هل تتذكر آخر معلومة قرأتها اليوم؟

الإنسان بفطرته متطلع وشغوف للاستزادة من كل شيء؛ يدفعه لذلك رغبته الأكيدة في امتلاك مفاتيح القوة. فهو يسعى بشكل دائم وحثيث لامتلاك مصادرها بمختلف أشكالها، ولا شك في أن المعلومات والمعرفة تعتبران من أدوات هذه القوة التي يسعى للحصول عليها، بل هما في نظره رديف للهيمنة والسلطة. 

  • ولكن هذه الرغبة الجامحة في امتلاك المزيد من المعلومات قد تتحول لنقطة ضعف في عصرنا الحاضر، خصوصاً إذا كان التعرض لها بشكل عشوائي ومكثف. فالعالم اليوم ينتج كميات هائلة من المعلومات تفوق ما أنتجته البشرية في تاريخها.
    وقد ساهم في ذلك التطور التقني الهائل وانتشار الوسائط الإلكترونية بين أفراد المجتمع؛ مما أتاح المشاركة في صناعة المحتوى وبثه على نطاق واسع (User Generated Content ). والذي بدوره تسبب في أحيان كثيرة في تقديم وجبات معلوماتية سريعة بأقل جهد وبالطبع أقل موثوقية.
    وأمام هذا الكم الهائل من المعلومات تفشل قدرتنا على التعامل مع الحمل الزائد منها، "فنحن لا نتذكر الأشياء بطريقة خاطئة فقط، بل لا نعلم حتى أننا نتذكرها بطريقة خاطئة"؛ والسبب أن الذاكرة-أمام فوضى المعلومات التي تتعرض لها يومياً-يصعب عليها ترميز هذه المعلومات واسترجاعها بشكل دقيق.
    قبل العصر الرقمي الحالي كان هناك ما يعرف بعصر ندرة المعلومات ( Under Information) حيث صعوبة الوصول للمعلومات المتوفرة والتحكم بمصادرها. أما الآن فهناك حالة مناقضة تماماً توصف بالإغراق المعلوماتي ( Information Overload  ) حيث الكم الهائل منها. ولا شك في أن كلتا الحالتين سلبيتان وتربكان العقل وتجعلانه في حالة من الشتات وعدم اليقين. بل يرى بعض المتخصصين أن عدم امتلاك الفرد للمعلومات قد يكون أخف ضرراً من التعرض لكميات هائلة منها تكون مربكة له ويصعب الربط بينها ومعالجتها؛ فنقص المعلومات قد يسبب الجهل، ولكن امتلاك أنصاف معلومات قد يسبب حالة من الجهل المركب وهي أخطر بلا شك.
    وتكمن خطورة تكريس الجهل المركب لدى المتلقي عندما يشعر بامتلاك المعرفة بينما هو في حقيقة الأمر لم يقدر على استيعاب الكم الهائل من المعلومات التي تعرض لها؛ مما يؤدي إلى تدنى جودة قراراته وتباين واضح في أحكامه. وكما هو معلوم فالقرارات الجيدة تتكون من (90%) معلومات دقيقة، أما الباقي يتعلق بكيفية استغلال تلك المعلومات وإدارتها.
     كما أن الإغراق المعلوماتي يضع المتلقي أمام واقع يصعب فيه التفريق بين الحقائق والشائعات، بل إن حقائق كثيرة معرضه للضياع والاختفاء وسط المحيط المتلاطم من المعلومات.
    وهناك إشكالية اخرى للإغراق المعلوماتي تتحدد في أن عقل المتلقي ومع تخمة المعلومات وكثافتها سيهزم وقد يدفعه ذلك للاكتفاء بالقشور والمرور العابر. وربما يحدث ما هو أسوء عندما يعلن القطيعة المعرفية؛ نظراً لصعوبة استيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات التي يتعرض لها يومياً. وبطبيعة الحال فإن الضرر يختلف من شخص لآخر لكنهم جميعاً في نهاية الأمر يعانون بشكل كبير من عدم القدرة على تحويل هذا الكم الهائل من المعلومات إلى معرفة حقيقية.

قدرنا جميعاً في هذا العصر الرقمي أننا نتعرض بشكل مستمر ومكثف لكميات هائلة جداً من المعلومات تفوق قدرتنا على امتصاصها، حتى لو استنفدنا معظم وقتنا لإنجاز هذه المهمة. وان كان هناك من اقتراح بسيط يُقدًم في نهاية المقال-للتخفيف من الآثار السلبية لفوضى المعلومات ولتنظيم حياتنا ومحيطنا وحتى أفكارنا-فعلى المتلقي العادي -وليس الباحث المتخصص -أن يقلل قدر الإمكان من الإغراق في تفاصيل معلومات لا يحتاجها وأن يبتعد عما هو غير جوهري منها وفائض عن حاجته.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة