الأداء الوظيفي ربيعي ممتع وأفضل صيفًا ومتقلب خريفي ومنخفض شتاءً

​​

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

هل لاحظت يومًا أن أدائك الوظيفي يتأثر بتقلبات الطقس والمناخ على مدار العام؟ ربما تعتقد أن طرح هذا السؤال من قبيل الدعابة، لكنه يحمل بين طياته ظاهرة تشغل بال واهتمام العديد من الخبراء والمتخصصين والأطباء؛ لأنها ترتبط بالحالة المزاجية للموظف، وبصحته وهما جوهر ومحور ارتكاز أدائه الوظيفي. وربما يصل الأمر إلى أن يتسبب في إثارة بعض المشكلات في العمل، وبعض الأعراض المرضية النفسية، كالاكتئاب، والاضطراب العاطفي الموسمي، وجميعها تنعكس على أداء الموظفين. في هذا التقرير نسلط الضوء على هذه الظاهرة الغريبة، وإليكم التفاصيل.

"ماراثون" الأداء والتحدي

أظهرت نتائج استبيان-طبقًا لموقع "CNN بالعربية"-أجراه موقع "بيت.كوم"-الذي يعد أكبر موقع للتوظيف في الشرق الأوسط-أن 42,5% من المهنيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صرّحوا بأن مستوى إنتاجيتهم في العمل يتأثر بالطقس؛ حيث أشار 24,7% منهم الى أنهم يعملون بشكل أفضل خلال فصلي الربيع والصيف. كذلك تبرز مدونة "Dr.job"-المتخصصة في مجال العمل والوظائف-انعكاس تأثير الطقس وفصول السنة على الأداء الوظيفي؛ حيث ترى أنه قد يكون الحفاظ على الإنتاجية تحديًا في موسم الشتاء، ولكن يجب أن نحاول الحفاظ على النشاط والإلهام خلال هذه الفترة، حيث نرسي الأساس (والإيقاع) لبقية العام، كما هو الحال في الماراثون، فإذا كنت تسير ببطء شديد؛ فلن تبقى في خضم المنافسة الشرسة. وتوضح المدونة أنه مع بداية فصل الشتاء؛ تصبح الأيام أكثر قتامة، وأكثر برودة، والليالي أطول. وما لديك من طاقة يكفي فقط للبقاء في فراشك المريح، وتناول الطعام، ومشاهدة الأفلام. لقد أصبح شعورك بالاكتئاب الآن أقوى من أي وقت مضى. تجتمع الآن كآبة الشتاء مع كآبة الإغلاق؛ بسبب تفشي فيروس كورونا، كما ينخفض كل ما لديك من حافزية وإنتاجية إلى 15 درجة سيليزية، مثل الطقس.

درجات الحرارة ومكان العمل

وعلى النقيض من ذلك، فقد سبق وأن تناولت صحيفة "الرياض" تأثير درجات الحرارة المرتفعة صيفًا على تخفيض الإنتاجية والعطاء لدى الموظفين، من وجهات نظر اقتصاديين ورجال أعمال وموظفين. كذلك أبرزت الصحيفة رأي عدد من الخبراء والمختصين، ومنهم د.فهد النافع-عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم-الذي يؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة يؤثر في العطاء والأداء؛ لارتباطه بالعنصر البشري الذي يتأثر سريعاً بكل المؤثرات من حوله وبشكل خاص ما يتعلق بدرجات الحرارة، إذ أن التأثير على الأداء والعطاء سيكون جزءًا مؤثرًا على الإنتاجية؛ وبالتالي الجانب الاقتصادي.

مبيناً أن لدرجة الحرارة العالية أو المنخفضة تأثيرًا سلبيًا على الإنتاجية، وخاصةً في الأماكن المكشوفة التي تكون مرتبطة بالعمل مباشرة، كمن يعملون في الطرق والمباني والكهرباء وغيرها، أما إذا أخذنا العمل داخل المكاتب الإدارية فالأمر يكون محدود التأثير، إذا تنازلنا عن التكلفة التي تغطي تقليص تأثير ارتفاع درجة الحرارة، مثل استخدام التكييف ساعات العمل.

الطقس والحالة المزاجية

في ضوء ما يؤكد عليه المتخصصون بشأن تأثير الطقس وفصول السنة على أداء الموظفين مهام أعمالهم، يبرز الاكتئاب-الذي سنتطرق له لاحقًا-وارتباطه بهذا الطقس واختلافات هذه الفصول؛ حتى نعي جدية هذه الظاهرة. والإشارة إلى العواقب السلبية للاكتئاب على حياة الإنسان وسلوكه وحالته المزاجية وأدائه الحياتي والوظيفي. وفي هذا الصدد يتطرق موقع "الكلية الملكية للأطباء النفسيين" بالمملكة المتحدة إلى "ظاهرة الاكتئاب في مكان العمل"، الاكتئاب هو مرض شائع، فهناك واحد من كل 5 نساء، وواحد من كل 10رجال سيعانون من الاكتئاب في فترة معينة من حياتهم، وواحد من كل 20 شخصًا بالغًا سوف يعاني من اكتئاب شديد الدرجة وعدد مشابه لذلك سوف يعاني من اكتئاب أقل شدة. وبشكل طبيعي المشكلات الشائعة عند عامة الناس هي أيضا شائعة في مكان العمل، حوالي 3 من كل 10 موظفين سوف يعانون من مشكلة في الصحة النفسية في كل عام؛ وهو الأمر الذي يقلل من إنتاجهم في العمل، ويزيد من نسبة الإجازات المرضية، والحوادث وتغيير الموظفين عن العمل.

ويشخِّص الموقع أعراض هذا الاكتئاب بالحزن الذي لا يتغير من يوم لآخر، والبكاء بدون سبب واضح، والقلق والتوتر، واضطراب النوم، وقلة الشهية وتغير الوزن، والتعب والإرهاق وقلة الهمة، والنسيان وقلة التركيز، وأفكار عدم الأهمية وفقدان الأمل. وفي ضوء ذلك فإن الموظف الذي يعاني من الاكتئاب قد يبدأ بتصرفات غير معتادة في البيت وفي مكان العمل، وربما يلاحظ الموظفون الآخرون أو زملائه بعض التأثيرات السلبية عليه، كأن يعمل ببطء، وغير قادر على التركيز، وينسى، ويتأخر عن العمل والاجتماعات، ولا يأتي للعمل، ويتشاجر ويتجادل مع زملائه، وغير قادر على توزيع المهام، والعمل أو محاولة العمل تحتاج لمجهود زائد.

هرمون الضوء

وارتباطًا بظاهرة الاكتئاب بين الموظفين بسبب الطقس وتغير فصول السنة؛ يسلط موقع "المدينة نيوز" الضوء على ما يعرف بـ "اكتئاب الخريف" الذي قد يتسبب للبعض منهم في الشعور أحيانًا بالملل والضيق والرغبة في البكاء، إضافة لمشاعر أخرى مختلفة؛ باعتبارها-بحسب وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك"-حالة تأتي خارج الإرادة؛ نتيجة تغير المناخ. ويفسر بعض الاستشاريين في مجال الصحة النفسية هذا النوع من الاكتئاب، أو ما يعرف أيضًا بـ "الاكتئاب المزاجي"؛ بارتباط الأمر بقلة الضوء نتيجة أن أشعة الشمس ليست بشدتها كما هو الحال بالصيف، وهو ما يؤثر على "هرمون الضوء" الذي له ارتباط بالحالة المزاجية.

الساعة البيولوجية والسيروتونين

كذلك هناك ما يعرف بـ"اكتئاب الشتاء" الذي يعاني منه بعض الناس، ومنهم الموظفين بطبيعة الحال. ومع هذا الاكتئاب-وفقًا لموقع "الرؤية"-يشعر مَن يعاني منه بأن طاقته مستنزفة، مع حالات قوية لتقلب المزاج، ما يؤدي لحدوث اضطرابات عاطفية واضحة. فانخفاض الحرارة، ومستوى ضوء الشمس؛ قد يؤدي إلى اضطراب في الساعة البيولوجية للإنسان وهي المسؤولة عن نشاط الجسم، ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط، والتفكير بطريقة أكثر سلبية. ويؤدي انخفاض مستوى ضوء الشمس في موسم الشتاء إلى انخفاض مادة السيروتونين في المخ، وهي مادة كيميائية لها تأثير على التغيرات المزاجية العصبية، ما يؤثر على الحالة المزاجية لك طوال اليوم. كذلك ينخفض مستوى الميلاتونين في الجسم مع تغيّر الفصول والذي يلعب دوراً في تنظيم النوم واعتدال المزاج.

اضطراب عاطفي موسمي

وسواء كان الاكتئاب في فصل الشتاء أو فصل الخريف، فهو يرتبط بظاهرة أعم، نتعرف عليها من خلال ما يذكره موقع "MAYOCLINIC"، وهي ظاهرة الاضطراب العاطفي الموسمي، كنوع من الاكتئاب المرتبط بالتغيُّرات الموسمية، والذي يحدث بشكل كبير في هذين الفصلين، وقليلًا ما يحدث في فصلي الصيف والربيع. وتتحدد أعراضه بصفة عامة في الشعور بالاكتئاب معظم اليوم في أغلب الأيام، وفقد الاهتمام بأنشطة كنت تستمتع بها سابقًا، وانخفاض النشاط، ووجود مشكلات تتعلق بالنوم، والشعور بتغيرات في الشهية أو الوزن، والشعور بالخمول أو الاهتياج، وصعوبة التركيز، والشعور باليأس أو فقدان الأمل أو الذنب، وتردد أفكار سلبية وأحيانًا هدامة. بينما تتمثل أعراضه في كل من الشتاء والخريف في فرط النوم، وتغيرات الشهية، وزيادة الوزن، والإرهاق أو نقص الطاقة. وكما يتضح من هذه الأعراض جميعها؛ فإنها تؤثر في الأداء العام للإنسان، ولا سيما أدائه الوظيفي؛ لأنها تتعلق بالناحيتين الذهنية والبدنية.

تأثيرات الطقس صباحًا

وعلى جانب آخر ونقلًا عن موقع "ميديكال إكسبريس الإلكتروني"؛ يورد موقع صحيفة "الشرق الأوسط" أنّه بينما بحثت العديد من الدراسات السابقة التأثيرات التي من الممكن أن يسببها الطقس على الحالة المزاجية العامة للأشخاص وعلى مستويات الطاقة لديهم، ما زال مدى تأثيره على تجاربهم في البيئات المهنية غير مفهوم بصورة جيدة. ومع وضع ذلك في الاعتبار، أجرى الباحثون في جامعة "لوفانا" ببلدة "لونيبورغ" في ولاية "ساكسونيا السفلى" في شمال غربي ألمانيا، دراسة مؤخراً تبحث آثار الطقس الصباحي اليومي على ما يشعر به الأشخاص أثناء وجودهم في العمل.

ومن المثير للاهتمام أنّ البيانات التي جمعها الباحثون أشارت إلى أنّ الطقس الصباحي كان مرتبطاً فقط بالحالات الإيجابية التي تتسم بالحالات النفسية الإيجابية، وليس بالحالات السلبية. وبعبارة أخرى، وجد الباحثون أنّه كلّما كان الطقس أفضل في الصباح؛ زاد شعور الموظفين بالنشاط والرضا عن عملهم. وعلى النقيض من ذلك، فعندما كان الطقس سيئاً؛ شعر الأشخاص بمزيد من الإرهاق وعدم الرضا.

5 طرق للعلاج

وقد تصدى العديد من الخبراء والمتخصصين، إضافة إلى المواقع المتخصصة والإعلامية لهذه الظواهر وتأثيراتها في الأداء الوظيفي، فمثلًا تقدم مدونة "DR.job" 5 طرق للحصول على فصل شتاء أكثر إنتاجية والتغلب على تقلبات المزاج في هذا الفصل، كالتالي:

  • ضع روتينًا صباحيًا محفزًا: لضمان بدء يومك بشكل إيجابي؛ قم بتعيين روتين صباحي يحفّزك على النهوض من فراشك. حضّر إفطارًا لذيذًا وتناول كوب القهوة المفضّل لديك، أو قم ببعض التمارين الرياضية، وقم بما يسعدك أيً كان؛ ستكون أكثر حافزية وتتشجّع لبدء يوم رائع.
  • ضع قائمة تضم مهام الـ 15 دقيقة: إنها قائمة بالمهام التي يمكنك إنجازها في غضون 15 دقيقة أو أقل. على سبيل المثال، تحقق من رسائل البريد الإلكتروني الصباحية، أو قم بإجراء عصف ذهني حول المواضيع المتعلقة بالخطة الأسبوعية، أو خطط لاجتماعك التالي مع مديرك. سوف تستهلك هذه المهمة السريعة قدراً أقل من الجهد والتركيز للعمل كمحفز في بداية اليوم. بعد تحفيزك مع هذا الشعور الرائع بإنجاز المهام؛ ستكون مستعدًا لمهام أكثر تعقيدًا، مثل إعداد مشاركتك الشهرية لاجتماع التقييم القادم. كذلك يمكنك إنجاز هذه المهام الصغيرة أثناء انتظار بدء اجتماع افتراضي أو انتظار ملاحظات مديرك حول مهام أخرى. عندما تشعر أنك لا تملك أي قوة أو أنك تنتظر بدء اجتماع على "ميكروسوفت تيمز"؛ تحقق من قائمة المهام ذات الـ 15 دقيقة، وقم بإنجاز بعض المهام منها.
  • خذ عطلات صغيرة: هذا من شأنه أن يرفع من مستوى إنتاجيتك إلى مستويات غير متوقعة، وسوف يساعدك هذا المستوى من الإنتاجية في إنجاز المزيد من العمل بسهولة في وقت أقل. ولكن السؤال الآن: كيف يمكنك أن تأخذ هذه العطلات؟
    فبدلاً من إضاعة وقت عملك في التحقق من حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاهدة مقاطع فيديو “اصنعها بنفسك" أو الهروب من الاجتماعات عبر الإنترنت، يمكنك بسهولة تعيين عطلات مصغرة، كإغلاق اللاب توب في الساعة 5 مساءً بدلاً من الساعة 6 مساءً، وممارسة أي نشاط قد يرفع مستوى إنتاجيتك إلى عنان السماء، مثل ممارسة التمارين الرياضية وقراءة كتاب جديد، أو لقاء أشخاص جدد. اعمل على تقليل ساعات العمل بما يوفر لك الراحة ولكن قبل القيام بذلك، تأكد من إنجاز المهام بشكل مثالي. ومن ناحية أخرى، يتعين على أصحاب العمل أن يدركوا أهمية هذه الاستراحات الصغيرة في تعزيز مستويات الطاقة، والصحة العقلية، وتجنب الاضطرابات النفسية الموسمية؛ وهو ما يزيد من مشاركة الموظفين وتحفيزهم.
  • حدِّث قائمة المهام: يمكن أن تكون قائمة المهام الخاصة بك لم تقم بمراجعتها منذ فترة طويلة؛ لذا حان الوقت لتجديد وإعداد هذه القائمة وفقًا لوضع الشتاء ووضع أهداف مخصصة لأشهر الشتاء. تحقق من قائمة المهام واحذف الأنشطة التي لا:
  • تخدم أهداف الشركة.
  • تظهر مواهبك وقدراتك وخبرتك الفريدة.
  • توفر هدف، وشغف، وقيمة لك.
  • تساعد في دعم الفريق بالكامل.
  • تحقق الأهداف.
  • تخدم العملاء.
  • استغل التكنولوجيا لصالحك: إن الروبوتات اليوم تحل محل البشر في العديد من المجالات. يمكنك تحديد المهام المتكررة اليومية وأتمتتها؛ وبالتالي يمكن تنفيذها تلقائيًا عندما تكون نائمًا أو عندما تكون بالخارج. بالنسبة للمهام التي لا يمكن تنفيذها تلقائيًا بالكامل، قم بتحديد الأجزاء التي يمكن الاستعانة بمصادر خارجية لها بحيث يمكنك توفير المزيد من الوقت والجهد. ومن الأدوات الممتازة لأتمتة المهام "IFTT"؛ لأنه يساعد على ربط البيانات من تطبيق إلى آخر؛ لذا يسمح لك بتخصيص المهام وتسهيل سير العمل. على سبيل المثال، يمكنك تعيين مهمة: "إذا قمت بتحميل صورة جديدة على "لينكد إن"؛ فقم بتنزيلها إلى Google Drive، فستجد أيضًا قوالب جاهزة للاستخدام.

5 نصائح مهمة

ويبدي خبراء موقع "بيت.كوم" 5 نصائح للتأقلم مع فصل الشتاء، وهي:

  1. تخلص من الكسل؛ من خلال ممارسة الرياضة.
  2. احرص على تناول الأطعمة الغنية بفيتامين د الذي تتناقص مستوياته في فصل الشتاء، ويمكن الحصول عليه من التعرض للشمس، وهو ما يمكن أن يحصل عليه الموظفون بالخروج من مكاتبهم خلال أوقات الاستراحة والتعرض لأشعة الشمس قدر الإمكان؛ وهو ما سيساعدهم في استعادة نشاطهم وتركيزهم ويتغلبون على الشعور بالخمول والكآبة.
  3. تغلب على كآبة الشتاء، عبر قراءة الكتب، أو بالتواصل مع الأقارب والأصدقاء، أو تعلم لغة جديدة، أو المشاركة في دورات تدريبية تفيدهم في أعمالهم، وإذا كان العمل عن بُعد (من المنزل)؛ فيجب الحرص على التواصل مع الآخرين واهتمامهم بأنفسهم.
  4. خذ إجازة من العمل لبضعة أيام؛ كي تتمكن من استعادة نشاطك وتركيزك.
  5. حافظ على صحتك؛ بالحصول على قسط وافر من النوم، وغسل اليدين عدة مرات خلال اليوم، وتناول الأطعمة الغنية بفيتامين سي.

​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة