التدريب بالفكاهة والألعاب

​​​​​

أصبحت معظم المعاهد التدريبية العالمية المتميزة، والمدربون المتميزون يبحثون باستمرار عن طرق مميزة لتحسين عمليات التدريب لديهم، مثل مقاطع الفيديو، أو التعليم الإلكتروني، أو أي تقنية تدريب حديثة وجاذبة؛ وذلك للتنافس واستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن المستهدفين وهم المتدربين. وحيث أصبح احتمال أنه يمكن تلقي الدورات المختلفة من خلال النت وشبكات التواصل الإعلامية والاجتماعية المختلفة؛ فقد سعت إدارات المعاهد التدريبية والجامعات التعليمية لإيجاد وتبني أفضل الوسائل التدريبية التي تخلق جوًا من المتعة والفرح لدى المتلقي لتحقيق غاياتها وأهدافها التنافسية التدريبية، والتعليمية، والربحية، فظهر ما يسمى بالتدريب بالألعاب والتدريب بالفكاهة.

بين التقليدي والحديث

تشير الأبحاث إلى أن الفكاهة تنتج فوائد نفسية وفسيولوجية تساعد الطلاب على التعلم. وتؤكد أن مفتاح الأسلوب التدريسي الأفضل هو استخدام الفكاهة لتعزيز المنهجية العلمية المملة، وذلك من خلال الاستفادة من ذكاء الطلاب، وأنماط التعلم المتعددة، بطريقة تجبرهم على التفكير بطرق متباينة واندماج حقيقي. فقد قال "توماس إديسون" ذات مرة: "إنه لم يقم بالعمل يومًا في حياته، بل كان كل ما يقوم به أشياء ممتعة ومسلية"؛ ولذلك كان يستمر لساعات طويلة ينجز ويخترع. يجب أن نُرغِّب الناس في التعلم والتدريب، لدرجة أنهم يستيقظون ويذهبون كل يوم للمعهد والجامعة من أجل الاستمتاع واللعب؛ فالأبحاث تؤكد أن الناس يتعلمون أكثر عندما يقضون وقتًا ممتعًا أكثر.

في التعليم التدريب التقليديين يتم قمع المرح والفكاهة والبهجة، لدرجة تفقد معها السمات الأخرى أيضًا، كالإبداع والخيال. تقول "دوني تامبلين"، وهي ممثلة كوميدية ومؤلفة مشهورة تحولت إلى مدربة، ورئيس شركة تدريب (Humor RULES): "قد لا نولد كوميديين، لكن معظم الناس يحبون روح الدعابة بشكل فطري"، ويقول "إدوارد دي بونو"، وهو طبيب وعالم نفس مالطي، وكاتب ومؤلف في التفكير الإبداعي: "الفكاهة هي إلى حد بعيد السلوك الأكثر أهمية للعقل البشري".

عوامل مهمة

تعتبر قدرة الشخص على تركيز جهده الذهني مهمة جدًا لتحقيق الأهداف؛ فيزيد مدى الانتباه لدى الأشخاص؛ كلما كان النشاط الذي يقومون به ممتعًا لهم. وتجدر الإشارة إلى أن مدة الانتباه المستمر الاختياري المعروف أيضًا (بالانتباه المركّز)، تتراوح للمراهقين والبالغين الذين يتمتعون بصحة جيدة بين 10-15 دقيقة. ورغم أنه لا يوجد دليل تجريبي كافٍ يدعم هذه التقديرات، إلا أنها في جميع الأحوال لا تبرح ذلك، إن لم يكن أقل من ذلك. هذا في الوضع الطبيعي للمستمع، وبدون تأثير العوامل النفسية والمادية الجسدية له، والعوامل الأخرى البيئية لجو المحاضرة وأركانها التي تحول بالمرة دون الإصغاء والتركيز للمتحدث؛ لذلك يجب على المدرسين ومحترفي التدريب إدخال عناصر من اللعب والترفيه والإبداع والفكاهة في أساليبهم التدريبية، وبالذات عند التعامل مع الموضوعات العلمية الجامدة، والمعقدة أو الفنية؛ لكي يبق المستمع على اتصال دائم ومستمر معهم.

انتبه لتفاعلك مع المتدربين

في ضوء ذلك؛ حدد الفكاهة المناسبة لك، وحاول أن تعلق على نفسك بالسلب وتنتقد نفسك، في حين تمتدح الحضور، وعليك أن تطلق المثال السيء والمضحك على نفسك والمثال الإيجابي والمثالي على الحضور؛ لأن الإنسان المستمع بطبعه يحب المديح ويكره الانتقاد، ويمقت المتحدث عن نفسه إن كان مادحًا أو متفاخرًا. كذلك يجب بناء الثقة وتشجيع المشاركة للمتدربين اليائسين من وجود الفكاهة داخل المحاضرات العلمية، وهو غائب فعليًا في بيئة التعلم فشجعهم؛ لأن أي شخص يشارك في جلسة التدريب من غير المهتمين بأسلوب التدريب بالفكاهة والألعاب، سوف يشكل عائقًا أمام قضاء وقت ممتع بالمحاضرة؛ لاعتقاده أن التدريب عمل جاد تمامًا مثل العمل، والفكاهة مضيعة للوقت، والموظفون الذين يستمتعون في العمل ليسوا منتجين. ويعتقد خاطئًا أنه لا يمكننا تحقيق أهدافنا بكل هذا الضحك الصاخب. فيجب أن تدعم الفكاهة أهداف التعلم، لا أن تحل محلها. بالإضافة لذلك، انتبه دائمًا إلى توفير بدائل للأنشطة الفكاهية؛ إذا كانت الفكاهة غير مناسبة لمجموعة معينة من المشاركين.

التدريب باللعب

وعلى جانب آخر، فالتدريب باللعب هو وسيلة رائعة لصقل وتشكيل مهارة المدرب والمتعة في نفس الوقت؛ إذ يتيح له رؤية وتجربة فريدة. علاوة على أنه يتيح له رؤية العملية التدريبية من وجهة نظر المتدرب، والتي غالباً ما تكون تجربة رائعة للغاية. يساعد أيضًا أسلوب التدريب باللعب على التخلص من السلوك الخرافي المتمثل في إلقاء اللوم-عند حصول المشكلات-على الشخص المتدرب الذي نعمل معه، بدلاً من لوم الحالة التدريبية أو المدرب نفسه. كذلك فإن اللعبة المتميزة يجب أن تحتوي على بنية (قواعد)، وتتطلب المشاركة النشطة من الجميع، والتعاون بين أعضاء الفريق وعملية المنافسة بين الفرق، وعلاقة اللعبة المباشرة بمجموعة من المهارات والمعرفة والمواقف ذات الصلة بموضوع وهدف المحاضرة. ويجب أن تُكيف وتُفصل اللعبة لكي تناسب الفريق المتدرب؛ فالمناسب للكبار قد لا يناسب الشباب، وما يصلح لمجتمع وثقافة في بلد معين، قد لا يصلح لثقافة وبلد آخر.

فوائد وتحذير

أثبتت الدراسات أن المشاركين يتفاعلون بشكل إيجابي ويستمتعون باستخدام الألعاب التدريبية. وفيما يتعلق بنتائج التعلم إذا كانت اللعبة ذات صلة بالأهداف التعليمية، فإن المشاركين يتعلمون بفعالية من حيث الاسترجاع الفوري، والاحتفاظ بالمعلومات على المدى الطويل. أما فيما يتعلق بتغييرات السلوك، فتميل الألعاب إلى إنتاج المزيد من نقل وتطبيق المهارات المكتسبة حديثًا في مواقف العمل لموقع التدريب. وينطبق هذا بشكل خاص على ألعاب المحاكاة التي تتضمن انعكاسًا حقيقيًا لمواقف العمل. كذلك فإن برامج التدريب المبتكرة من خلال الألعاب والمحاكاة، غالبًا جديدة ومثيرة، ولكنها قد لا تروق لجميع الموظفين.  وبالرغم من أن اللعبة قد تجسد فكرة وسيناريو المحتوى المطلوب والمقصود، لكن ليس كل موظف متحمس للتعلم المقدم عبر الألعاب والمحاكاة، لذلك فإن الألعاب والمحاكاة تعد مضيعة للوقت والمال؛ إذا لم يشارك بها وتُرضي المتعلمين جميعًا.

التدريب بالفكاهة واللعب والترفيه، تعتبر الأكثر فعالية في عالم التدريب المتطور اليوم؛ فهي تخرج الموظفين من جو المحاضرة الرسمي وتجعلهم مندفعين لتجربة التعلم بشوق ورغبة. وكلما شملت اللعبة المتعلمين في العملية وتكيفت مع قراراتهم؛ أصبحوا أكثر تقبلًا وتكيفًا مع اللعبة والمرح.  إن قدرة اللعبة أو المحاكاة على جعل الموظفين مشاركين نشطين، وليس فقط مستمعين أو مراقبين، هي مفتاح النجاح، وإن ما يجعل التدريب أكثر جاذبية هو كيف يعيش المتعلمون المشاركون حدث التعلم بوعي وتركيز تام؟ وهو ما يحدث من خلال الترفيه أو اللعب أو المشاركة الفعالة بمتعة ومرح.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة