظية أو أنماطاً سلوكية تحمل طابع التهديد أو التخويف أو الإذعان والإذلال، أو تخريب العمل، أو مزيج من بين هذه الإساءات والسلوكيات السلبية.

ويضيف د.عبدالوهاب مغار في مقاربته النظرية عن التنمر الوظيفي أن هناك أسماءً مختلفة لهذه الظاهرة السلبية المعروفة بالتنمر، كالتسلط، والترهيب، والاستقواء، وقد نشأت تلك الظاهرة في الغرب، وبدأت تغزو المؤسسات التربوية والخدماتية والإنتاجية؛ بفعل تأثيرات العولمة والغزو الإعلامي. ويرى مغار أن التنمر في مواقع العمل عبارة عن ميل الأفراد أو الجماعات لاستخدام سلوك عدواني بشكل مستمر ضد زميل في العمل أو مدراء ضد مرؤوسيهم، وهذا النوع من التنمر

يمكن أن يأخذ أشكال عدة، مثل: اللفظية، وغير اللفظية، والنفسي، والاعتداء الجسدي، والإذلال، والإشاعات. كل هذه إشارات على أن هناك من يتنمر وينصب مكائد للموظفين. موضحاً أن التنمر الوظيفي في معظم الحالات يقوم به المتنمرون من الرجال، وأنه يمكن أن يحدث سواء بشكل سري أو علني، لكنه دائما سيئ ويؤثر على الحياة المهنية والشخصية، والصحية، وفي بعض الحالات القصوى قد تؤدي إلى الانتحار. وربما يصدر التنمر من فرد أو مجموعة أفراد؛ لأجل إلحاق الأذى بفرد آخر أو مجموعة أفراد، على المستويين النفسي أو الجسدي، ويكون التنمر حتى على طريقة الكلام، أو طريقة العمل أو نوعية الملبس، ولربما يتجرد الموظفون من الإنسانية ويستهزئون بالإعاقة؛ بقصد تثبيط عزيمة المتنمر عليه وتقويض وجوده وعزله.

الموظفون أكثر من الموظفات

وحتى ندرك خطورة وأبعاد ظاهرة التنمر الوظيفي؛ فإن لغة الأرقام والإحصائيات تؤكد أن هذه الظاهرة منتشرة في مختلف المجتمعات والدول، سواء المتقدمة أو غيرها. فتشير إحصائيات معهد WBI عبر موقعه الإلكتروني إلى أن 30% من إجمالي البالغين العاملين بالولايات المتحدة قد تعرضوا للتنمر الوظيفي، وأن 76 مليوناً من هؤلاء العاملين تأثروا بهذا التنمر، كما أن 61,3 من التنمر كان مصدره نفس النوع، بمعنى أنه موجه غالباً من ذكور ضد ذكور وإناث ضد إناث، لكن ذلك لا يمنع أيضاً من وجود تنمر موجه من نوع ضد نوع آخر، بالإضافة إلى أن 43% ممن يعملون عن بُعد تعرضوا للتنمر عبر الاجتماعات والبريد الإلكتروني. ووفقاً لنتائج تقرير المسح الذي أجراه المعهد لعام 2021م بهذا الخصوص؛ فقد بلغت نسبة المتنمرات الإناث في مكان العمل 33%، واللائي كان 65% من تنمرهن يستهدف زميلاتهن، بينما بلغت نسبة استهدافهن زملائهن من الرجال 35%. وفي المقابل فقد بلغت نسبة تنمر الموظفين الذكور 67%، والذين بلغت نسبة تنمرهم ضد زملائهم 58%، وكانت نسبة استهدافهم زميلات العمل 42%.

ويلفت موقع "حلوها" إلى دراسة حديثة وجدت أن 19% من الموظفين في العالم يتعرضون للتنمر يومياً، بينما 20% يكونون شهوداً على التنمر، وأن مديري العمل يشكلون 60% من المتنمرين، بينما المتنمرون من الذكور أكثر من المتنمرات الإناث، فيما يقع التنمر على السيدات من قبل الرجال بشكل كبير. كذلك كشفت الدراسة أن 29% من الأشخاص الذي يقع عليهم التنمر يظلون صامتين طوال الوقت، وأن 71% من ردود أصحاب العمل تكون لصالح الطرف الأقوى، والذي دائماً يكون المتنمر.

عوامل مهمة

وفيما يتعلق بالعوامل التي تساعد على ظهور وبروز هذه الظاهرة؛ فتحددها بعض المواقع الإعلامية والمتخصصة في الآتي:

  • ضغوط العمل: والتي تتمثل في متطلبات العمل المرتفعة، والتغيير التنظيمي، وتعارض الأدوار، وانعدام الأمن الوظيفي، وعدم وجود معايير سلوكية.
  • أسلوب القيادة: فالأسلوب الصارم والتوجيهي لا يسمح للموظفين بالمشاركة في صنع القرار، أو يتم تفويض المسؤوليات بشكل غير لائق وغير رسمي.
  • أنظمة العمل: كالافتقار إلى الموارد، ونقص التدريب، ومقاييس أداء وأطر زمنية غير منطقية.
  • علاقات العمل: كضعف التواصل، وانخفاض مستويات الدعم أو الصراع بين الموظفين.
  • خصائص العاملين: بعض الموظفين أكثر عرضة للتنمر في مكان العمل من غيرهم، مثل: الموظفين العاديين، والموظفين من الشباب، والموظفين الجدد، والمتدربين، والموظفين الذين لديهم إصابة أو عجز جسدي، والموظفين الذين ينتمون إلى أقليات بسبب العرق أو الدين أو الجنس.

أشكال التنمر الوظيفي

تتعدد أشكال التنمر الوظيفي، ويمكن القول إنه من الصعب أحياناً حصرها بشكل قاطع؛ وهو ما يفسر اختيار بعض الجهات المعنية بهذه الظاهرة لأمثلة شائعة تبرزها، فتذكر مؤسسة الجمعية النفسية الأمريكية من خلال موقعها الإلكتروني عدداً من هذه الأمثلة، كالتالي:

  • تعمد الانتقاد الهدام أو تقويض أداء زميل العمل.
  • توجيه النقد المستمر وغير المبرر لزميل العمل.
  • سب الزملاء أو تهديدهم أو إذلالهم.
  • نشر الإشاعات والنميمة عن زميل العمل.
  • تعمد استبعاد أو تجاهل زميل.
  • اقتراح استقالة زميل في العمل أو الانتقال إلى قسم آخر في الشركة.

ويبرز د.مغار في مقاربته أهم سلوكيات المتنمر، على النحو التالي:

  • الصياح أمام الزملاء أو العملاء أو حتى على انفراد.
  • رفض المناداة بالاسم.
  • التعليقات المفتقدة للاحترام.
  • المراقبة والانتقاد المبالغ فيها لعمل أحدهم.
  • إثقال كاهل أحدهم بمزيد من العمل بشكل متعمد.
  • التقليل من عمل أحدهم بغرض دفعه للفشل.
  • الاحتفاظ بمعلومات ضرورية لإتمام العمل بشكل متعمد.
  • استبعاد أحد الأشخاص من المحادثات التقليدية في بيئة العمل من أجل إشعاره
    بأنه غير مرحب به.
  • إسناد المهام التافهة التي لا تعكس مهارات أو المستوى العلمي للضحية.
  • لا يولي أدنى اهتمام لمقترحات أو مداخلات الضحية في الاجتماعات.
  • يُهدد بمختلف أنواع التهديدات، كالخصم من الراتب الشهري بلا سبب فعلي
    يستدعي ذلك.
  • الرغبة في جعل المتنمر عليه أضحوكة أمام زملاء العمل.
  • يتلذذ بإلقاء اللوم على الآخرين دون وجه حق.

ويذكر آخرون أمثلة على التنمر في العمل، كالتالي:

  • اللغة أو التعليقات المسيئة أو المهينة (كالتقليل من شأن الموظف خاصة أمام الآخرين).
  • تحديد مواعيد زمنية للعمل غير معقولة، أو تغيير مواعيد العمل باستمرار.
  • تغيير ترتيبات العمل، مثل القوائم والإجازات؛ لإزعاج الموظف عن عمد.
  • إعطاء مهام أقل أو أعلى من مستوى مهارة الموظف بشكل غير مقبول.
  • استثناء موظف من المشاركة في الأنشطة المتعلقة بالعمل.
  • رفض الاعتراف بالمساهمات والإنجازات التي يقوم بها الموظف.
  • رفض الإجازة السنوية والإجازات المرضية دون أسباب منطقية.

تنمر الموظفات

ويسلط د.عبدالوهاب مغار الضوء على نوع مهم من التنمر في بيئة العمل، والذي يسير من أعلى الهرم الإداري إلى أسفله، أي ذوي المناصب الإدارية العليا ممن يتنمرون على مَن هم دونهم. وهذا النوع من التنمر منتشر جداً في بيئة العمل النسائية، كإطلاق الشائعات المغرضة بحق الموظفة، أو أن تقوم المسئولة المباشرة لهذه الموظفة أو زميلاتها في العمل بإيذائها بكافة الأشكال، كالشكاوى والتقارير الكيدية بحقها أو باسمها، أو نشر الأكاذيب، والتلاعب بالألفاظ، ونسب القيل والقال لها كذباً؛ بهدف تشويه صورتها عند المديرة أو لمنعها من ترقية متوقعة أو من مركز وظيفي أو للحظوة بمكان خاص عند المديرة.

8 آثار سلبية

وإذا انتقلنا إلى آثار التنمّر الوظيفي، فهناك العديد من الآثار السلبية-طبقاً لما يورده موقع النجاح المتخصص في عالم المال والأعمال والوظائف-على نفسية الشخص الضحية، سواء كان التنمّر من زملاء العمل أو من المدير والمشرف، ومن هذهِ الآثار ما يلي:

1- شعور الشخص المستهدف أو الضحية بأنه منبوذ وغير مُحترم من قبل الآخرين في العمل.

2- تراجع الروح المعنوية للشخص الضحية، وغياب روح العمل الجماعي.

3- ضعف العلاقة بين زملاء العمل.

4- تدنّي الكفاءة المهنية في العمل.

5- غياب علاقات الصداقة بين زملاء العمل.

6- ارتفاع مستوى التوتر في العمل، وتدنّي الإنتاجية.

7- استسلام الموظف وانسحابهِ من العمل واجتماعاته.

8- اكتئاب الموظف وشعوره برغبة كبيرة في ترك العمل.

7 نصائح

لمواجهة ظاهرة التنمر الوظيفي، يقدم موقع "النجاح" 7 نصائح للتعامل مع هذه الظاهرة، وهي:

  1. حافظ على قوتك: عادةً ما يسعى الشخص المُتنمّر إلى إضعاف شخصية الضحية وإهانته عن طريق اتّباع العديد من الوسائل السلبيّة، وهنا عليك ألّا تسمح له بفرض سطوته عليك، وأن تحافظ على قوّتك وعلى كل نقاط القوة في شخصيتك، بالإضافة لضرورة عدم إظهار مشاعر التأثّر بكلامهِ وتصرفاتهِ ضدك؛ وذلك لكيلا تمنحه فرصة التلذذ برؤيتك وأنت منفعل وغاضب، وفي حال وجدت نفسك ضعيفًا ولو لعدة دقائق، انسحب من المكان، وتوقف عن مناقشته، وكرر هذ هِ العملية كلما تواجهت معه، ومع الأيام سيشعر بالضيق وسيفقد الأمل من محاولة إزعاجك.
  2. لا تتعامل مع الشخص المتنمر: فهو شخص متهور وغير عقلاني؛ لهذا عليك أن تتجنب الدخول معه في أي حوار كان، أو التعامل معه بأي عمل، ومن الأفضل ألا تتواجد معه في مكان واحد إن كان في العمل أو خارجه، وفي حال اضطررت للتواجد معه في مكان ما عليك أن تقاوم كل الإغراءات التي يقوم بها بهدف جذبك لتبادل الإهانات، وحاول أن تحافظ دائمًا على هدوء أعصابك واسترخائها.
  3. لا تجاري سخريته: عليك ألا تجاري المتنمر في حال كان يسخر منك، كأن توافقه الرأي وتضحك على نفسك أمامه، حتى لو كان مديرك، أو أي شخص أعلى مكانةً منك بالعمل، وأظهر له دائماً أنه لا يوجد ما يُضحِك بكلامه؛ وذلك لأن المتنمر عادة ما يشعر بالابتهاج عندما يسخر من الآخرين، وأظهر نفسك دائمًا أمامه أنك شخص قوي وواثق من نفسهِ، وتكلم معه بوجه صارم وهادئ لا بوجه ضاحك وحزين.
  4. عزز ثقتك بمظهرك العام والخارجي: عادة ما يبحث الشخص المتنمر عن الشخص الذي يظهر عليه الضعف من الناحية الخارجية، كطريقة مشيه وكلامه؛ لهذا عليك أن تظهر دائمًا في مكان عملك كشخص قوي وأنيق ومهتم بمظهره الخارجي؛ لكيلا تقع ضحية لهؤلاء الأشخاص المزعجين في بيئة العمل، ويكون هذا عن طريق ارتداء الملابس الأنيقة والنظيفة، وزيادة ثقافتك عن طريق القراءة والاطلاع على العلوم المختلفة، وتعلم كيفية التعبير عن النفس بإيجابية، واختيار الكلمات التي توحي بالقوة والثقة.
  5. واجه المتنمر بالحقائق: في حال كنت مضطرًا للتعامل مع زميل عمل متنمر ولا مهرب من ذلك، عليك أن تحصّن نفسك بالكثير من الحقائق والدلائل لتقدمها للمدير أو المسؤول المباشر عنك في أوقات الضرورة، كأن تحتفظ بنسخ عن الرسائل التي يرسلها عبر الجوال أو البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى ضرورة الاحتفاظ بكل الوثائق التي تخص العمل والمشاريع التي تقوم بها.
  6. لا تفكر في الانتقام منه: عليك أن تعتمد على أسلوب التجاهل أثناء التعامل مع المتنمّر في بيئة العمل، وألا تفكر في الانتقام منه؛ وذلك لكيلا تثير البلبلة في مكان العمل، ولكيلا تنزل بنفسك إلى نفس مستواه العقلي والفكري.

لا تتأخر في طلب العون والمساعدة: في حال تفاقم الوضع، وفي حال بدأ عملك يتراجع بسبب تصرفات زميل العمل المتنمر؛ عليك ألا تتردد في طلب العون والمساعدة من المدراء والمسؤولين، وأن تطلب منهم الانتقال إلى مكان آخر أو مكتب آخر، أو التصرف بشكل حازم مع المتنمر.


​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة