أنا "مشغول"..هل تعبّر عن الفوضى وسوء الإدارة؟

​"ألا تفعل شيئاً...خير من أن تكون مشغولًا دون أن تفعل أي شيء"...(حكمة صينيّة)

كثيرًا ما تتردد عبارة "أنا مشغول"، وما يرادفها مثل: "يا رجل والله ماني فاضي"، و"تصدق ماني قادر أحك راسي"...كلمات نتداولها بشكل يومي في أعمالنا المختلفة، ومع تكرارها المستمر صدَّقنا أننا فعلاً مشغولون، وكأننا لا نملك الوقت. فما تداعيات هذه الحالة السلبية المنتشرة في أوساطنا الإدارية؟

حالة دفاعية

يؤكد علماء النفس أن عبارة "أنا مشغول" هي حالة دفاعية من الوهم تقال ليُشعر بها الانسان الآخرين بأن شخصية مهمة، وذو مكانة عالية، ووقته مزدحم؛ وبالتالي يحرمه هذا الوهم من الجلوس مع العائلة والأبناء، ومشاركة الأحباب والأصدقاء، والتواصل الاجتماعي.

فهل أصبحت كلمة "مشغول" في وقتنا الحالي تعبّر عن الفوضى وسوء الإدارة، والانغماس في الأفعال دون فائدة؟

3 ساعات

يؤكد خبراء الإدارة أن التوقف عن التفكير في أن الإنسان "مشغول" تجعله يجد أن جدوله اليومي يتقلص بشكل كبير، ويتبقى فيه بعض الأشياء الضرورية فقط، ويصفون "روشتة" لعلاج هذا الأمر المزعج.

يستهل هؤلاء الخبراء والمتخصصون نصائحهم بأهمية تقليص تصفح الشبكات الاجتماعيّة ساعة في اليوم، ثم تقليص المحادثات الهاتفية إلي النصف، وقطع العلاقة بهذا الصديق أو ذاك فليس هناك سوى الإلهاء وإضاعة الوقت؛ كل هذه الإجراءات تؤدي ببساطة إلى أن يصبح الآن لدى الإنسان 3 ساعات يومياً إضافية في حياته، وربما يبدو ذلك الأمر صعبًا للبعض في البداية، ولكن حالما يقرر أنْ يضع حدًّا لحالته المشغولة والمتوتّرة هذه، سيجد الأمر ممكنًا، ويكون قد خطى الخطوة الكبيرة باتجاه تبسيط يومه وحياته.

المهام "المُشتِتَة"

كذلك ينصح الخبراء بالتخلص من المهام المشتتة، مثل المقاطعات غير الضرورية في بيئة العمل، وكتابة تقارير غير مهمة، وترتيب اجتماعات عشوائية، والاهتمام المبالغ فيه بأمور زملائك الهامشية، والاستغراق في الإيميلات غير المهمة، والاتصالات..وغيرها. وهي المهام التي لها طابع مهام في العمل، وتبدو مؤثرة ولها عائد محدود، لكنها في الحقيقة ليست ذات قيمة في الإنتاجية.

وفي السياق ذاته، نشرت قناة "سي إن بي سي" الأمريكية تقريرًا عن أسباب سلبية تستدعي ضرورة التوقف عن إبلاغ الآخرين بعبارة "أنا مشغول"، هي كما يلي:

1-التفاخر: فعندما يتحدث الشخص عن انشغالاته في العديد من الأمور، فإنه يبعث برسالة مفادها: "انظروا إلى التزاماتي ومسؤولياتي. إنني منتج للغاية وناجح بشكل كبير"، وبهذه الرسالة، يأخذ الآخرون انطباعا أن هذا الشخص مزهوًا ومتفاخرًا بنفسه ويحاول جذب الأنظار إليه.

2-الجميع مشغول: لا يمثل الانشغال أمرًا حصريًا على شخص بعينه، فالغالبية لديهم مسؤوليات وانشغالات، ولا يمكن الحديث عن أمور يحاول البعض تمييز أنفسهم عن غيرهم. ومن الممكن أن يكون الانشغال بشكل دائم علامة على عدم تنفيذ المهام بكفاءة وحسن إدارة الوقت.

3-غلق الأبواب: عندما يرى الآخرون أن شخصًا ما مشغول للغاية، فمن الممكن تجنب التواصل معه، وهذا ما يفوّت الفرص ويغلق الأبواب في وجهه، ويمكن حل هذه المشكلة من خلال تفسير أسباب الانشغال بطريقة مهذبة ومقنعة مع عدم فقدان التواصل معهم.

سؤال مهم

لكن هل من الخطأ أن يكون الإنسان مشغولا؟

الجواب كما يراه خبراء الإدارة: بالطبع لا؛ لأن الأعمال الواقعة في فئة أعمال "الإنتاجية الاستثنائية" من الممكن أن تبقيك مشغولًا جدًا، مثل ممارسة العمل ذو الأثر المرتفع على أهدافك وأهداف منظمتك، والتفكير الخلاق، والتخطيط، والأعمال ذات الصبغة الإبداعية، والمبادرة، والأعمال الوقائية "الاستباقية"، وبناء العلاقات، والتعلم والتطوير. وتمتاز طبيعة الأعمال في هذه الفئة بأنها مهمة، لكنها غير طارئة. هذا يعني أنك تكون في حالة تمتلك فيها زمام أمورك، و"تختار" أن تفعل الأشياء التي تصب مباشرة في أهدافك، بدلًا من أن تبقى "مستجيبًا" للحالة الطارئة؛ لأن العائد المتوقع لهذا الأداء غير العادي هو الحصول على الإنجاز وتحقيق النتائج.

لذا فالفرق الجوهري بين أعمال هذه الفئة وأعمال الفئات الأخرى، أنك هنا تسعى لعمل ما تود فعله تمامًا، بينما في حالة الأعمال المشتتة والمهدرة أنت تترك الأعمال تأتي إليك ويقتصر دورك على الاستجابة لها.

إدارة الحياة

وفي بعض المجتمعات الصناعية المتقدمة فإن كلمة "أنا مشغول" لها تداعيات سلبية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يعمل الأمريكيون في المتوسط 44 ساعة أسبوعيا، وفي بعض الصناعات يصل المتوسط إلى 60 ساعة في الأسبوع. لكن عندما يبلغ شخص الآخرين بأنه مشغول؛ فإن ذلك يعني أن الشخص فوضوي غير قادر على إدارة حياته.


​​​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة