فن إدارة التعامل

يحتاج تعاملنا مع المحيطين بنا دائماً إلى ما يزيده فعالية وإيجابية، وإلى ما يعزز حيويته؛ ليجعله تعاملاً راقياً يجلب المحبة والاحترام. وهو التعامل الذي نحتاجه بشدة في المجال المهني؛ حيث تقتضي الضرورة اللجوء إلى كل ما يمكن أن تقوى به العلاقات بين العاملين على كل المستويات.

مهما كانت بيئة التعامل فإن أخطر ما يواجه العمل الإداري مثلا هو أن يجري استهلاك الجهود وبذل الطاقات في غير الاتجاه الصحيح؛ بدلا من أن توجه لخدمة أهداف المؤسسة. فيمكن أن تجدها توجه لإشعال الصراعات بين الإفراد بترصد الأخطاء وتتبع العثرات وإثارة الشبهات والشكوك، وتأجيج الشحناء والمنافسات بين الجماعات أو ما يعرف بـ "الشللية" في شكل مكائد وتدابير شيطانية؛ للإيقاع ببعضهم البعض في الخطأ والتشهير بهم وترتيب أعمال استفزازية بين الإدارات لاستدراجها نحو الخطأ. ويعني كل ذلك في المحصلة تقويض دعائم العمل المؤسسي وغياب روح الفريق والعمل الجماعي وانتشار الأنانية والميل نحو النزعة الفردية، ثم الاتجاه لسياسة ضمنية خفية هي سياسة المنافسة السلبية بين العاملين.

ولا تكون غالباً واضحة في ظاهرها ولكن أثرها العميق يبدو من خلال تكوين جماعات المصالح وتشكيل مراكز القوة؛ ويعود السبب في أغلب هذه الظواهر إلى ضعف مستوى الإدارة، خاصة في مجال المتابعة والتقييم، وغموض منهجيتها في العمل وسوء تعاملها مع الموظفين، من خلال غياب الشفافية والعدالة في توزيع المهام والمسؤوليات والحوافز والأجور، والمحاباة في منح المكافآت، وخضوع الإدارة لضغوط مراكز القوى ومنطق جماعات المصالح، من خلال اعتماد المحاباة لبعض الأفراد بعيداً عن معيار الكفاءة.

مما سبق تتضح دواعي التطرق إلى ما يمكن أن يوصف بفن التعامل مع الآخرين، أي إلى تناول ما يسهم في توفير دعائم العمل المؤسسي الناجح، وإلى ما يجب أن يتحلى به القياديون الإداريون للارتقاء بمستوى عملهم. إنها جملة من الأخلاقيات يتفق عليها المختصون ويضعونها في إطار الخبرات المكتسبة بصيغة وصايا تؤكد على ضرورة مشاورة الآخرين من أهل الخبرة في المجال المطلوب الاستشارة فيه؛ لأنه يجعل هؤلاء يشعرون بالتقدير وباحترام رأيهم. وقيل إن الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه، والتودد إلى الناس والرأفة بهم والرحمة عليهم، وإشعار الآخرين أن الفكرة فكرتهم وجعلهم يعتقدون ويشعرون بأن حل مشكلة ما هو من ابتكارهم. وهذه أفضل طريقة؛ لحصول المسؤول على ما يريد إذ بإمكانه عرض أفكاره في عقل شخص آخر، ثم التحدث معه عن الأشياء التي يريدها وكيف يحصل عليها، وهذه الطريقة رائعة في التأثير على الآخرين. إضافة إلى ذلك مراعاة عدم انتقاد وتجريح شخصية الآخرين، بل نقد أفعالهم بغير شدة، وفي المقابل ينبغي توجيه المديح للشيء الذي قام به الشخص والثناء عليه وليس مدح الشخص ذاته.

يحتاج التعامل مع الآخرين استعداداً ذاتياً أولاً من قبل الشخص المسؤول بمهمة التواصل معهم، سواء على المستوى الإداري أو المجال الانتاجي أو الخدماتي. فالمعركة الكبيرة التي يخوضها كل شخص هي: كيف يركز ويستجمع كل طاقته لإنجاز الأشياء التي تتطلب العمل بجلد وبصورة مستمرة؟ انطلاقاً من قناعة عقلية واستعداد جسماني لبذل الطاقة بالقدر المناسب لإنجازها هذا من جهة، ومن جهة أخرى يريد كل شخص حياة أكثر سعادةً وتوازناً، ويبحث عن سبيل مأمون للخروج من دائرة الرتابة والحياة النمطية، والانتقال إلى رحاب أوسع من التفاؤل بالحياة والرضا عن الذات. وأحياناً تتزاحم المهمات المطلوبة في لحظة واحدة ويشعر المرء بأنه غير قادر على القيام بها؛ لأنه يجد نفسه منجذباً إلى اتجاهات عديدة في اللحظة ذاتها.

والإحساس بالانزعاج والإحباط أمام تزاحم المهمات؛ سببه تشتيت الطاقة بعيداً عن مركز المهمات، فعندما تتداخل في وقت واحد من الأوقات مهام فرعية أو ثانوية أخرى؛ تتشتت الطاقة والتركيز عن المهمة المركزية ويتبدد الجهد والوقت الثمين ويسيطر الشعور بالقلق والإحساس بالضياع؛ ويؤثر ذلك في قدرة الفرد على التواصل مع رؤسائه ومرؤوسيه والتعامل مع زملاء العمل وباقي العاملين. والحل هو عدم الانشغال بعيداً عن الأولويات التي يحددها الفرد مسبقاً على أجندة العمل اليومي، وعن المهام الأكثر أهمية التي حددها على المستوى الأسبوعي، وسرعة التوقع بطبيعة ما يمكن أن يبعده-هذا الظرف الزمني-عن مهماته المحددة والعمل على منعها أو التقليل من فرص حدوثها؛ بهذا يمكن أن يلمس الفرد مدى سهولة عملية استجماع طاقته وتحكمه في استغلال وقته أفضل استغلال لأداء مهامه، دون حدوث مسببات تشتت الذهن والطاقة، وحينها سيجد الفرد نفسه عنصراً فاعلاً وسيجده المجتمع عضواً نافعاً يجيد إدارة التعامل بفن.​

 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة