فرق العمل من الخلاف إلى الاتفاق..السور لا يبنى بحجر واحد

​​​​​

في عام 1972م تعرضت طائرة لحادث تحطم على قمة أحد الجبال المغطّاة بالثلوج، وكان على متنها 40 شخصاً، لم يبق على قيد الحياة سوى 28 شخصاً، ورغم محدودية متطلبات بقاء أفراد هذه المجموعة على قيد الحياة، من ماء وطعام ووسائل تدفئة، فقد تمكنوا من الاتفاق على تجهيز الأكثر صحة من بينهم، وتزويدهم بمعظم ما لديهم من مؤن؛ ليقوموا برحلة استكشافية طلباً للنجدة، وبالفعل عاد هؤلاء لإنقاذ الآخرين بعد شهرين من سقوط الطائرة. هذه الحادثة تشرح ببساطة أهمية فرق العمل، فمن المهم في مجموعات العمل متعددة الأفراد أن يكون هناك تجانس وتعاون بين أفرادها؛ لأداء المهام وإنجاز المشاريع بكفاءة عالية. ومن الطبيعي أن يتفاوت الأفراد المُنتمون إلى فريق العمل الواحد من حيث: العادات، والطبائع، والنواحي النفسية، والتعليمية، والسلوكية.

تحريك المواهب

يقول المؤسس الشريك والمدير التنفيذي لشركة آبل "ستيف جوبز": "إن الأشياء العظيمة في مجال الأعمال لا تكون نتيجة لعمل شخص واحد أبداً؛ وإنما نتيجة عمل فريقٍ كامل من الأفراد"، وتظهر الإحصائيات الحديثة أن 97% من الموظفين والمديرين التنفيذيين يعتقدون بأن الافتقارَ للتوافق بين أعضاء فريق العمل الواحد، يعود بنتائج سلبية على أي منظمة.

تحسين الانتاجية

وعرًف المدرب والمستشار والمتخصص في تصميم وتنفيذ إدارة نظم الجودة الشاملة "جابلونسكي"، إدارة الجودة الشاملة على أنها "استخدام فرق العمل في شكل تعاوني لأداء الأعمال بتحريك المواهب والقدرات الكامنة لكافة العاملين في المنظمة؛ لتحسين الإنتاجية والجودة بشكل مستمر". ويشير عالم الإدارة الكلاسيكية "هنري فايول" إلى الاهتمام بالعنصر البشري في المنظمات؛ باعتبار أن الطاقة الكامنة للفرد تبقى كامنة ما لم يتم تحريرها وإطلاقها من خلال العمل الجماعي. كذلك قدًم عالم الإدارة اليابانية صاحب كتاب نظريه Z "وليام أوشي" نموذجه الشهير المعتمد على الاهتمام بالعنصر البشري وإدارة العاملين بطريقة تجعلهم يشعرون بروح الجماعة.

4 مراحل

وفي السياق ذاته أنشأ الخبير الإداري المتخصص الدكتور "بروس تاكمان" نموذجاً لتطوير الفرق يتألف من 4 مراحل، هي:

 1-التكوين.

2-الصراع.

3-وضع المعايير.

4-التنفيذ.

النجاح والصراع

ويعتمد نجاح أو عدم نجاح فريق العمل على العلاقات بين أفراده، ففي مرحلة التكوين يبدأ أعضاء الفريق في التعرّف على بعضهم البعض، ويكونون عادة متحمسين للعمل، ويتوجب على قائد الفريق خلال هذه المرحلة تحديد مهام ومسؤوليات كل فرد بشكل واضح.

وتأتي مرحلة الصراع حيث يبدأ بعض الأفراد بشكل طبيعي في مقاومة حدود المهام المنوطة بهم؛ ومن أسباب ذلك التباين في العادات بين أعضاء الفريق وأساليب عمل كل فرد منهم. وقد يصل الأمر بالبعض إلى التشكيك في أعمال الفريق، والاعتراض على المهام والأعمال التي يُكلف بها، وهذه المرحلة هي أهم مراحل نمو الفريق ونضجه، وفيها قد يتفكك الفريق إذا فشل في معالجة الاختلافات، والخلافات، ولذا فإن دور القائد مهم جداً في بناء الثقة بين أعضاء الفريق، وبث الإيجابية والتعامل بحكمة مع أعراض هذه المرحلة، وما فيها من تحديات؛ ليتمكن الفريق من الانتقال إلى المرحلة التالية.

المعايرة والأداء

وبعدها تأتي مرحلة المعايرة حيث يتجانس الفريق بشكل تدريجي ويبدأ الأفراد في التعامل مع الاختلافات وتقدير حقيقة التباين والتمايز فيما بينهم وتقديم المساعدة المتبادلة بين أفراد الفريق، وذلك من خلال وضع معايير للعمل تكون مقبولة من الجميع، ويتعهد الجميع بالالتزام بها، ويتولى القائد هنا دور المراقب، مانحاً الفرصة للأفراد للتوافق فيما بينهم.

لتأتي مرحلة الأداء وفيها تتبلور بشكل واضح ملامح تكامل الفريق (المهام، والمسؤوليات، والعمليات، وغيرها)، ويتم تنفيذ الأعمال، مهما بلغت صعوبتها، بسلاسة. ويستثمر القائد ذلك بتفويض بعض من مهامه ومشاريعه، قدر المستطاع؛ ليركز هو بشكل أكبر على الأهداف والأعمال الأخرى.

الاختلاف

ووجود التباين والاختلاف بين أفراد فريق العمل هو أمر طبيعي، وقد يبدع قائد الفريق في استثمار التباين، ليخلق فريق عمل متنوع الإمكانات، وقادراً على التعامل مع التحديات المختلفة، فالسور لا يبنى بحجر واحد.

القائد الناجح

ولذا فالقائد الناجح لا يستطيع منفرداً أن يسير بالمنظمة نحو النجاح الدائم، ولا بد من تضافر جميع الجهود؛ من أجل أن ينجح العمل بشكل متكامل دون ثغرات. ونجاح المنظمة لا بد أن يكون من أصغر موظف إلى أعلى مستوى فيها، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية بناء فرق العمل ضمن المنظمة؛ لتقوية الاتصال بين الكادر التنفيذي والكادر الإداري، وكسر حاجز الجليد بين الموظفين جميعهم والتعامل بأريحية مع ضمان الاحترام المتبادل، ويساعد العاملين في المنظمة على الإبداع والتميز مما ينعكس إيجاباً على العمل.

الروح المعنوية

وبناء فرق العمل بشكل ناجح يضمن نجاح أي مشروع وأي منظمة؛ حتى يحافظ على الروح المعنوية المرتفعة للأفراد؛ مما ينعكس إيجاباً على الأداء. والعمل ضمن الفريق له تأثير إيجابي من خلال المشاركة في اتخاذ القرارات، وتعزيز الولاء، وتبنى قيم العمل الجماعي الفعال. فالجميع همهم الأكبر هو النجاح العام.

سلاح ذو حدين

ولكن لماذا يعتبر فريق العمل سلاح ذو حدين؟ لأنه قد يكون سبب نجاح المنظمة إذا كان متفاهماً متكاملاً، وهو سبب فشلها وخسارتها؛ إذا غلب عليه روح الغيرة والحقد والكسل. ولذا فإن العمل بروح الفريق هو سر من أسرار نجاح المنظمات، والقدرة على تأصيل هذه الثقافة داخل المنظمة، ونشر هذه الثقافة، والتأكيد عليها وممارستها فعلياً بقناعة من كافة أفراد المنظمة، والتوافق ضمن استراتيجية "اكسب وتكسًب"، والتي تجعل المنظمة فاعلة في تحقيق أهدافها. إن متطلبات الإدارة الحديثة تؤكد على هذه المضامين كأساس للنجاح الإداري، وتحقيق الرضي الوظيفي.

وعموماً أياً كان نوع فريق العمل، أو الهدف من تشكيله، فهو كما يقال أحد أهم العوامل التي تساعد في تحقيق أهداف العمل النهائية، ويجب التعامل مع الأمر بحرص شديد. فأغلب الشركات المتعددة الجنسية التي حققت نجاحات عملاقة في العالم تعتمد على فرق عمل كبرى متنوعة ومختلفة؛ تشترك في اتخاذ القرارات، وتحديد الأهداف، ووضع الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها المساعدة في الوصول للأهداف، وضمان احتلال مرتبة مهمة في المنافسة في سوق العمل.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة