الـ "هولاكراسي"..شركات بلا مديرين وجميع الموظفين شركاء

​​​​

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

هل يمكن أن نرى ذات يوم شركاتنا بلا مديرين؟ ربما لا يتخيل الكثيرون هذا الأمر، لكنه بات واقعيًا بعد أن طبقته العديد من الشركات في الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من الدول الأوروبية، كالمملكة المتحدة والسويد، كما طبقته بعض الدول الواعدة، كالهند. الموظفون وفق هذا النظام المسمى بـ "الهولاكراسي"-أحد أبرز أساليب الإدارة الذاتية-جميعهم شركاء، ويشكلون فرق عمل، وبالرغم من مزاياه العديدة التي أثبتت كفاءته وفعاليته، إلا أن له عيوبًا أبرزها أنه لا يناسب الشركات الكبيرة. وقد نال هذا النظام اهتمام العديد من الخبراء والمتخصصين والشركات؛ بعدما ثبت نجاحه في العديد من الشركات الأخرى. في هذا العدد من "التنمية الإدارية" نتعرف معكم على هذا النظام بالتفصيل.

اتجاه عالمي

تصنف "ويكيبديا" الهولاكراسي ضمن أهم أساليب نظام الإدارة الذاتية الذي بدأ تطويره في شركة "ترناري" للأنظمة في "بنسلفانيا"، والتي قامت بتجريب عدة أشكال للحوكمة التنظيمية، حيث استلخص مؤسس الشركة "بريان روبرتسون" أفضل الممارسات التنظيمية، والتي أصبحت تعرف باسم Holacracy في عام 2007م. وقد اعتمدت الإدارة الذاتية من قبل منظمات ربحية وغير ربحية في الولايات المتحدة، والتي من أمثلتها: شركة "زابوس"، وشركة "ديفيد ألين"، وغير الربحية، مثل "Conscious Capitalism"، و"Meduim" التي طبقته عدة سنوات قبل التخلي عنه في عام 2016م.

ووفقًا لموقع "BBC News عربي"، فإن "ديبورا أنكونا"-مديرة مركز القيادة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- تقول: إن هذا جزءًا من اتجاه عالمي أكبر، فالعديد من الشركات يحاول إزالة القيود البيروقراطية ويصبح أكثر مرونة ونشاطًا من خلال التخلص من مستويات التسلسل الهرمي. وتضيف: إن المزيد من القرارات أصبحت مسؤولية الفرق العاملة، وأصبح توصيف الوظائف أكثر مرونة.

فرق عمل

وربما يتبادر إلى الذهن تساؤل مهم، وهو: كيف يمكن تسيير العمل في الشركات والمؤسسات التي تطبق الهولاكراسي؟ وهو ما يمكن الإجابة عنه ببساطة من خلال ما يوضحه لنا هذا الموقع على لسان "كين بارلو"-محرر التكليف بشركة دار النشر "زد بوكس"-الذي يقول: قد يبدو التخلي التام عن المديرين أمرًا جيدًا لبعض الموظفين الذين يعانون ضغوطًا هائلة في العمل، إلا أن لذلك مساوئ. وبدلًا من وجودهم يتم الاستعاضة عنهم بفرق العمل، حيث يتخذ كل عضو في الفريق المكون من 12 شخصًا القرارات المتعلقة بالعمل، والتي يرى "بارلو" أنها يمكن أن تؤدي إلى عقد "اجتماعات مطولة جدًا"، ولكن طالما لدينا جدول أعمال وأهداف نلتزم بها؛ فيمكن أن تكون هذه الاجتماعات مثمرة حقا". نعم، هذا يعني نقاشات مطولة لكل الأمور حتى النهاية.

ويؤكد "بارلو" أن هذا الأسلوب قد يبدو مستغربًا، لكنه واقعي-وبحسب ما يقول-هاتفنا شخص ما ذات يوم وطلب التحدث إلى المدير، وعندما قلت له إنه لا يوجد مدير لدينا، ولكن بإمكانه التحدث إلى أي منا، لم يستطع أن يستوعب ذلك. فجميع الموظفين يتمتعون بنفس المكانة ويتقاضون نفس الراتب، حيث لا يوجد شخص مسؤول بعينه حتى إن تطوع البعض لتولي المسؤولية في مجالات معينة. ولا يشعر "بارلو" أن ذلك يجعلها أقل كفاءة؛ حيث يقول: لا يتعين علينا إحالة الأمور للمستويات الأعلى وفقا للتسلسل الهرمي في القيادة، وهو الأمر الذي يعني في مؤسسات أخرى أن اتخاذ القرارات يستغرق وقتا طويلا للغاية.

كذلك يلفت موقع "عربي" إلى أنه في عام 2012م طردت "بارنز المديرين بشركة "جيونيتريكس"-في مدينة "سيدار رابدز" بولاية "أيوا" الأمريكية-وتخلصت من الأقسام التقليدية ذات الـ 50 موظفاً، ما عدا بضعة أقسام، مثل التسويق والمبيعات، فإن أكثر فرق العمل تنتظم حول مشاريع محددة، وكل الفرق مسؤولة عن ميزانياتها ومواردها، وتقدمها إلى عموم الشركة كل شهر. وكبديل عن تحديد الأولويات من قبل المديرين، يضع العاملون مهامهم على لوحة بيضاء ويحدد أعضاء فريق العمل ما هو الأكثر أهمية من بينها.

موظفون "سوبر"

ولكي ينجح ذلك النموذج-طبقًا لموقع "عربي"-يتوجب على الشركات أن تستثمر في تشغيل أناس ذوي مبادرات ذاتية وتدريبهم لإيجاد حلول للمشكلات، واتخاذ القرارات دون الرجوع إلى من يرشدهم.

ولتوظيف عاملين جدد؛ تطبق شركة "مينلو إنّوفيشينز" أسلوباً للتحقق من استعدادهم لذلك، ويتألف من 3 مراحل. يجمعون بضعة مرشحين محتملين للعمل، ويطلبون منهم العمل أزواجاً. وحسب التعليمات، على كل منهم أن يجعل شريكه في العمل يبدو في صورة أفضل، بينما يراقبهم أعضاء فريق العمل الحالي. ثم يجتمع العاملون حول مائدة العشاء ليناقشوا مَن منهم سينتقل إلى المرحلة الثانية. يحضر المرشحون للعمل ليوم كامل، ويعملون أزواجاً مع أحد أعضاء فريق العمل الحالي. وفي المرحلة الثالثة، يمر المرشحون بفترة اختبار مدفوعة الأجر لثلاثة أسابيع في الشركة قبل أن يُختاروا للتعيين فيها. ولذلك عندما تنتهي الشركة من تعينهم، تكون أكثر تباطؤًا في فصل أحدهم، فإذا واجه أحد أية مصاعب، فإن الشركة تبدي تفهمها، وتناقش الأمر معه.

نموذج "كريسب"

وبحسب ما أورده موقع "إرم"، نقلًا عن مجلة "أوديتي" السويدية، ليس هناك مدير تنفيذي في شركة "كريسب" الاستشارية للبرمجيات، وما من مسؤول يقول للموظفين ما يجب القيام به، فبدلًا من ذلك يجتمع الـ 40 موظفًا ويقررون معًا.

وقد اشتهرت هذه الشركة بعدم وجود مدير، ففي البداية قامت باعتماد عدد من الهياكل التنظيمية بما في ذلك الأسلوب الإداري التقليدي، إذ يدير الأمور شخص واحد، وعلى أمل إشراك موظفيها أكثر؛ اعتمدت الشركة تناوب الإدارة بين الموظفين سنويًا. لكن في نهاية المطاف، قرر الموظفون أنه ليس هناك حاجة لمدير؛ لذلك ألغوا المنصب تمامًا. في هذا الإطار، يتساءل "ياسال سوندمان"-موظف بالشركة-ماذا لو لم يكن هناك مدير تنفيذي؟ كيف سيكون ذلك؟ ثم قمنا بسرد مهام المدير التنفيذي، وسرعان ما أدركنا أن الكثير من مسؤوليات المدير التنفيذي تتداخل مع صلاحياتنا، ومن ثم قررنا تجربة الإدارة الذاتية.

وأضاف "سوندمان": بعد ذلك، اتضح أن عدم وجود مدير وإشراك الموظفين في عملية صنع القرار؛ منحت الـ 40 موظفاً دافعاً أكبر للعمل، حتى لو اتخذ أحد ما قرارًا سيئا، فهذا بالتأكيد ليس نهاية العالم، إذ يحصل على فرصة لشرح أسبابه وربما يكون قادرًا على إقناع الآخرين بأنه كان أفضل خيار في ذلك الوقت. وحتى الآن تسير تجربة الإدارة الذاتية للشركة بشكل مدهش، إذ ادعى المدرب التنظيمي في الشركة "هنريك كينبرغ" أن عدم وجود مدير يعني عدم وجود حاجة لطلب الموافقة والروتين، ما يجعل الأمور تسير بوتيرة أسرع. وتأمل شركة "كريسب" بأن نجاحها سوف يلهم شركات أخرى لاعتماد نظامهم المميز، لكن يعتقد بعض المديرين التنفيذيين أن الفكرة لن تنجح سوى في الشركات الناشئة الصغيرة فقط؛ لأنها ستكون فوضوية جدًا في المنظمات الكبيرة.

شركاء "غور"

ويبرز موقع "BBC News عربي" نموذجًا مهمًا يطبق نموذج الهولاكراسي، وهو لشركة التصنيع الأمريكية "غور" التي أُنشئت منذ فترة طويلة، وربما هذه الشركة هي الأكثر شهرة في تصنيع قماش "غور تكس" المقاوم للمياه. تحتفظ الشركة بمنصب المدير التنفيذي، لكنها تستخدم هيكلًا أقل تعقيدًا من العديد من المؤسسات المماثلة لها في الحجم. يُطلَق على العاملين بالشركة، وعددهم يقارب 10 آلاف موظف، لقب "الشركاء". وهم منظمون في فرق عمل مع عدد قليل من القادة أو المشرفين، وهو ما تصفه الشركة بـ "التسلسل الشبكي"، وحتى بطاقات عمل الموظفين تخلو من المسميات الوظيفية وتصف كلا منهم بالشريك.

وتقول "هنري بريان"-شريكة التسويق والاتصالات في "غور"-إنها ستكون "كاذبة" إذا قالت إن هذا النظام مثالي في جميع الأحيان، لكنه أثبت نجاحه في عالم غور الأكثر تبسيطا. وتضيف بريان: "إنني استمتع بالأجواء المليئة بالنشاط داخل العمل، واستمتع بالمهمات التي أؤديها. الكثير منا كذلك نوعًا ما، وأعتقد أن نموذج شركة "غور" هو سبب مهم وراء استمتاعي بعملي. كذلك ترى "بريان" أن هيكل الشركة أزال الحدود التقليدية بين المديرين وغير المديرين. وتقول إن واحدًا من الأمور الفريدة بشأن العمل في "غور" هو "أنك إن لم تفعل ما تلتزم به، سيقول لك أعضاء فريقك إنك قد خذلتهم".

شركة "شيريدان"

وننتقل مع موقع "عربي" إلى نموذج متميز لشركة أسسها "ريتشارد شيريدان" في عام 2001م، تحت اسم "مينلو إنّوفيشينز"، وتقع في مدينة "آن أربر" بولاية "ميتشيغان" الأمريكية، والتي تُصنِّع برامج وتطبيقات إلكترونية حسب الطلب. ويعمل جميع الموظفين البالغ عددهم 55 موظفًا في قاعة كبيرة، يشترك كل اثنين منهم في العمل على جهاز كمبيوتر واحد، ويقررون بأنفسهم مهامهم وألقابهم الوظيفية. فقد قرر "شيريدان" تشكيلها بعكس الهيكلية التقليدية لبيئة المكاتب وكتابة التقارير. من دون شك، إنها على الأغلب الشركات الأمريكية والأوروبية الغربية الصغيرة في مجال صناعة التقنيات، ذات الخطى السريعة والمنافسة الشديدة، هي التي حاولت التخلص من الهيكل التنظيمي. إلا أن هذه الشركات تقول إن تطبيق المشاركة في صنع القرار بين الموظفين يؤدي إلى إقبال كبير منهم؛ هذا بدوره يجعلهم يتكيفون بسرعة مع تغيرات متطلبات العمل، دون إبطائهم عن إنجاز مهامهم التي يسببها وجود مستويات في الادارة. أضف إلى ذلك أن الشركات التي حصلت على نتائج عالية من ناحية مشاركة الموظفين، كان لها مشكلات أقل في تدوير رأس المال وجودة المنتج، كما أنها حصلت على إنتاجية وربحية أعلى، حسب استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" لاستطلاعات الرأي.

تجربة "يونغ"

كذلك يعتقد "مارك يونغ"-المؤسس المشارك لشركة "فيوتشر كونسدريشن" للاستشارات في المملكة المتحدة-أن فكرة تحدي النمط الهرمي التقليدي بدأت تولّد صدى أكثر على المستوى العالمي-وبحسب موقع عربي-يقول "يونغ": حتى الشركات الكبرى بدأت تجرب فكرة اللامركزية في صناعة القرار في أقسامها الصغرى أو فروعها، أو تطبيق هذه المبادئ بطرق أخرى، مثل عقد اجتماعات مفتوحة يقرر فيها المشاركون جدول العمل. فقد كان "يونغ" يدير مشروعاً في شركة روسية. كانت رئاسة الشركة واثقة من عدم جدوى الاجتماعات المفتوحة؛ لأن موظفيها ينتظرون أن يتلقوا تعليماتهم. ويقول يونغ: إلا أنه عندما فُتح المجال، أخذ الموظفون زمام المبادرة، إذ بدأوا بوضع نقاط البحث المهمة برأيهم للمناقشة على جدول الأعمال، بدل أن ينتظروا المديرين ليملوا عليهم أولوياتهم، وبعدها "فُتحت الأبواب على مصاريعها".

مزايا

ويمكن إبراز أهم المزايا لتطبيق الهولاكراسي في الآتي: تؤكد "ويكيبديا" أن هذا النظام يؤدي إلى زيادة السرعة والكفاءة والشفافية والإبداع والمساءلة داخل المنظمة، وأنه يشجع عضو الفريق أن يأخذ المبادرة، وأنه يوفر لهم الفرصة لتقديم أفكار يمكن الأخذ بها. كذلك فإن نظام توزيع السلطة يقلل من العبء على القادة على اتخاذ كل قرار، ويجعل الأفراد أكثر مسؤولية عن أفكارهم وأفعالهم. ويضيف موقع "BBC News عربي" أنه أقل تكلفة من ناحية عدد المديرين والمزايا التي يتمتعون بها، وتقول "أنكونا" من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا إن من بين المزايا الأخرى لإيجاد هياكل مبسطة للشركات هي القدرة على تحفيز الابتكار من خلال الاستفادة من الذكاء الجماعي للموظفين بدلا من الاعتماد على الإدارة العليا وحسب. ويرى موقع "عربي" أن هذا تطبيق الشركات لهذا النهج يهدف إلى إسعاد الموظفين، وإرضاء العملاء، وزيادة الإيرادات.

عيوب

وعلى الجانب الآخر، فإن أبرز العيوب تتحدد في الآتي: إن التخلص من الهيكل التنظيمي المترسخ في الشركات الكبرى، دون اتخاذ إجراءات أخرى-كما يذكر موقع "عربي"-يمكنه أن يولّد نتائج عكسية؛ فقد يصبح التحكم بالأمور أكثر تمركزاً في القمة، بدل المطلوب وهو العكس؛ ذلك ما أظهرته دراسة أجريت في عام 2012م من قبل "جولي وولف" الأستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة "هارفارد". كذلك ينوه موقع "BBC News عربي" أنه من الواضح أن نموذج التسلسل الهرمي المسطح (الهولاكراسي) لا ينجح في كل المؤسسات، ذلك أن هناك عددًا من الشركات التي درسها موقع "بي بي سي كابيتال" كانت قد تبنت هذا النموذج ثم رفضته، مثل شركة "غيت هاب" للتكنولوجيا التي أعادت الإدارة الوسطى للعمل عام 2014م بعد عامين من تبني الهولاكراسي. وهناك مساوئ أخرى أيضا، بحسب "بيتر غاهان" من جامعة ملبورن في أستراليا؛ إذ يمكن للعاملين أن يصابوا بالارتباك ويكونوا أقل مسؤولية إزاء المهام التي يؤدونها. كذلك يتفق العديد من الخبراء في أن نظام الهولاكراسي ربما لا يناسب كل الشركات والمؤسسات، فعلى سبيل المثال يراه العديد منهم أنه لا يناسب الشركات الكبيرة، والعديد من المتوسطة.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة