دراسة دولية: الثقة في وسائل الاعلام تراجعت بسبب "الترند"

​​​​​الثقة في وسائل الإعلام والسعي نحو تحقيق المصداقية والمهنية لاجتذاب الجمهور من أحد الأهداف المهمة لوسائل الإعلام التي تتحدث بعض التقارير والدراسات الدولية عن تراجعها خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ كنتيجة طبيعية لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وتربط بين تراجع الثقة في الأخبار وبين تدني مستوى المهنية؛ سعياً وراء "الترند" على مواقع التواصل، أو تحقيق مزيد من القراءات والمشاهدات، بغض النظر عن مدى الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية التي تأسس عليها الإعلام، بينما تجددت مطالب بضرورة التمسك بالمهنية والجودة وتنويع المحتوى، كأساس لاستعادة ثقة الجمهور بوسائل الإعلام، في ظل المنافسة الشديدة مع وسائل التواصل.

جزر ومد بالثقة

ووفقاً لدراسة حديثة نشرها "معهد رويترز لدراسات الصحافة"-التابع لجامعة أوكسفورد البريطانية-اعتمدت على بيانات من بريطانيا، والهند، والبرازيل، والولايات المتحدة؛ فإن معدلات الثقة في الأخبار تراجعت على مدار العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم، حيث أصبح الإعلام في مناقشات العامة بشأن القضايا الخلافية، والجدلية، والعرقية، والأوبئة. وفي معظم الأوقات تقود هذه المناقشات إلى الهجوم على وسائل الإعلام والإعلاميين من جانب أشخاص يعبرون عن عدم ثقتهم في الإعلام.

وتؤكد الدراسة ارتفاع مستوى الثقة في وسائل الإعلام مع انتشار جائحة (كوفيد–19) التي ساعدت في إعادة بناء القليل من الثقة المفقودة في وسائل الإعلام، وأسهمت في اتجاهها أكثر إلى الفضاء الرقمي، وأبرزت تراجعاً سريعاً للصحافة المكتوبة مع تزايد الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، وهناك اتجاه نحو الدفع المالي مقابل الحصول على الأخبار، أي الاشتراكات في وسائل الإعلام الرقمية التي تقدم معلومات موثوقة إلى حد ما.

وأشارت الدراسة إلى تنامي الثقة في الأخبار لتصل إلى 44%، بزيادة 6 نقاط على العام الماضي. وتصدرت فنلندا قائمة الدول من حيث ارتفاع معدلات الثقة في الأخبار بين متابعيها بنسبة 56%، في حين احتلت الولايات المتحدة الأميركية ذيل القائمة بنسبة 29%.

أبرز الأسباب

وتوضح الدراسة أن هناك نسقاً عاماً لتراجع الثقة في وسائل الإعلام؛ لعدة أسباب منها: المنافسة الشديدة التي تجدها وسائل الإعلام مع وسائل التواصل، والصعوبات المادية التي يمكن أن تعترضها وهو ما يؤثر في المحتوى، وحالة النفور من المحتويات السلبية التي تأتي مدارس، مثل (صحافة الحلول) و(الصحافة البناءة) لتحاول أن تعطي صورة أخرى عن العالم، بالإضافة إلى (التوجيه) الذي يمكن أن تنخرط فيه بعض المؤسسات الإعلامية، والأهم من كل ما سبق هو (غياب الجودة) لدى بعض المؤسسات الإعلامية؛ فعندما لا تنتج وسائل الإعلام معلومات وأخبار سليمة ودقيقة تفتقر إلى التعمق والتجديد، من الطبيعي أن يتراجع الإقبال على متابعتها، بل وتراجع الثقة فيها مع تطور وسائل الإعلام وسيطرة الإعلام الإلكتروني؛ مما جعل الاعلامي مطَالباً بتقديم عدد معين من الأخبار يومياً، وتحت ضغط العدد غاب عنصرا الجودة والتحقق من الأخبار، إضافة إلى ضعف العائد المادي للصحافيين، وهو الأمر الذي لا يحفزهم لبذل مزيد من الجهد لتحسين جودة القصة الصحافية، وقلة عدد دورات التأهيل الإعلامي، وفتح المهنة لكل من يرغب في العمل فيها دون تدريب.

التفاعل

كذلك تتناول الدراسة جانبًا مهمًا، وهو أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أحدث تغييراً كبيراً في المشهد الإعلامي العالمي، وأصبح في استطاعة الملايين من الأفراد على مستوى العالم التحول من خانة المتلقي السلبي فقط للأخبار والمعلومات، إلى التفاعل مع ما ينشر عبر وسائل الإعلام التقليدي بالرد والتعليق والاتفاق والاختلاف معها، وإنتاج رسائل إعلامية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهذا ما أدى لزيادة الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، خاصة بين المتخصصين في مجالات الإعلام، والأمن، والدبلوماسية الذين ما عادوا يتعاطون مع ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنه حقيقة، إلى حين التأكد من دقة المعلومة كلياً أو جزئياً بعد نشرها عبر وسائل الإعلام التقليدية.

"الترند"

ووفقًا للدراسة؛ فإن معدلات الثقة تقل لدى كبار السن غير المتعلمين، مع وجود كثير من الاهتمام بمدى التغير في نظرة الناس للأخبار، في أعقاب انتشار مواقع التواصل، واعتماد الناس عليها كمصادر للمعلومات، وأن السعي وراء "الترند" على مواقع التواصل؛ أفقد الإعلام دوره ومصداقيته، فبدلاً من أن يكون صانعاً للحدث، ومنتجاً للمعلومات الصحيحة، أصبح لاهثاً وراء ما يتناوله الجمهور على مواقع التواصل، من دون تحقق أو تقديم قيمة مضافة للجمهور، وهو ما يضعف مستوى الثقة في الإعلام بشكل عام.

وبحسب دراسة "معهد رويترز" فإن بناء قدر مستقر من الثقة في وسائل الإعلام؛ يتطلب اتباع مناهج مختلفة بحسب نوعيات الجمهور واهتماماتهم، واختبار كيف يستجيب الجمهور للرسائل المختلفة؟ ومن خلال ذلك يمكن لوسائل الإعلام أن تبني استراتيجية للمضي قدماً في تحقيق مزيد من الثقة.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة