قاعدة "3 ن"...لتكون إيجابيًا في بيئة عملك

التحديات التي نواجهها في حياتنا وفي بيئة عملنا كثيرة، ولن نتمكن من التغلب عليها إلا من خلال بيئة العمل الإيجابية، والتي يجب أن يدرك الجميع أنها ليست بالضرورة بيئة مثالية ومرضية للجميع، لكنها بيئة محفزة، وتشعر منسوبيها بالولاء والانتماء، والرضا، والفعالية، والطمأنينة، والأمان الوظيفي، والراحة النفسية؛ وهو ما ينعكس على أدائهم ومنظماتهم وربما يصلون لدرجة الإبداع. "فكن إيجابيًا في بيئة عملك"، والتي تقضي فيها ما يقارب من ثلث حياتك على الأقل، وربما يزيد، وهي نصيحة ذهبية يمكننا العمل بها من خلال الالتزام بقاعدة "3 نون"، أي (نفسر، نفكر، نتصرف). هذه القاعدة التي نسلط عليها الضوء في هذا التقرير.

على سبيل المثال

فمثلًا إياك أن تفسر طلب المدير منك إنجاز مهام كثيرة أنه يريد أن يتعبك، بل تعامل مع الأوامر والطلبات بمنتهى الإيجابية، وفسرها من ناحية أنه لا أحد يقدر على هذه المهام غيرك؛ فأنت بنظر المدير إذن متميز. فعندما تفسر إيجابيًا؛ ستفكر إيجابيًا؛ وستبحث عن سبل لإنجاز المطلوب بدقة عالية؛ تدفعك سريعاً للتصرف بحكمة مدروسة تحقق رضاك عن نفسك ورضا مديرك وجميع رؤسائك عنك.

حُسن النية والثقة

وحتى نتجنب تسلل مد السلبية لبيئة عملنا؛ يجب أن يكون تفسيرنا للأمور مبنيًا على "الثقة" و"حُسن النية"؛ فقد كشفت دراسة أجرتها جامعة "تورونتو" الكندية، وتم نشرها في مجلة "الأكاديمية الوطنية للعلوم" أن صفة الاجتهاد وحُسن النية تحتلان المرتبة الأولى بين السمات الأخرى للموظف المثالي. وقال مؤلف الدراسة "مايكل ويلموت": "إن حُسن النية والاجتهاد هي الصفات الأقوى التي تتنبأ بأداء الموظف في مكان العمل".

فمن أبرز مزايا الشخص الذي يتسم بحُسن النية والاجتهاد: التنظيم، والإحساس بالمسؤولية أمام الآخرين، وقدرة السيطرة على النفس، والالتزام بالقواعد. فهذه مؤشرات قوية للحصول على نتائج إيجابية في الحياة، والحفاظ على صحتك البدنية والنفسية، وطول العمر، وأداء العمل، والاستقرار الزوجي، والرفاه.

وتعد الثقة من أهم العوامل التي تسهم في تفسيرنا للمواقف والتصرفات التي تواجهنا في بيئة عملنا وتتكامل مع حُسن النية في اكتمال التفسير الإيجابي لهذه المواقف والتصرفات. وفي هذا الصدد، وفي ظل ما يعانيه العالم من تفشي جائحة "كورونا" وبروز العمل عن بُعد كبديل مناسب لهذه الظروف والتحديات؛ ينبغي لنا أن نلفت لما أورده موقع "عربي BBC" الذي أوضح أن العمل عن بُعد ربما يقوض هذه الثقة بين الموظفين وبعضهم البعض وربما بين الموظفين ومديريهم.

كورونا وأزمة ثقة!

وهنا يطرح الموقع تساؤلًا مهمًا: هل تراجعت ثقتنا في زملائنا في العمل؟ وهو ما يجيب عليه، لافتًا إلى أن هذا الوضع الاستثنائي قد أثار حماسة البعض في البداية للتعاون مع زملائهم الذين يحاولون جاهدين تلبية متطلبات الأسرة وتجهيز بيئة عمل مناسبة من المنزل للنهوض بأعباء الوظيفة عن بُعد. لكن بعد عام من العمل الافتراضي، تصدعت ركائز الثقافات التنظيمية الهشة التي تحكم سلوكيات الموظفين في الكثير من الشركات، وطفا على السطح التشكيك وانعدام الثقة بين المديرين والموظفين الذين يعملون عن بُعد.

فإذا ارتضينا أنه من المعلوم في الظروف العادية أن الثقة تولٍد الثقة، فإن خبراء في الوقت الحالي يرون أن العكس هو الصحيح؛ فقد أدى غياب التفاعل الشخصي الذي يوطد العلاقات المهنية، إلى تسرب الشك إلى نفوس الموظفين حيال سلوكيات زملائهم، بناء على افتراضات سلبية لا أساس لها من الصحة في الغالب. ومن جهة أخرى، فإن الكثير من المديرين الذين لم يتدربوا على إدارة فرق من الموظفين عن بُعد، سقطوا في فخ الإفراط في مراقبة الموظفين، وهذه الممارسات كثيرًا ما تنعكس سلبًا على أداء الموظف.

7 فوائد

ولعل حلقة الوصل المهمة بين التفسير والتصرفات في قاعدة "3 نون" تكمن في التفكير، وبالطبع فإن المقصود هنا هو التفكير الإيجابي. وفي هذا الصدد يرى خبراء الإدارة أن طريق النجاح في العمل تحكمه طريقة وأنماط التفكير التي ينتهجها كل منا في وظيفته، وإصراره على جعل بيئة عمله أكثر إيجابية عبر التفكير الإيجابي الذي يمد كل من حولنا بالطاقة التي يحتاجونها. فيوضح الباحثان يحيى النجار وعبدالرؤوف الطلاع في بحثهما عن "التفكير الإيجابي وعلاقته بجودة الحياة لدى العاملين" أن التفكير الإيجابي يشتمل على قدرة الفرد على التركيز والانتباه إلى جوانب القوة في كل من المشكلة وأيضًا في القدرات التي يمتلكها الفرد، كالقدرات النفسية والمثابرة، والقدرة على تحمل المشاق، والتوافق النفسي. كما يتضمن قدرات عقلية ترتبط بأساليب واستراتيجيات متنوعة لحل المشكلات، والقدرة على التعلم والاستفادة من المواقف الضاغطة، واكتشاف الفرص الإيجابية في الموقف، وتكوين عادات جديدة في حياة الفرد.

ويمكن أن نجمل هنا أبرز 7 فوائد للتفكير الإيجابي فيما يتعلق ببيئة العمل على النحو التالي: فهو يدفع الموظف نحو النجاح، ويجعله أكثر سعادة، وتكوين علاقات أفضل مع زملائه، ويمنحه مزيدًا من الثقة، والقدرة على حل المشكلات، والمساعدة في صنع القرارات، وتقليل التوتر وتحسين الصحة النفسية والبدنية.

تأثير "بيجماليون"

وإذا سلطنا الضوء على التصرفات؛ فإنه وفقًا لـ"3 نون" فإن انعكاس التفسير الإيجابي على التفكير الإيجابي؛ سيؤدي بالضرورة إلى التصرفات الإيجابية. فالإنسان ما هو إلّا ثمار أفكاره التي تحكم تصرفاته لاحقًا؛ وهو ما يؤثر بدوره في تفكير وتصرفات الآخرين ممن يتعامل معهم، كزملائه بالعمل أو رؤسائه. وهنا يحضرني ما توصل إليه الطبيب النفسي "روزنتال" ويعرف بـ"تأثير بيجماليون" أو "تأثير روزنتال"-نسبة إليه-أنه إذا كانت لديك توقعات إيجابية حول شخص ما، فستتمكن حقًّا من إحداث تغيير إيجابي في سلوكه، وهو ما أثبته من خلال دراسته التي أجراها على بعض معلمي وطلبة إحدى المدارس الابتدائية وبحث في تفكير هؤلاء المعلمين بشأنهم وكيفية التعامل معهم. فقد اختار هؤلاء الطلبة عشوائيًّا، وأثبت أنهم في نهاية العام الدراسي حققوا نتائج أعلى من زملائهم بالفعل، وأن التوقع أو التفكير الإيجابي للمعلمين لم يكن وحده سببًا في النتائج الإيجابية؛ إنما الطريقة التي تعامل بها المعلمون مع هؤلاء الطلاب، إذ قضوا وقتًا أطول معهم واهتموا بهم أكثر من سواهم.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة