الاقتصاد الرقمي مستقبل الدول النامية

إعداد/ د.موفق محمد ربابعه 

من الوهلة  الأولى يتضح من السؤال المطروح-في العنوان-أن هناك أمراً خطيراً لا بد من الانتباه له، وهو بالفعل كذلك؛ فالعصر الحديث أو ما يعرف بعصر الثورة التكنولوجية والاقتصاد الرقمي، هو عصر متسارع وخطير جداً. وكي تستمر الدو​ل والمؤسسات في تحقيق أهدافها؛ لا بد لها أن تدق ناقوس الخطر من خلال تحليل التغيرات العالمية في مجال التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي الذي أصبح حقيقة لا بد من التكيف معها ومواكبتها، وإلا تأخرت عن ركب هذه التطورات، وستضع نفسها في موقف يصعب عليها العودة من جديد.

هناك 6 شركات تكنولوجيا أمريكية تخطت القيمة السوقية لكل منها ترليون دولار في السنوات الأخيرة؛ وهذا يدل على أن هناك شيئًا غريبًا وخطيرًا يحدث على مستوى العالم ولا بد من الانتباه له وألا يمر مرور الكرام. وسنقوم باستعراض هذه الشركات الست من خلال تحليل قيمها السوقية (سعر السهم × عدد الأسهم المتداولة)، والشركات التي سيتم استعراضها هي Facebook, Tesla, amazon.com, Google, Apple, Microsoft.   وسنبدأ تصاعديًا من الشركة ذات القيمة السوقية الأقل إلى الشركة ذات القيمة السوقية الأعلى، من خلال مقارنة القيمة السوقية لهذه الشركات منذ عام 2001م حتى إعداد هذا التقرير بتاريخ 15/11/2021. ويجب التنويه أنه تم الحصول على البيانات من خلال موقع companiesmarketcap.com.

تسلا

سنبدأ بشركة تسلا (Tesla) التي أدرجت أسهمها في السوق المالي الأمريكي في العام 2010م، وكانت قيمتها السوقية ما يقارب 2,200 (2 مليار و200 مليون دولار تقريباً)، والتي أصبحت قيمتها السوقية اليوم 1,037 ترليون دولار، أي أن قيمتها السوقية تضاعفت خلال الـ 10 سنوات تقريباً بمقدار 471 مرة!! وهذا يعني أن الاستثمار بمبلغ 1000 دولار في شركة تسلا عام 2010م تضاعف اليوم ليصبح 471 ألف دولار!

فيسبوك

الشركة الثانية هي شركة Facebook التي تأسست عام 2004م، والتي تم طرح أسهمها للاكتتاب العام في 2012م وكانت قيمتها السوقية 63 مليار دولار تقريباً، وبتاريخ 12/7/2021 وصلت قيمتها السوقية إلى ما يقارب ترليون دولار، ثم انخفضت؛ بسبب المشكلات الأخيرة إلى 948 مليار دولار، وبالرغم من ذلك فإن مؤشر أسهم الشركة يتجه نحو الارتفاع مجدداً.

أمازون

الشركة الثالثة هي شركة أمازون (amazon.com) التي تأسست عام 1995م التي كانت قيمتها السوقية في بداية عام 2001م ما يقارب 6,180 مليار دولار، وتضاعفت قيمتها السوقية لتصل اليوم الى 1,790 ترليون دولار، أي بمقدار 290 ضعفًا خلال 20 عاماً، أي أن الاستثمار في شركة أمازون في العام 2001م بمقدار 3500 دولار أصبح اليوم أكثر من مليون دولار!!

جوجل

رابعاً شركة Google التي تأسست عام 1998م، حيث كانت قيمتها السوقية في بداية عام 2001م ما يقارب 23 مليار دولار، وأصبحت قيمتها السوقية اليوم 1,980 ترليون دولار تقريباً، مع ارتفاع لمؤشر الأسهم للشركة اليوم.

أبل

خامساً شركة Apple التي تأسست عام 1976م، وكانت قيمتها السوقية في بداية 2001م حوالي 7,800 مليار دولار، وتضاعفت قيمتها السوقية اليوم لتصل إلى 2,480 ترليون دولار.

مايكروسوفت

وأخيراً شركة Microsoft صاحبة أكبر قيمة سوقية في السوق الأمريكي وعبر التاريخ، والتي كانت قيمتها السوقية عام 2001م ما يقارب 325 مليار دولار، لتصل قيمتها السوقية اليوم إلى 2,528 ترليون دولار، وهي الأعلى قيمة على مستوى العالم.

أرقام مخيفة

الملفت والمهم في الموضوع، أن القيمة السوقية لهذه الشركات بدأت تتصاعد وبتسارع كبير ومخيف منذ عام 2012م، حيث كانت القيمة السوقية لمجموع الشركات المذكورة كاملة في هذا العام ما يقارب 1,28 ترليون دولار، وخلال أقل من 10 سنوات أي في عام 2021م قفزت القيمة السوقية لإجمالي الشركات إلى 11 ترليون دولار، بزيادة 9,72 ترليون دولار، وهي أرقام مخيفه بالفعل، ولكن الأخطر ما زال بانتظارنا!!

كورونا فرصة كبيرة

الأكثر أهمية والذي يدفعنا نحو التفكير ملياً وتتبع الأحداث وتحليلها، هو أنه في نهاية الشهر الثاني من العام 2020م، أي قبل الإعلان عن أن فيروس كورونا أصبح جائحة عالمية من قِبَل منظمة الصحة العالمية بتاريخ 11/3/2020 كانت القيمة السوقية الإجمالية لهذه الشركة جميعها تساوي 5,267 ترليون دولار، ومنذ ذلك التاريخ لغاية اليوم 15/11/2021 تضاعفت القيمة السوقية لهذه الشركات بمقدار 5,677 ترليون دولار، أي أنه خلال 20 شهراً (سنة ونصف تقريباً) ارتفعت القيمة السوقية لهذه الشركات إلى أكثر من الضعف؛ هذا يعني أن ما حققته الشركات خلال جائحة كورونا وتبعاتها والتي امتدت لغاية اليوم إلى 20 شهراً تقريباً، لم تحققه منذ بداية تأسيسها أي قبل نحو 20 عاماً وأكثر.

وهذا يعني أن جائحة كورونا كانت وسيلة لكثير من الشركات التي استغلت الفرصة وكانت رائدة في أفكارها وجنت الكثير من الأرباح، وأن هذه الجائحة أدخلتنا بقوة إلى الثورة الصناعية الرابعة والتي بدأ من خلالها يتشكل مستقبل جديد للبشرية، وأن الجائحة كانت مغنماً للشركات الرقمية، وأصبح الاقتصاد العالمي الرقمي هو المسيطر على الاقتصاد العالمي وبشكل خطير جداً. وعلى الدول النامية أن تعيد حساباتها مجدداً لأن القادم أخطر؛ فبالنظر إلى مساهمة الاقتصاد الرقمي العربي في الناتج المحلي الإجمالي والذي بلغ 4% وفق تقرير صادر عن جامعة الدول العربية في الشهر الأول من عام 2021م فإنه ضئيل جداً مقارنة بمساهمة المعدل العالمي والذي بلغ 5 أضعاف وبنسبة 22% من الناتج المحلي الإجمالي.

الأفكار الريادية الرقمية

السؤال الذي يطرحه كثير من الاقتصاديين: إلى أين يتجه العالم؟ خصوصاً أن القيمة السوقية لأي شركة من الشركات السابقة، فاقت الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة من الدول، فمثلاً بلغ الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 لجميع الدول العربية (22 دوله) بمقدار 2,49 ترليون دولار وفق بيانات البنك الدولي، وهو أقل من قيمة شركة مايكروسوفت لوحدها التي بلغت قيمتها السوقية 2,528 ترليون دولار.

يتضح لنا من خلال التتبع للتغيرات المالية لتلك الشركات، أن الاقتصاد الرقمي يسير بخطى متسارعة، وأن على حكومات الدول النامية أن تتنبه؛ لأن الأفكار الريادية الرقمية هي الحل لبناء اقتصاد قوي، وعليها أن تتخذ كافة الإجراءات اللازمة للتشجيع على الانخراط في الاقتصاد الرقمي، والذي أصبح حقيقة لا يمكن تغافلها، وأن التأخر عن مواكبة هذه التطورات سيعيق تطور هذه الدول ويعرقل خططها الاستراتيجية في تحقيق أهدافها ورؤاها المستقبلية.​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة