د.الجوهرة أباالخيل: الوصفات الدولية لا تحدث التطوير الإداري

​​​أكدت د.الجوهرة أبا الخيل أستاذ الإدارة العامة المشارك بمعهد الإدارة العامة أن هناك إجماعاً بين الباحثين على أن التوجيه القيادي يعد من أساليب تطوير القيادات، والذي يقوم على العلاقة الشخصية الفردية (بين الموجه والقائد)؛ لتحقيق المنفعة للقائد ولمنظمته. وأشارت د.الجوهرة إلى أنه بشكل عام يعتبر نشاط التوجيه والإرشاد الإداري والقيادي حديثاً في المملكة العربية السعودية، لذا يلاحظ في الآونة الأخيرة أن القيادات المعينة حديثاً في الإدارات العليا في الأجهزة الحكومية تسعي للحصول على موجهين خبراء من بعض المؤسسات الدولية العريقة.

ثورة فكرية

وفي حديثها لمجلة "التنمية الإدارية"، أوضحت د.الجوهرة ان مصطلح "التوجيه" يعد من المفاهيم التي تكررت في الأدبيات والتي ترتبط عادة ببيئات التعلم، ثم انتشر مصطلح التوجيه في نهاية القرن التاسع عشر؛ بهدف تطوير المهارات وتحسين أداء الأفراد بمجالات عدة، مثل المجال الرياضي. وبعد ذلك تم استخدام مصطلح التوجيه الإداري والقيادي في بيئات العمل والمنظمات الحديثة، والذي يرتكز على الأداء والإنجاز لدور وظيفي معين، مثل تطوير القيادات. ولكن مثل العديد من المفاهيم والمصطلحات الحديثة، فإنه لا يوجد تعريف جامع شامل للتوجيه القيادي؛ ولعل ذلك يعود إلى أننا نعيش وسط ثورة فكرية ومعرفية متسارعة. ويوجد إجماع بين الباحثين على أن التوجيه القيادي يعتبر من أساليب تطوير القيادات والذي يقوم على العلاقة الشخصية الفردية (بين الموجه والقائد) لتحقيق المنفعة للقائد ولمنظمته. هذه العلاقة تتم من خلال العمل على الأهداف التي حددها القائد والمنظمة، مع تحديد وفهم الاحتياجات التطويرية للقائد واكتشاف نقاط القوة والضعف باستخدام مجموعة من الوسائل، مثل الحوار، وتعديل السلوك، وأسلوب التغذية المرتدة، وأساليب الدعم المعنوي والمهني، وبناء مؤشرات كمية ونوعية لقياس مدى تحقق النتائج، وإشراك وسائل التدخل الأخرى عند الحاجة (مثل: التدريب، والاستشارة، والعلاج النفسي).

خطة عمل

وأضافت: "يمكن القول بشكل عام إن التوجيه القيادي هو عملية منهجية تهدف إلى التطوير (التغيير) سواء الإدراكي أو العاطفي أو السلوكي، وتيسير العلاقات من خلال التعلم، وتصميم خطة عمل فردية مخصصة لتطوير القيادات وتعزيز قدرة القائد على تنفيذ العمل المرتبط بأدواره الوظيفية الحالية أو المستقبلية مع الاهتمام بشبكة العلاقات المهنية. إذاً، يعمل الموجهون كميسرين للقيادات، فهم لا يقدمون حلولاً للمشكلات التي تواجه القيادات فقط؛ وإنما يشاركون في الحياة العملية للقيادات حتى تصبح قادرة على إنجاز المهام بفعالية وكفاءة عالية".

   موجهون خبراء    

وأشارت إلى أنه وبشكل عام يعتبر نشاط التوجيه والإرشاد الإداري والقيادي حديثاً في المملكة العربية السعودية؛ لذا يلاحظ في الآونة الأخيرة أن القيادات المعينة حديثاً في الإدارات العليا في الأجهزة الحكومية تسعي للحصول على موجهين خبراء من بعض المؤسسات الدولية العريقة المختصة بالتوجيه والإرشاد؛ وذلك يعود لعدم وجود ما يماثل هذه الخدمات في المملكة. هذا على الرغم من ارتفاع تكاليف هذه المؤسسات وعدم فهم الموجهين في هذه المؤسسات الأجنبية للسياق الثقافي والاجتماعي.

إشارات مباشرة

وعن دور معهد الإدارة العامة في مجال التوجيه والإرشاد الإداري-وخاصة التوجيه القيادي-قالت: "في برامج المعهد ذات العلاقة بتطوير القيادات الإدارية، توجد إشارات مباشرة وضمنية حول كيفية ممارسة الإدارة. ولكن لا يوجد في المعهد برامج لتأهيل الموجهين أو المرشدين ولا يوجد وحدة إدارية متخصصة تقوم بتقديم خدمات التوجيه والإرشاد للقيادات في المعهد أو للقيادات في الأجهزة الحكومية؛ لذا أري أهمية التركيز على هذا النشاط في المعهد من منظور متكامل عن طريق دمج هذا النشاط مع الإستراتيجية والإجراءات والعمليات، وتدريب المُوجهين ومنحهم الشهادات أو التراخيص. كما أري أهمية دَمْج التوجيه مع تغيير الثقافة التنظيمية، حيث إن التوجيه يعتبر استثماراً في تحقيق التميُّز. ولكن من الأهمية الإشارة إلى أن تطوير ثقافة توجيه أو إرشاد مستدامة، يتطلب معالجة التحديات التي تتعلق بالأنظمة الضمنية والتي تقف في طريق ثقافة التوجيه والإرشاد. هذه الثقافة تتسم بالقدرة على التحوُّيل وتعديل السلوك الإداري والسلوك الفردي، وبالتالي تعديل لأسلوب وطريقة العمل السائدة".

القيادات الشابة

ولفتت د.الجوهرة أبا الخيل إلى أنه من الصعوبة تقديم نصيحة أو مشورة للقيادات الشابة في مجال التوجيه والإرشاد وإخبارهم بما يجب، ومالا يجب عليهم القيام بفعله؛ لكيلا أقع في "مصيدة المشورة"، ولكن أستطيع القول إن التوجيه القيادي لا يمكن أن يكون علاجاً سحريًّا لكل المشكلات التنظيمية التي تواجه القائد.

فالتوجيه في حدِّ ذاته، غير كافٍ لإحداث التغيير الجوهري للمنظمة أو لمعرفة كافة مفاتيح القيادة الفعالة، ولكن من المهم القيام بدمج التطلعات الفردية والتنظيمية كشرطٍ جوهريٍّ لنجاح المنظمة، بجانب الحصول على التدريب المكثف والاستفادة من خبرات ومعارف القيادات السابقة؛ من أجل التعامل مع بيئة العمل المتغيرة وغير المؤكدة والمعقدة والغامضة.

ممارسات قيادية

وأشارت إلى أن الاهتمام بنشاط التوجيه القيادي والإداري بشكل عام يعتبر حديثاً في المنظمات العامة، والذي أصبح مع مرور الوقت من الممارسات القيادية المهمة لتطوير القادة، والذي انعكس على نمو هذا النشاط كسلعة تجارية. ومن الهيئات المهنية المعروفة في التوجيه والإرشاد: الاتحاد الدولي للتوجيه، ومعهد تشارترد لشؤون الموظفين والتنمية، ورابطة التوجيه، والمجلس الأوروبي للإرشاد والتوجيه، ومركز التوجيه والإرشاد الدولي.

وتابعت: "وبالرغم من أنني أعتبر هذه المؤسسات العالمية رائدة في مجال التوجيه والإرشاد ولها إسهامات كبيرة في تطوير القيادات، وقد تلتزم بالمعايير والضوابط المهنية والأخلاقية، إلا أنني في الواقع أشك بعضَ الشيء بشأن فائدة الوصفات العالمية في التوجيه الإداري والقيادي التي قد تنتهج "مقاساً واحداً للجميع"، وفي قدرتها على إحداث التغيير والتطوير المطلوب ونقل المعرفة إلى واقع ممارسة العمل القيادي في سياقات مختلفة. وذلك يعود إلى أن التوجيه (أو الارشاد) كنشاط تنظيمي مرتبط بسياق اجتماعي محدد ويتأثر بالعمليات الاجتماعية والثقافية المحيطة، هذا بجانب أن هذا التوجيه القيادي يقدم بلغة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الموجهين الأجانب قد تتاح لهم فرصة الاطلاع على معلومات حساسة عن المنظمات المحلية؛ لذلك فإنني أري أهمية توطين مهنة التوجيه والإرشاد، وعلى وجه الخصوص التوجيه الإداري والقيادي؛ حيث إن ذلك يعتبر مطلباً اقتصادياً واجتماعياً، ويجب أن يكون عنصراً رئيساً وأولوية أولى على رأس أولويات أقسام الموارد البشرية. كذلك فإن توطين مهنة التوجيه والإرشاد يقلل من هيمنة الموجهين الأجانب في المنظمات المحلية، ويقلل من التكاليف المادية؛ وبالتالي يسهم في تمكين الموجهين المهنيين المحليين".

 

 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة