البيانات الضخمة..وتنمية المعرفة

​​

يقول "جون نيسبيت" في كتابه Megatrends عام 1982م: "نحن نغرق في البيانات، ولكننا عطشى إلى المعرفة!"، فكيف جسد الكاتب في كتابه قبل 30 عاماً، معاناة اليوم؟!

ففي القرن الماضي بعد أن تيقن العالم حاجته إلى الأنظمة الحاسوبية، كحاجته إلى الماء والهواء، كانت العقبة الأهم هي تحويل البيانات اليدوية إلى محوسبة. ولكن ما لبث أن حدث هذا، إلا وانتقلنا إلى عقبة أشد صعوبة، ألا وهي تضخم حجم البيانات المحوسبة. وازداد الأمر مؤخراً؛ بسبب اتجاه العديد من المؤسسات لجمع المزيد من البيانات باستخدام إنترنت الأشياء، حيث باتت هناك أجهزة استشعار لجمع البيانات من جميع جوانب العمل بما في ذلك تفاعل العملاء.

 مما جعل من قضية البيانات الضخمة المخزنة على شبكة الإنترنت وخوادم الشركات عقبة كبرى، وظهرت مشكلة جدوى وجود هذه البيانات بصورة عشوائية، ومدى إمكانية الاستفادة منها. وعندما نتحدث عن البيانات الضخمة، فإننا نتحدث عن كميات لا يمكن تخيلها من البيانات متعددة النوع والمصدر، بحجم يصل إلى الآلاف والملايين من التيرابايت؛ مما أدى إلى ظهور سعات تخزين أكبر، مثل بيتابايت، وإكسابايت، وزيتابيت، ويوتابيت.

وخلال ذلك وقفت الأساليب الإحصائية التقليدية عاجزة أمامها، فكانت الحاجة الملحة إلى تطوير أدوات تمتاز بالقوة لتحليل البيانات واستخراج المعلومات والمعارف، تتعامل مع مثل هذا الكم الهائل من البيانات. من هنا تم تطوير أدوات ذكية، وتم تجميع شتات هذه الأدوات تحت مسمى "علم البيانات"؛ بهدف استنتاج المعرفة من كميات هائلة من البيانات، تعتمد على الخوارزميات الرياضية والأساليب الإحصائية والتقنيات البرمجية، ومستمدة من العديد من العلوم، مثل الإحصاء، والرياضيات، وتنقيب البيانات، والذكاء الاصطناعي، والنظم الخبيرة، وتعلم الآلة، وغيرها من العلوم.

        وقد أولت المملكة اهتماماً كبيراً بعلم البيانات، وهو ما برز ذلك جلياً في رؤية المملكة 2030، من خلال مشروع التحول الوطني؛ بهدف توفير البيانات الدقيقةِ والمؤشراتِ الإحصائيةِ الفعَّالة، وتطوير أدوات القياس التي تعد المحرك الرئيسي لخُطَطِ التنميةِ والتطوير وتحقيق أهداف الرؤية. وقد نصت الرؤية في برنامج التحول الرقمي على أن من أبرز التحديات التي تواجهها توافر البيانات والقدرات الإحصائية، حيث تتطلب مواءمة أهداف التنمية المستدامة ومتابعة التقدم المحرز في تحقيقها، وضرورة سد الفجوات في البيانات وضمان إدراج القياسات الرئيسة ضمن المؤشرات الرسمية وتحسين المنهجيات ونظم جمع البيانات.

ويتحقق ذلك جلياً من خلال عدد من المؤسسات الحكومية الرائدة والكبيرة، والتي أولت الدولة اهتماماً كبيراً بها وبتطويرها، من أهمها الهيئة العامة للإحصاء، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)؛ والتي بُنيت استراتيجيتها في الأساس بهدف بناء اقتصاد قائم على البيانات. وهذا الاتجاه العام نجده جلياً أيضاً من خلال اعتماد الوزرات والهيئات الحكومية لسياسة البيانات المفتوحة التي تسهم في تحقيق أهداف الرؤية. ومازال السعي والتوجه دؤوبًا نحو تحقيق أعلى معايير الجودة بالبيانات وأحدث الطرق التقنية للاستفادة منها. فقد أضحت الحاجة ماسة لزيادة الوعي وتضافر الجهود ودعم البحث العلمي وتفعيل المبادرات والمسؤولية الاجتماعية؛ للانتقال من البيانات الضخمة إلى ما يمكننا أن نطلق عليه "المعرفة الضخمة".​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة