تأثير "الكوبرا".. هل مَن يفشل في التخطيط يخطط للفشل؟!

​​

في عالم الإدارة عادة ما يتم إعداد وتنفيذ الخطط واتخاذ القرارات من أجل مواجهة المشكلات والأزمات المختلفة ووضع الحلول لها. إلا أنه في بعض الأحيان ربما تحتاج هذه الحلول لحلول أخرى لأنها ببساطة ربما تفاقم من هذه المشكلات والأزمات؛ وتؤدي لنتائج سلبية تمامًا، وهو ما يُعرف في الإدارة والاقتصاد بـ"تأثير الكوبرا" وهو التأثير الذي يُقصد به العواقب غير المقصودة؛ كنتيجة لتبني حلول وسياسات واستراتيجيات واتخاذ قرارات غير مدروسة أو مفاهيم تقليدية بشأن مشكلات حديثة، ربما تؤدي في بدايتها إلى نجاح مبدئي، لكنها ما تلبث أن تؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات. وفيما يلي أمثلة متعددة على أن فشل التخطيط يؤدي إلى الفشل في حل الأزمات.

"الكوبرا"

برز مصطلح "تأثير الكوبرا" خلال فترة احتلال بريطانيا للهند، عندما انتشرت ثعابين الكوبرا السامة في مدينة "دلهي" وزادت أعدادها بطريقة كارثية؛ فعانى السكان من هذه المشكلة، واجتمع المسؤولون وبدت خططهم في إقرار برنامج "المال مقابل الثعابين"، والذي يقضي برصد مكافأة مالية لكل مَن يقتل كوبرا. وبالرغم من نجاح هذا الحل في بداية الأمر؛ إذ تم قتل عدد كبير منها، إلا أن السكان الهنود فيما بعد قاموا بتربية المزيد من ثعابين الكوبرا في مزارع خاصة بهدف الحصول على المكافآت المالية.

وعندما أدرك المسؤولون هذا الأمر قاموا بإلغاء هذا البرنامج وهذه المكافآت؛ وقد ترتب على هذا التخطيط والقرار غير المدروس بشكل صحيح أن قام مربو ثعابين الكوبرا بالتخلص منها فأطلقوها في أحياء المدينة؛ وهو ما أدى إلى تزايد أعدادها بشكل أكبر من ذي قبل، وزادت المشكلة سوءًا!

"إيرباص"

وعلى صعيد آخر، قامت شركة صناعة الطائرات إيرباص برصد حالة من الاهتزاز القوي في طائراتها من طراز A320 أثناء تحليقها بالجو؛ وهو الأمر الذي يسبب الخوف والهلع وعدم الراحة للركاب أثناء الطيران. فقامت الشركة بابتكار جهاز عمل على إخفاء هذا الاهتزاز تماماً، وبدت الطائرة هادئة بدرجة مزعجة! وبسبب هذه الحالة من الهدوء التام برزت مشكلة أخرى، فالكثير من الركاب كانوا يسمعون ما يحدث داخل حمامات الطائرة؛ وترتب على ذلك شعورهم بالانزعاج الكبير من حالة الهدوء التام في المحركات أثناء الطيران، وبات مصدر قلق للركاب أكثر من أي وقت مضى قبل التطوير.

"ويلز فارجو"

في عام 2016م كان بنك "ويلز فارجو" يواجه موجة من المشكلات المتعلقة بنظام الحوافز الخاص به. وكان البنك معروفًا طوال سنوات بأدائه القوي في قطاع البيع بالتجزئة والودائع منخفضة التكلفة والاهتمام بالرضا المرتفع للعملاء. وصمم مسؤولو البنك حوافز للموظفين تستهدف تعميق العلاقات مع العملاء من خلال أهداف المبيعات التي تشجٍع على بيع منتجات مصرفية متعددة. لكن هذه الأهداف الصارمة للبنك، والتي كانت تستهدف علاقة قوية ومستمرة مع العملاء؛ كان لها مردود سلبي على بعض الموظفين الذين عانوا لتحقيق هذه الاشتراطات، وبالتالي قرر بعضهم التحايل وفتح حسابات إيداع وبطاقات ائتمان للعملاء دون علمهم. نتيجة لذلك، اكتشف البنك وجود مليوني حساب بلا إذن العملاء في الفترة بين عامي 2011-2016م؛ ما تسبب في فصل 5300 موظف وتنحي الرئيس التنفيذي وتخلي البنك عن أهدافه الصارمة للبيع، ناهيك بالطبع عن الأثر السلبي على المكانة والسمعة الخاصة بالبنك.

ذيول الفئران!

ومثال آخر لسوء التخطيط واتخاذ القرارات على نحو غير متعمق وبدون دراسات كافية وشاملة، فعندما كانت فرنسا تحتل فيتنام وتحديدًا في مدينة "هانوي"، انتشرت الفئران بشكل غير مسبوق في المدينة؛ نتيجة السياسة التي لجأ إليها المندوب العام الفرنسي "بول دومير" عام 1897م، والذي أمر ببناء قنوات لتصريف المياه امتدت لعشرات الكيلومترات بالمدينة؛ فما كان من المسئولين الفرنسيين إلا أنهم وضعوا خططًا واتخذوا قرارات برصد مكافآت مالية لكل من يأتي بذيل فأر كدليل على أنه قام بقتله؛ حتى يحصلوا على هذه المكافآت. إلا أنه وبمرور الوقت لاحظوا وجود فئران بلا ذيول في "هانوي"؛ فقد كان الناس يصطادون الفئران وبدلًا من قتلها كانوا يقطعون ذيولها ثم يطلقونها مرة أخرى في المجاري؛ فتتكاثر هذه الفئران وتلد المزيد من الفئران التي تتيح المزيد من الفرص للناس لاقتناص المزيد من المكافآت!

"توماس كوك"

وتجدر الإشارة إلى أن هناك مقولة مهمة ومتداولة في عالم الإدارة مفادها أن "مَن يفشل في التخطيط؛ فهو يخطط للفشل"! وهي مقولة تتسق بشكل كبير مع تطبيقات "تأثير الكوبرا" في عالم الإدارة، وفي الوقت نفسه تبرز أهمية التخطيط والقرارات المدروسة. فعلى سبيل المثال فشل مديرو شركة "توماس كوك" البريطانية للسياحة والطيران، التي يمتد تاريخها إلى 178 عامًا، في التخطيط الفعال والاستراتيجي لحل المشكلات التي واجهتها الشركة، والتي تمثلت خططهم واستراتيجياتهم وقراراتهم المتعاقبة في التركيز على المسكنات المالية التي تمخضت عن ديون بلغت مقدارها 1,7 مليار جنيه إسترليني؛ والتي أدت في نهاية المطاف إلى انهيارها كنتيجة لسوء التخطيط. فهل يُعقل أن شركة بحجم "توماس كوك"-كما أوردت صحيفة "الاقتصادية"-تبلغ عوائدها السنوية ما يزيد على 9 مليارات جنيه إسترليني، ولديها 19 مليون عميل سنويًا، ويعمل لديها 22 ألف موظف حول العالم، وتصل لهذا الانهيار المدوي؟ فهذه الشركة-كما يرى عدد من الخبراء-هي مثال حي على سوء الإدارة، وفشلها في امتلاك رؤية مستقبلية تساعدها على مواجهة التحديات التي واجهتها لأعوام، وتجسد فشل مفاهيم الإدارة التقليدية في مواجهة المشكلات الحديثة والاقتصاد الرقمي.

​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة