الفضول في العمل.."لقافة" أم استكشاف أم اختراقًا للخصوصية؟

​​​

يعد الفضول من السلوكيات التي ترافق فئة كبيرة من الناس، مع تفاوت في درجته، وطريقة التعاطي معه أو طرحه، وهناك أمور تصادف الإنسان في حياته اليومية وتثير فضوله تدفعه لمعرفة بعض التفاصيل الشخصية عن أشخاص يلتقيهم يومياً بصفة رسمية.

طبيعة البشر

ويعتبر الفضول طبيعة بشرية لمعرفة الجديد والاطلاع عليه، ولكن عندما يزيد عن الحد؛ يدفع المرء الثمن اجتماعياً باهظاً، بحسب البيئة والمجتمع والأفراد المحيطين به. وفي بيئة العمل يمتد الفضول الوظيفي إلى التعدي على أعمال الوظائف الأخرى؛ ولذا يعتبر تدخلاً في الشأن الوظيفي وتعمد الاطلاع على الأسرار بدون وجه.

الفضول العلمي

ويقول العالم ألبرت آينشتاين:"لا أتمتع بموهبة خاصة، لكنني شديد الفضول"، مما يؤكد أن الفضول في مجال المعرفة يشكل قوة دافعة مؤثرة في مجال الاكتشافات العلمية؛ فالرغبة الملحة في المعرفة تقود الفضول الفطري للإنسان نحو آفاق أسمى وأبعد. ومن جانبها تقول المؤلفة الألمانية "هيلجا ناوتني" مؤلفة كتاب "فضول لا يشبع: الإبداع في مستقبل مجهول": "إن الفضول الزائد في الإنسان صفة غير مرغوبة، فالكثير منا يصف بعض أصحابه أو أقربائه بأنه فضولي؛ يتدخل في كل التفاصيل، ويراقب تصرفات الناس وحياتهم الشخصية عن كثب، ويحب معرفة الأخبار والتفاصيل التي قد تكون في كثير من الأحيان شخصية وخاصة للغاية، ولكن لفضول بشكل عام مطلوب، وصفة محمودة إذا كانت في أمرين هما: العلم، والعمل. فالفضول يدفعنا كي نتعرف على معلومة جديدة أو نقرأ كتاباً في موضوع معين، كما أن الفضول هو الذي يقودنا في أعمالنا، فمن أول يوم في العمل إلى تاريخ التقاعد نحن نتعلم الجديد دائماً".

غير محله

لكن متى يتحول الفضول إلى أمر سلبي؟ ويصبح أمراً مزعجاً؟ والإجابة ببساطة هي عندما يتحول إلى مراقبة الناس، ومعرفة الداخل والخارج، وتتبعهم أو التقليب في حاجياتهم وأغراضهم الشخصية إذا كانوا زملاء في العمل، أو طلب معلومات شخصية وتوجيه أسئلة عنهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

"الملقوف"

وفي العمل يزيد فضول بعض الموظفين، إذ يصل إلى أن يلقبه زملاءه بـ "الملقوف"؛ لأنه يحب معرفة كل ما يدور حوله، ومع من يجلس بقربه، ويحاول التكهن بنفسه، لتفسير بعض المواقف التي لا يريد أصحابها البوح بها كاملة، فهذا "الملقوف" يحب أن يعرف كل شيء، ويسأل دون الشعور بأي حرج، وقد يبدأ بالعبث في مكاتب، وأوراق، وهواتف، ومتعلقات زملاءه في العمل؛ لإرضاء فضوله الزائد، ولمعرفة ماذا يدور في حياة كل زميل، رغم أنه شخصياً لا يحب أن يعامل بالطريقة نفسها لأنه يجد فيها نوعاً من التدخل في حياته الشخصية.

أجوف

وفي السياق نفسه يرى مدير المركز الدولي للاستشارات النفسية د.محمد النحاس، أن الفضول قيمة اجتماعية إيجابية؛ في حال كانت ستضيف إلى المرء معلومات تفيده، بينما إن كانت لمجرد جمع المعلومات والتقصي والتجسس فهي تدخل ضمن إطار تدمير الذات؛ كونه يعد تجسساً، وإن من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه. أما الإنسان "الحشري" فهو "فارغ" يسعى إلى إيجاد دور ما في هذا العالم الذي يعيش فيه، ولأن أدواره تافهة وليس لها أي أثر يذكر في المحيطين. يحاول أن يخترق الأمن والسلام النفسي للآخرين والمحيطين من خلال طرح بعض الأسئلة التي تعد شخصية؛ ولذا فهو إنسان أجوف ليس لديه إحساس بقيمة الذات، ويحاول البحث عن سلبيات الآخرين، ليثبت لنفسه بأنه ليس الوحيد السيئ.

سلوك اجتماعي

 أما المختص في العلوم الاجتماعية في جامعة القاهرة د.حسين العثمان، فيؤكد أن الفضول سلوك يتخذه الفرد للتدخل في شئون الغير، إذ من الممكن أن يبدأ بطرح الأسئلة التي لها علاقة بالخصوصية، وفي العمل يجد الموظف الفضولي راحته مع زملاءه الخجولين؛ وذلك لأنهم قد يجارونه ويعطونه المعلومات التي يريدها، فيما البعض الآخر قد يستخدم معه أسلوب الصد.

4 خطوات

لكن كيف نتحكم في الفضول ونوجهه التوجيه الصحيح؟ يرى خبراء الإدارة وعلم الاجتماع أن هناك 4 خطوات مهمة للاستفادة من الفضول، هي كما يلي:

1-ربط الفضول بالأحداث وليس الأشخاص: فالبعض يتساءل لماذا تمت ترقية فلان في العمل؟ وهنا قد يدفع الفضول إلى مراقبة هذا الشخص، ومحاولة استخراج كل ما هو رديء لإثبات أنه لا يستحق الترقية وهذا الجانب السلبي، أو البحث عن الإنجاز الذي قدمه هذا الموظف، ويطلب الاطلاع عليه بشكل قانوني للسير على نفس النهج الذي قدمه.

2-استمرارية التعلم: الفضول يدفعنا إلى التعلم دائماً والبحث والاستقصاء في المراجع والأبحاث؛ من أجل أن اشباع هذا النهم للخروج بالفائدة المرجوة من مصادر العلوم المختلفة.

3-الشغف الدائم: الفضول هو علاج ناجح لحالات الملل؛ فالتعرف على شيء جديد والبدء بالبحث عنه سيشعل جذوة النشاط مرة أخرى.

4-وضع هدف للتحرك والتعلم: الأهداف الواضحة والمنطقية تجعلنا فضولين أكثر لكل شيء للوصول إلى الهدف الذي نريد.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة