توصية تحولت إلى واقع بإنشاء مركز لتحقيق التوازن بين الجنسين في العمل

​​​​​​

تؤمن المملكة بأن تكامل العلاقة بين الجنسين هو وسيلة مثالية لدعم تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في كافة المجالات التنموية، ولا سيما في مجال العمل. وقد تمكنت المملكة العربية السعودية من خلال رؤية 2030 تلك الرؤية الواعدة والطموحة من إنجاز العديد من الإصلاحات لسد الفجوة في ملف التوازن بين الجنسين؛ إذ حققت خلال فترة زمنية وجيزة مواءمة ناجحة في كافة المجالات التي من شأنها مراعاة تحقيق هذا التكافؤ. وفي ضوء ذلك، وانطلاقًا من رؤيته ودوره كمؤسسة رائدة في دعم التنمية الإدارية تتخذ من المبادرة وسرعة الاستجابة والابتكار منهج عمل يمكِّن حكومة المملكة من تحقيق أهدافها؛ أجرى معهد الإدارة العامة دراسة مهمة عن "واقع الدمج النوعي وتكافؤ الفرص وبيئة العمل التشاركية في الجهات الحكومية بالمملكة"، والتي أعدها فريق برئاسة د.سارة العتيبي، وعضوية كل من: أ.لطيفة الحربي، وأ.هناء اليحياء، وأ.عهود الجهني، وأ.هلا الصاعدي، وأ.مجد المالكي.

 

تتكون الدراسة من 5 فصول، إضافة إلى مراجعها. تستهلها الباحثات بتحديد الإطار العام للدراسة في فصلها الأول الذي يبرر إجرائها انطلاقًا من دور معهد الإدارة العامة في تعزيز أوجه التنمية الإدارية بما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠. كذلك يوضح الهدف الرئيسي للدراسة، ويحدد مشكلتها، وتساؤلاتها الثلاثة، ويبرز أهميتها من الناحيتين العلمية والعملية (التطبيقية)، وحدودها.

اهتمام رؤية 2030

ويستعرض الفصل الثاني الإطار النظري للدراسة من خلال الجوانب الأساسية لمحاور الدراسة الثلاثة، وهي: محور الدمج النوعي، ومحور البيئة التشاركية، بالإضافة إلى محور تكافؤ الفرص. فالمملكة تدعم سد الفجوة في ملف التوازن بين الجنسين، وهو ما يتضح عبر إسهامات عديدة أبرزها ما يلي:

  1. دور رؤية 2030 في تحقيق تكافؤ الفرص والتوازن بين الجنسين، والتي تضمنت عدة مبادرات ومشاريع تضمن تحقيق ذلك.
  2. الجهود الوطنية في تنمية القدرات البشرية وتعزيز التوازن بين الجنسين، حيث تم إطلاق العديد من المبادرات ضمن برنامج التحول الوطني والتي تتعلق بشكل مباشر بالهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة وهو تحقيق المساواة بين الجنسين، إذ تُعنى هذه المبادرات بتنمية القدرات البشرية وتحقيق التوازن بين الجنسيـن، وتمكين القيادات النسائية ورفع نسبة تمثيلهن في مواقع صنع القرار.

النوع الاجتماعي

وتتطرق الدراسة أيضًا إلى جزئية مهمة تتعلق بمنظور النوع الاجتماعي حسب السياق الثقافي والديني في المملكة العربية السعودية، إذ أن سياق العمل يعتبر تبني منظور النوع الاجتماعي استراتيجية لجعل اهتمامات وخبرات النساء والرجال بعداً لا يتجزأ من تصميم وتنفيذ ورصد وتقييم السياسات والبرامج بحيث يعزز تمكين الكوادر البشرية؛ وبالتالي يستفيد الرجال والنساء بالحصول على مساواة عادلة لكافة المصادر والفرص، وفي هذه الدراسة تم التركيز على كل من: تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي، وتحليله.

3 محاور

وترصد الدراسة أبياتها بالتركيز على 3 محاور كالآتي:

المحور الأول: تكافؤ الفرص بين الجنسين: فقد ركزت الدراسة على 3 جوانب أساسية لتحقيق التكافؤ، وهي: التطوير والتدريب، والقوانين المرجعية لتمثيل المرأة وسياسات المنظمة، والصلاحيات وصنع القرار.

المحور الثاني: الدمج النوعي بين الجنسين: من خلال 3 جوانب أساسية، وهي: ثقافة المنظمة الداعمة للدمج النوعي، والإجراءات المؤسسية المتبعة، والاتجاهات السائدة.

المحور الثالث: بيئة العمل التشاركية: بالنظر إلى 3 جوانب وهي: التمييز القائم على النوع الاجتماعي، ومراعاة منظور النوع الاجتماعي، ومراعاة بيئة العمل التشاركية.

كذلك تسلط الدراسة الضوء على المنظمات والاتفاقيات الدولية؛ من منطلق أن الكثير منها تؤمن بضرورة الاهتمام بموضوع النوع الاجتماعي، ومراعاة إدماج هذا المصطلح في كافة الممارسات والأعمال. كما أسهمت هذه الاتفاقيات مساهمة شاملة في تهيئة بيئة داعمة للتكافؤ بين الجنسين من خلال إجراءات عديدة، والتي من أهمها مساهمات الأمم المتحدة.

نتائج مهمة

وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج المهمة، والتي يبرز منها التالي:

  • عدم وجود وحدة تنظيمية تراعي شؤون واحتياجات النوع الاجتماعي، والتأكيد على ضرورة خلق بيئة عمل تشاركية.
  • وجود نقص في الخبرة وبرامج التأهيل والتدريب الخاصة بالقيادات، وعدم وجود سياسة واضحة للتطوير المهني وتقديم برامج خاصة للتدريب على القيادة.
  • عدم التزام جهة عملهم بشكل كامل بالضوابط التي تحد من تكافؤ الفرص وعدم التمييز بين الجنسين في بيئة العمل.
  • وجود قيود في الوصول والتحكم في الموارد المالية والبشرية، كما اتضح أن استجابات أكثر من نصف عينة الدراسة من النساء تقع بين غير موافق إطلاقاً وبين محايد بشأن منح الصلاحيات اللازمة للقيادات النسائية لاتخاذ القرار.
  • وجود نقص في الوعي وعدم تقبل مفهوم الدمج النوعي ومقاومة التغيير من البعض في بيئة العمل.
  • أهمية التوعية والتثقيف بمفهوم الدمج النوعي لتحقيق أهداف الجهة الاستراتيجية. كذلك اتضح أن الدمج النوعي يحفز كلا الجنسين على استثمار قدراتهم ومهاراتهم؛ مما يسهم في زيادة الإنتاجية في العمل.
  • ضرورة وجود واستحداث مرافق في بيئة العمل من شأنها تحسين وتطوير البيئة التنظيمية ومراعاة احتياجات كلا الجنسين.
  • وخلصت إلى أن تقسيم الفرص قد يكون غير عادل؛ بسبب الصور النمطية السائدة في المجتمع عن كلا الجنسين، وأن المرأة تواجه ضغوطًا أكبر ولا تستطيع في بعض الأحيان قبول مناصب عليا وأن الرجل عقلاني وجريء في اتخاذ القرارات أكثر من المرأة.

توصيات للمعهد والجهات

وفي ضوء هذه النتائج؛ أبدت الدراسة العديد من التوصيات التي جاءت وفق 3 تصنيفات، كالتالي:

  1. توصيات مقدمة لمعهد الإدارة العامة: وتمثلت أبرزها في أن ينشئ معهد الإدارة العامة دليلًا تدريبيًا عن إجراءات العمل من منظور النوع الاجتماعي، ويستحدث وثيقة واضحة لسياسة النوع الاجتماعي في الجهات الحكومية، كما يبحث المعهد عن إمكانية عقد اتفاقيات مع المنظمات العالمية التي ترعى النوع الاجتماعي لتقديم شهادات احترافية فيما يخص مجال إدماج منظور النوع الاجتماعي وتطبيق ممارساته في جهات العمل، ويستحدث المعهد برامج تخلق صف من خبراء النوع الاجتماعي في الجهات الحكومية لخلق التوازن في التعيين والترقيات بين الجنسين، بالإضافة إلى استحداث أكاديمية القيادات بالمعهد برامج لتدريب القيادات العليا في الجهات الحكومية لتبادل الخبرات بين القيادات بالجهات الحكومية ولرفع الوعي عند القياديين صانعي القرار بأهمية إدماج منظور النوع الاجتماعي في بيئات العمل، فضلًا عن تقديم معهد الإدارة العامة خدمات استشارية لإنشاء وحدات النوع الاجتماعي في الجهات الحكومية.
  2. توصيات مقدمة للجهات الحكومية: والتي من بينها أن تعمل الجهات الحكومية على قياس الاتجاهات السلوكية والمعرفية لمعرفة مدى تقبل ممارسات الدمج النوعي في بيئة العمل، وتشجيع بعض الجهات الحكومية التي لم تصل للتمثيل المتوازن بين الجنسين لوضع استراتيجية خاصة لزيادة مشاركة العنصر النسائي، وتستحدث الجهات الحكومية أنظمة وتشريعات ولوائح تكفل الحقوق وتضمن عدم التمييز بين الجنسين، وتحرص القيادات العليا بالجهات الحكومية على إزالة العوائق بين الجنسين.

توصيات استراتيجية: تتحدد في توصية فريق الدراسة بضرورة إدماج النوع الاجتماعي كبرنامج ومشروع وطني يراعَى فيه تكافؤ الفرص والدمج النوعي والبيئة التشاركية، وذلك عبر إنشاء مركز لتحقيق التوازن بين الجنسين في العمل.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة