توطين المعرفة في منظمات المستقبل للمعلومات

​​​تتفق الكثير من الآراء على أن المعرفة هي حصيلة تراكمية من المعلومات والخبرات والمهارات العلمية أو الفنية التي تحقق التميز لمالكيها؛ والتي يتم اكتسابها نتيجة جهود مكثفة من العمل والبحث والدراسة والتحليل. بينما منظمات المستقبل هي الكينونات التنظيمية التي تتسم بخصائص وظيفية مختلفة عن الخصائص التي كانت تمارسها المنظمة نفسها بالأمس، والخروج عن المألوف في الأداء الوظيفي من خلال الاعتماد الكلي على التطبيقات التكنولوجية الحديثة التي تضمن أداءً وظيفيًا مرنًا لا يحكمه الزمان أو المكان في تقديم الخدمات، وأن ما تمر به منظمات اليوم على اختلاف أصنافها ومواقعها في العالم نتيجة الأوضاع الصحية على المستوى العالمي (وباء كورونا) من حيث التوجه لممارسة نشاطاتها من خلال الشبكات العنكبوتية، والتطبيقات التكنولوجية المختلفة خير دليل على ملامح منظمات المستقبل.

وأما العلاقة بين المعرفة ومنظمات المعلومات المستقبلية، فهي علاقة وثيقة من حيث العامل التشاركي فيما بينهما بالقيمة المعلوماتية والمعرفية التي تعتبر من منتجات منظمات المعلومات ومخرجاتها السوقية، في زمن أصبحت فيه المعرفة من أهم الموارد التي تحسم مكانة المنظمات التنافسية.

وتأتي الأهمية البالغة للمعرفة لكافة المنظمات بشكل عام والمنظمات المعلوماتية المستقبلية بشكل خاص؛ نظراً لطبيعة أعمالها وتخصصية إنتاجها المعلومة، ولكونها من المنظمات التي تعتبر في أنظار العالم والمجتمعات من المنظمات المؤسسية القيادية والأنموذج الأمثل والقدوة الحسنة للمنظمات الأخرى؛ نظراً لأهدافها السامية التي يتصدرها تقديم العلم والمعرفة والإبداع كخدمة لزبائنها (الطلبة، والدارسون، والمتدربون، والباحثون، وغيرهم) الذين يشكلون في الوقت نفسه أبرز عناصر المنظومة المجتمعية (المدخلات والمخرجات). لذلك فالمسؤولية الكبيرة والاستثنائية التي تقع على هذه المنظمات من حيث إعطاء الأولوية القصوى لتبني وامتلاك المعرفة وتوطينها لدى مواردها البشرية في كافة نشاطاتها التنظيمية، والخروج عن الجمود في أنماط العمل للحد من بيروقراطيات الأداء الوظيفي لتمكينها من المحافظة على ديمومة الارتقاء والتميز عن المنظمات الأخرى، ولا سيما أن الاستثمار بالموارد المعرفية أصبح توجهاً استراتيجياً لدى قادة منظمات المستقبل، وخاصة الساعيين إلى التميز والريادة؛ وذلك لأسباب كثيرة من أهمها العلاقة التوأمية بين المعرفة والإبداع وانعكاس كل منهما على الآخر، والعلاقة التوأمية بين المعرفة والتعلم، والارتباط بمضامين الجودة وعناصرها من حيث الأداء والتميز في المخرجات وتحقيق وفر في التكاليف ونمو في الاقتصاد، والمحافظة على دورة حياة متجددة في النمو والازدهار للمنظمة، وتكوين رأسمال معرفي لدى الأفراد والمنظمة لاستثمارها عند الحاجة، واستثمار حاضنات المعرفة بدلاً من أن تُترَك هدراً، كالموارد البشرية أو التكنولوجية، والمستودعات، والكيانات التنظيمية وغيرها.

ويقع على المنظمات المعلوماتية الباحثة عن توطين المعرفة في بيئتها الداخلية متطلبات كثيرة، يجب توفيرها واعتبارها كمنهج عمل داعم للتوطين المعرفي، منها ما يلي:

أولاً: تبني تطوير الأطر التنظيمية والإدارية الداعمة لاستقطاب المعرفة من خلال طرق مختلفة، كجذب الموهوبين، وتفعيل وتنشيط دور الوحدات والأقسام الإدارية والفنية المختلفة، وعمل التحالفات والاتفاقيات وبناء العلاقات المختلفة مع المنظمات المعلوماتية ذات العلاقة كالجامعات، والمكتبات، والمؤسسات التكنولوجية، والمراكز البحثية ودور النشر والباحثين والمؤسسات التعليمية المختلفة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومشاركة المنظمات المعلوماتية في الأنشطة والمحافل والمؤتمرات والندوات واللقاءات والمعارض المختلفة. والعمل على توريث المعرفة من خلال: إدارة المعرفة من قبل الإدارة العليا وتبنيها وفق استراتيجيات المنظمة، والتدريب المؤسسي، والتدوير الوظيفي، والمتابعة والتقييم، والتلمذة، وتنشئة ثقافة تنظيمية ترتبط بالمنظمة المكتبية، واستخدام أسلوب العصف الدماغي، والتمكين الوظيفي، والتفويض الإداري، واستحداث وحدات ادارية متخصصة لدعم الموهوبين ومالكي المعرفة، وتبني الأسلوب التعلمي، وبناء نظام اتصالات فاعل بين كافة المستويات الوظيفية، وتطوير أنظمة الحوافز.

ثانياً: تبني تطبيق التكنولوجيات أو الطرق التقنية التي تعتمد على إدخال واستخدام التقنيات التكنولوجية المختلفة التي تدعم إدارة المعرفة في المنظمات المعلوماتية وتساعد في تنمية المعرفة في مختلف المستويات الإدارية والفنية وأنشطة أعمال المنظمة. ومن أبرز الطرق التقنية ما يلي: النظم الخبيرة، وقواعد البيانات، والذكاء الاصطناعي، ونظم دعم القرار، وجماعات المناقشة الإلكترونية، وشبكات الاتصال الالكترونية، وغيرها...

وإيماناً من المملكة العربية السعودية بشكل عام، ومعهد الإدارة العامة بشكل خاص، بأهمية توطين المعرفة في مختلف المنظمات للتمكن من التناغم مع التوجهات الدولية ومواجهة التحديات البيئية؛ فقد سعت بشكل جاد نحو التحول في تطوير الأطر الإدارية والتنظيمية المختلفة، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في كافة أنشطة أعمالها وبرامجها التطويرية المختلفة التي تتناغم مع الكثير من محاور رؤية 2030.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة