هل تفوقت علينا الآلات؟..

اعتماد الإنسان في السنوات الأخيرة على استخدام الآلة كأسلوب حياة؛ بما تحققه له من تيسير هائل في الخدمة، واختصار المسافة والوقت، ومعالجة المشكلات. فهل في خضم هذا الأمر نسي الإنسان أنه يدفع في مقابل ذلك الثمن من صحته، ومن الأعراض الجسدية الناتجة عن الجلوس وعدم الحركة أو عن الإدمان على المشاهدة؟ وتأثير ذلك على العين والأذن والأعصاب والظهر والمخ، وأشد من ذلك القلب، إضافة إلى التأثير النفسي بالعزلة عن الناس، وعدم انتظام البرنامج الحياتي، والانفتاح غير المنضبط على الفرص والآفاق والمتغيرات، وينسي كم يفقد من المشاعر والأحاسيس والمعاني الإنسانية مقابل الراحة والاسترخاء.

عصر الآلة

حول هذه التداعيات قال باحثان أمريكيان مختصان بالعلوم التقنية، "إريك براينغولفسون" أستاذ الإدارة في جامعة "سلون"، و"أندرو ماكفي" الباحث في مركز الأعمال الرقمية: إن العالم دخل منذ قرابة عقد ونصف مرحلة "عصر الآلة الثاني" الذي تحل فيه الأجهزة محل الدماغ البشري وتتفوق عليه، مؤكدين أن البشر يفقدون أدوارهم وأعمالهم بوتيرة متسارعة بوجود الآلات الذكية، ما يحتم إعادة التفكير في تداعيات الأحداث على تطور البشر ككل، وأن النقطة المفصلية في ظهور "عصر الآلة الثاني"، تمثلت في انتصار الكمبيوتر على الإنسان في لعبة الشطرنج.

القوة الذهنية

أما "براينغولفسون" فقال: "خلال العصر الأول حلت الآلة محل قوة الإنسان أو الحيوان في الأعمال الشاقة، فالمحرك البخاري، وبعد ذلك محرك الوقود؛ سمحا باستبدال قوة عضلات البشر أو الحيوانات، غير أن العصر الثاني يركز على استبدال قوة البشر الذهنية؛ مما سيفتح الباب أمام نقطة تحول في مسيرة البشر، والسؤال: هل سيكون البشر مجرد عامل إضافي أو يمكن الاستغناء عنهم؟ لأنه في كثير من الأحيان يمكن الاستغناء عن البشر تماما، بل إن وجودهم قد يشوش على العمل السليم للآلة، وهذا ما حصل مثلا بالنسبة للمحاسبين الذين انتهى عملهم فعليا مع طرح برامج تقوم بكل مهامهم".

جنباً إلى جنب

وعلى الجاب الآخر يرى عدد من المتخصصين أن هذا الطرح غير دقيق، وأننا سنعمل جميعا جنباً إلى جنب مع أجهزة الروبوت والآلات في وقت أقرب مما نعتقد، وهناك أشياء سوف تساعدنا على فهم هذه الأجهزة ودورها في أماكن العمل بصورة أفضل.

غياب شمسنا

وحسب تقرير لمؤسسة "مكنزي"، فإنه مع التكنولوجيا المتوفرة يمكن فقط أن تصبح 5% من الوظائف آلية بشكل كامل، لكن 60% من الوظائف يمكن أن تؤدي أجهزة الروبوتات ما يقرب من ثلث مهامها. لذا وقبل أن نراهن على غياب شمسنا كبشر في أماكن العمل، نعرض فيما يلي بعض القواعد التي تحتاج لمعرفتها فيما يتعلق بالعمل مع الآلات و"الروبوتات" وسلبياته وعدم قدرتها على العمل كالبشر:

لا تفكر

يقول الفيلسوف البريطاني المجري "مايكل بولاني": "الآلات لا تفكر كالذكاء البشري، فبعض المهارات، مثل استخدام قواعد اللغة الدقيقة يمكن أن تقسم إلى قواعد يمكن شرحها للآخرين، إلا أن كثيراً منها لا يمكن تقسيمه أو تجزئته، ولا يمكننا تعليمها للكمبيوتر.

السلحفاة المطبوعة

وترتكب الآلات أخطاء فادحة، مثل الحادثة التي استنتج فيها برنامج آلي أن سلحفاة مطبوعة بخاصية الطباعة ثلاثية الأبعاد هي بندقية؛ مما أثبت أن هذا البرنامج التقني لا يمكنه التفكير بطريقة عملية، وتغيير بكسل واحد في أي صورة من الصور يمكن أن يؤدي إلى مثل هذا الفشل في التعرف عليها.

لا تتخذ القرار

وتتمثل المشكلة الأخرى في الذكاء الاصطناعي أن ليس لديها القدرة على الفهم والمنطق المتوفرة لدى الإنسان؛ لذا ومع زيادة الاهتمام باستعمال الذكاء الاصطناعي فرض الاتحاد الأوروبي تشريعات جديدة تعطي الأفراد الحق في الحصول على تفسير للمنطق الكامن وراء قرارات أجهزة الذكاء الاصطناعي.

المجرم المدان

في الآونة الأخيرة كلفت برمجية من البرمجيات بتقديم المشورة حول ما إذا كان من المرجح أن يعيد المجرم المدان الكرة في ممارسة الجريمة؛ فكانت النتيجة أن المشورة جاءت مضاعفة في قسوتها بخصوص ذوي البشرة السوداء، لذا هناك تحيزات بشرية موجودة أثناء عملية تغذية المعلومات. ويشرح هذه المعضلة بشكل جيد الخبير الاقتصادي "دانيال كاهنيمان"، الحاصل على جائزة نوبل، والذي قضى حياته في دراسة الانحيازات غير العقلانية في الذهن البشري، مؤكداً أن طرق الاستدلال بطبيعتها الخاصة سينتج عنها انحيازات. وهذا الأمر صحيح بالنسبة للإنسان ولآلة الذكاء الاصطناعي، لكن الاستدلال بالنسبة للذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة هو الاستدلال البشري.

الآلات قادمة

ويمكن القول إن "الروبوتات" والآلات قادمة، وسوف تغير مستقبل العمل إلى الأبد؛ لكنها لن تصبح قريبة الشبه أكثر بالإنسان، ولن تحل بديلاً عنه، بل ستكون مساعدة له.

 

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة