القيادة والتطوير المهني

​​​

يعتبر التطوير المهني من صميم مهام معهد الإدارة العامة، وكذلك هو المحور الذي ترتكز عليه أساسيات عمل تطوير الموارد البشرية. إن نجاح وتفوق منظومة التطوير المهنية والمؤسسية هو المحرك الأساسي لدفع عجلة النمو في مختلف القطاعات والمجالات، فمفهوم التطوير المهني له أبعاد مختلفة، تبدأ من مفهوم المهنية والعمل المهني، والمعرفة والمهارات المهنية، أيضًا مفهوم الثقافة المهنية وبرامج تدريب الموظفين.

إن أغلب الدراسات ومعظم الأبحاث العلمية المنشورة في مجال التطوير المهني لا تعرف بشكل دقيق مفهوم التطوير المهني، ومحتواها تنظيري وفلسفي ومرتبط بمجالات محددة، كالتعليم والصحة، ولا يزال هناك فجوة كبيرة في العديد من التخصصات والمجالات، بالإضافة إلى ذلك، فإن أغلب البحوث والدراسات المنشورة تمت في السياقين الأوروبي والأمريكي؛ لذلك نتائجها وتوصياتها قد لا تكون مناسبة لسياقنا واحتياجاتنا المحلية. من هنا يظهر لنا أهمية فهم السياق والاحتياجات المرتبطة بعوامل متصلة بالإطار السياسي والنظام الإداري المحلي. كذلك فهم الاحتياجات الفريدة لمختلف القطاعات والتخصصات. يتضح لنا أيضًا أهمية الدراسات والبحوث الميدانية المحلية بالتحقيق في مدى جدوى تطبيق النظريات والأفكار المنبثقة من الأدبيات والدراسات السابقة، ولتسليط الضوء على وجهات النظر المختلفة من واقع تجارب وممارسات وخبرات.

قد لا يتسع المجال لمناقشة جميع الأمور المتعلقة بمفهوم التطوير المهني، لكن كغيري من الباحثين في مجال تطوير الموارد البشرية، أرى أن التطوير المهني هو عبارة عن جميع الجهود الرسمية وغير الرسمية، والمنتظمة وغير المنتظمة التي تساعد في تحسين وتطوير المعرفة والمهارات المهنية، والتي بدورها تقود إلى تغيير في الممارسات والتوجهات الفكرية في بيئة العمل. ما طرحته هنا او نشره الكثير من الباحثين في الأدبيات والدراسات السابقة لا يجسد حقيقة وواقع التطوير المهني ولا يعرفه بدقة أو بشكل كامل. ويجدر التأكيد هنا أن التطوير المهني هو عملية مرحلية ومستمرة ومرتبطة بكامل مسيرة الحياة المهنية منذ أول يوم عمل حتى التقاعد، ومرتبطة أيضًا بالمتغيرات والاحتياجات والأزمات. كذلك يتأثر التطوير المهني بشكل مباشر بالقيادات ودور القادة، وبالممارسات الإدارية وبيئة العمل. ويبرز دور القادة في خلق بيئة عمل محفزة للتطوير المهني.

كذلك تلعب الإدارة العليا للمنظمة دورًا أهم في توظيف الممارسات والأنظمة التي تسهم في تفعيل دور القادة والمديرين ورؤساء القطاعات وتزويدهم بمساحة أكبر وتمكينهم، إضافة إلى توعيتهم بأهمية التطوير المهني في دفع عجلة النمو؛ لذلك من المهم جداً أن يكون لهم دور في توجيه بوصلة منظومة التطوير المهني للاتجاه المناسب والمتوافق مع احتياجات المنظمة، ولتلبية الاحتياجات الفردية للموظفين ومساعدتهم في تطوير أنفسهم. ويبرز دور القائد ويتجلى في تمكينه، ويغيب بسبب أنظمة وقيود مفروضة عليه وتحد من تحركاته. القائد كغيره من أفراد فريق العمل مرتبط بأنظمة مفروضة من الإدارة العليا وممارساتها، لذلك من المهم إشراكهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدريب الموظفين والابتعاد عن المركزية وفرض توجهات المنظمة من قبل إدارة تطوير الموارد البشرية.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة