القيادة التحويلية..قيثارة الإبداع التنظيمي والتميز الإداري

نعيش اليوم في عالم مليء بالمفاجآت والتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة الخطي، وفي عالم باتت ملامح العولمة وما تحمله من تحديات ماثلة أمامنا؛ تحتاج المنظمات إلى نظرة ثاقبة ووعي وإدراك لما يدور من حولها، وتحتاج أيضاً إلى وضع إستراتيجيات وخطط لمواجهة تحديات العولمة وتحريك كل آلياتها لتلعب دورها المنوط بها.

فالعنصر البشري يمثل إحدى هذه الآليات؛ فالمنظمة تعتمد في تحقيق أهدافها على العنصر البشري المدرب المؤهل الكفؤ ككيان جماعي يوجه كل جهوده لتحقيق الرؤي والأهداف في عالم تحتد فيه التغيرات وترتفع فيه وتيرة المنافسة الشرسة.

ولكي تحقق المنظمات أهدافها؛ يجب عليها الاهتمام بالعنصر البشري، بل محاولة فهم أوتاره السيكولوجية (النفسية)؛ حتى يمكن العزف عليها للحصول على مخرجات تلبي طموحات ورغبات العملاء وتلبي تطلعاتهم، وتنال رضاؤهم، ومن ثم ولائهم لمنتجات وخدمات المنظمة. وهذا الهدف لن يتأتى إلا إذا أدركنا-كمنظمة-العوامل النفسية والمادية التي تؤثر في إنتاجية العنصر البشري.

فقد أثبتت الدراسات والتجارب أن المورد البشري يلعب دوراً رئيساً في مجابهة تحديات العصر ومشكلاته التي تواجه المنظمات، فإذا أرادت المنظمات أن تحجز لها مقعداً وموطأ قدم في ظل المنافسة العالمية المحمومة؛ عليها الاهتمام بهذا الأصل حتى تبتكر وتبدع، فالابتكار والإبداع عنصران مهمان وركيزة من ركائز النجاح والاستمرار، ويحتاج إلى إبداع إداري يتغلب على الذات، بوضع رؤية واضحة المعالم وأهداف يمكن قياسها وتحقيقها عبر الجماعة داخل المنظمة. فعمل المنظمة جهد جماعي ولا بد من إذكاء روح الجماعة داخل المنظمة؛ وهذا كله يحتاج إلى قيادة مدركة وواعية لرغبات واحتياجات كادرها البشري. وقد ظهرت خلال ثمانينات القرن الماضي نظرية "القيادة التحويلية" التي تفضي إلى التأثير على نفوس الأفراد وتطوير مهاراتهم وترقية قناعاتهم وإيصالهم إلى مستويات فكرية لم يكونوا ليصلوا إليها بمجرد التوجهات الإدارية التقليدية. فالقائد التحويلي هو ذلك القائد الذي يحمل قيثارة الإبداع الإداري، مفجراً ينابيع الإبداع في التابعين (المرؤوسين). فأول ظهور لمصطلح القائد التحولي كان على يد "بيرتز" عام 1978م، حيث يري أن القيادة التحويلية عملية يسعى من خلالها كل من القائد والأتباع إلى رفع كل منهما الآخر إلى أعلي مستويات من الدافعية والأخلاق والقيم، بما يعني أن القيادة التحويلية محورها الأساسي الذي ترتكز عليه هو عنصر القيم والأخلاق النبيلة التي تحرك المرؤوسين وتفجر طاقاتهم لخدمة المنظمة في سبيل تحقيق غاياتها. كما أنها تعمل على إلهام المرؤوسين من أجل المصلحة العامة. إذا فالقيادة التحويلية تقوم على مصالح مشتركة ذات قيم وأخلاق سامية تسمو بالجميع؛ محققة روح التعاون والفريق الواحد، متجاوزين بذلك مصالحهم الخاصة والشخصية. فالقائد التحويلي يكون ملهما لأتباعه، ويتمتع بتأثير مثالي، ويستثير تفكير مرؤوسيه، ويحفزهم على الإبداع والابتكار وتقبل الأفكار الجديدة-وإن تعارضت مع أفكاره-وتشجيع حل المشكلات بطرق مبتكرة وإبداعية. وفي الأثر قيل "من لم يتجدد يتبدد، ومن لم يتقدم يتقادم، ومن لم يتطور يتدهور"؛ فنحن بحاجة إلى قيثارة تحويلية نعزف عليها ألحان التطور والإبداع.

            ​

​​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة