في زمن الأخبار "المضروبة" قراءة العناوين..هل تبني المواقف وتُوجٍه الآراء؟


يكتفي الكثير من القراء بالاطلاع على عناوين الأخبار والتقارير والمقالات المنشورة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دون التعمق بقراءة المحتوي، فهل يمكن لهذه "العادة" أن تُوجٍه تبني المواقف وتُوجٍه الآراء؟ وهل حقيقة ما يقال إن المتلقي إذا سمع وقرأ عناوين كثيرة عن كل شيء فإنه في الوقت نفسه يصبح لا يعرف أي شيء؟ وهل يستطيع صانع المحتوى استغلال ما يسمى بـ"ثقافة قراءة العناوين" لتوجيه المتلقي نحو رأي معين؟ تساؤلات نحاول الإجابة عليها.

لماذا لا يقرأ الأمريكيون؟

في تجربة لشبكة NBR الإعلامية الأمريكية حول هذا الموضوع، نشرت مقالًا بعنوان: "لماذا لا يقرأ الأمريكيون"؛ حظي بآلاف المشاركات والتعليقات، رغم أنه كان يحتوي على سطرين فقط كُتب فيهما: "لقد لاحظنا أن الكثيرين هنا يُعجبون بالمقالات ويشاركونها مع أصدقائهم، دون قراءتها ويكتفون بعنوانها، فإذا كنت تقرأ العناوين، فلا تعلق على هذا المقال ولا تشاركه!".

الأخبار "المضروبة"

ويرى خبراء الإعلام والاتصال أننا في زمن الأخبار "المضروبة" "fake news" أو الأخبار الكاذبة كما سماها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، ونشر ملايين الأخبار والتقارير، والمحاضرات والحوارات بشكل يومي على مختلف المنصات الإعلامية جعل "القاريء/ المتلقي"، يواجه صعوبة في فهم ما يقدم له، والتحقق من مصداقيته. كذلك يواجه صانع المحتوى حيرة في مخاطبة جميع العقول والأعمار والثقافات بنفس المستوى؛ والسبب أن التقنية الحديثة أتاحت الوصول للمعلومات من عدة مصادر بسرعة وسهولة لم يسبقها مثيل، وجعلت معظم القراء يكتفون بالتعليق على العناوين من منصات مختلفة دون التعمق في قراءة المحتوى؛ مما جعل البعض منهم ينتقون التأويل المناسب إما بهدف التضليل، أو بناء مواقف معينة.

4 ثوانٍ فقط

وكما يقول المتخصصون والممارسون في الإعلام بمختلف وسائله: إن التنافس بين وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي على استقطاب الجمهور؛ جعلها تزدحم بكم هائل من أنواع العناوين المختلفة، وأصبح لدي المنصات الإعلامية أربع ثوانٍ فقط لجذب انتباه المتلقي حتى لا يبحث عن منصة أخرى. فإن لم يكن العنوان جاذبًا ومميزًا؛ سيتم تجاهله والبحث عن غيره. ومن هنا فإن مصداقية المعلومة، والتأكد من صحتها، هي تحديات الإعلام في عصر التواصل الرقمي.

الهواتف الذكية

من جانبها تؤكد بعض الدراسات المتخصصة أن أكثر من 80% في المجتمع السعودي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، جُلّهم من الشباب؛ نتيجة امتلاك الهواتف الذكية. لذا باتت هي الوسيلة الأسرع والأكثر انتشارًا لتلقي المعلومات وتشكيل الرأي والموقف اتجاه حدث معين.

مثقف العناوين

وفي السياق ذاته تذكر العديد من التقارير المتخصصة أن ما يسمى بمثقفي العناوين الذين يحرصون على الاطلاع بشكل كبير على العناوين فقط، ويكتفون بقراءتها، يعشقون الدخول في التعليقات والجدال؛ لأن هذا يتيح لهم مزيدًا من التظاهر والادعاء بالمعرفة لتأكيد اطلاعهم الواسع أمام الآخرين، وتجاذب أطراف الحديث مع أي شخص في أي مكان. وقد ذكرت إحدى الدراسات الأمريكية أن حوالي 60% من الأمريكيين يكتفون بقراءة عناوين الأخبار للتباهي بين زملاءهم، أما شركة "إركسون" فقد نشرت مؤخرًا تقريرًا عن استهلاك البيانات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تنبأت فيه بتضاعف متوسط استهلاك البيانات بنحو 7 مرات في عام 2022م، وأن كمية الوقت المهولة التي نقضيها (وسنقضيها) على هواتفنا الذكية-سواء بالمراسلات أو متابعة جديد وسائل التواصل-ستؤثر على تركيزنا وتفكيرنا، وتشكل آراءنا ومواقفنا، وتجعلنا أقرب للتسليم بصحة العناوين، والمعلومات المتاحة على الانترنت-سواء كانت تحليلات أو آراء أو حتى أخبار مفبركة-لدرجة لا نجد وقتًا للتحقق من أي شيء، وتحولنا إلى "مثقفي العناوين"!!

 

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة