المراجعة الداخلية..الإدارة الصديقة

​​تَعرِضُ لنا في حياتنا اليومية كثيرٌ من المشكلات أو الأحداث أو الأخبار التي ربما تتسبّب لنا في الضيق، وربما تعثٌرنا أو إرباك مسيرتنا، منها ما يتعلق بمحيط العائلة والمنزل، ومنها ما يمتدُّ إلى دائرة أوسع من مجتمع خارجي مقرَّب أو حتى غير مقرب. وهناك نوع من هذه العوارض نمثلُ فيه نحن سببًا رئيسًيا، كالمجازفة في استثمارات بمخاطر عالية أو مخالفة القوانين والأنظمة بعلمنا أحياناً أو الجهل بها دائماً، وهو ما يجعلنا عرضة للجزاء وتحمل العقوبة.

هناك دائمًا أصدقاء نصفهم بالمنقذين أو نَعُدُّهم ذوي بصيرة جيدة لمساعدتنا والتفكير معنا في الحلول التي قد تكون غائبة عنا، فيشرعون في مساعدتنا، وتقديم الدعم لنا، نلجأ إليهم كمقربين جداً، اكتسبوا لدينا ثقة كبيرة، وتجمعنا العديد من القواسم المشتركة التي تجعلنا نسمح لهم بمعرفة أسرارنا ومناقشة أدق التفاصيل حتى المحرج منها، وكلنا ثقة في أنهم لا يطمحون لهدف الانتفاع، بل غايتهم هي النصح والإرشاد والتوجيه، فإن لم تساعدنا توجيهاتهم في التخلص من أزماتنا فستكون حتمًا عاملاً مساعداً لوقف زيادة تفاقمها، أو إيجاد البدائل المناسبة لنا، وسيقفون معنا لتجاوزها، مع اليقين بأنهم لن يسعوا إلى إهانتنا أو محاولة هدمنا في المستقبل بِمَنٍّ يُبطلُ سعيَهم، أو سخريةٍ تفسِدُ عملَهم.

والحال كذلك في منظمات الأعمال؛ إذ يوجد الكثير مما قد يعيق تقدمنا، أو يُخل بالوفاء بمتطلبات الإنجاز المرجوة، فهناك أخطاء بعضها بسبب توارث الإجراءات ونمطية الروتين في العمل، أو لجهلنا بما ينبغي أن يقوم بها أفراد أو أقسام أخرى داخل المنظمة. كل تلك الأحداث لها دور كبير ومؤثر في قدرتنا على تحقيق الأهداف، أو أن تقدح في جودة التنفيذ والمخرج النهائي لإنجازاتنا التي نتوقع غالباً أنها أفضل ما نستطيع تقديمه.

هل المراجعة الداخلية بمنزلة الصديق المتوقع؟

في الواقع بمجرد ذكر إدارة المراجعة الداخلية، أو التدقيق الداخلي-كما تسمى في بعض البلدان العربية-قد يتبادر إلى ذهنك أنه النشاط الذي يجلب معه المشكلات، ويبحث عن الملاحظات ولن يقدم إلا التوصيات التي لا تتناسب مع ممارساتنا وإمكانياتنا التي تنشُد المثالية في مخالفة للواقع العملي أحيانًا كثيرة. وهذه النظرة للأسف خاطئة وغير منصفة، فإذا فكرت في صحة جوابي سيتبادر إلى ذهنك سؤال آخر مهم وهو:

هل هي محل الثقة-كصديق-ويمكننا أن نفصح عن تعثراتنا والعقبات التي نواجها لتحقيق الأهداف؟

المراجعة الداخلية أو التدقيق الداخلي هي إحدى أهم أدوات الإدارة العليا التي ينَصب تركيزها في تقديم الدعم والمساعدة والمشورة للمسؤولين في المنظمة والعاملين فيها لتحقيق أهداف المنظمة واتخاذ قرارات رشيدة، وتصويب الإجراءات وتجويد أداء المهام بالطريقة الأفضل، التي تحقق الكفاءة والفاعلية والترشيد، وتقييم المخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة وحماية حقوق وممتلكات المنظمة والعاملين بها من العبث أو الهدر أو الاستغلال للمنصب أو تجاوز الحدود.

فعندما نعتبر المراجعة الداخلية صديقًا للإدارات التي تَخضع للمراجعة وتقديم المعلومات والبيانات (الكافية، والمناسبة، والواضحة، والدقيقة) التي تعكس حقيقة الممارسات والعمليات المنفذة؛ ستحظى هذه الإدارات بقدر كبير من المساعدة والدعم "مجاناً". فكل التوصيات المقدَّمة لهذه الإدارات بالمجان تتوخَّى تحسين وتطوير العمليات وتجويد الإجراءات، والإشادة بالجهود المبذولة لتنفيذ المهام المنوطة، وتوضيح مواطن القوة وتعزيزها واكتشاف مواطن الضعف والتوصية بمعالجتها، والأخذ بالإجراءات التصحيحية، وممارسة المهام الصحيحة، والتي ستكون مدعومة بالأنظمة والقوانين، ومُؤيدة من الإدارة العليا في منظمتك.

إن المراجعة الداخلية تعمل في الأجهزة الحكومية باستقلالية كافية تحت توجيه وإشراف مباشر من أعلى سلطة إدارية، وذلك يستدعي الاطلاع على التوجهات العامة للمنظمة والأهداف الإستراتيجية والقصيرة الأجل. وهي إذ تعكس صورة حقيقية وواقعية وعادلة، تمنح المسؤول فرصة استشراف واقع المنظمة استشرافًا حقيقيًّا، وذلك يستدعي قدرًا كافيًا من الصلاحيات لمراجعة وتدقيق كافة أعمال المنظمة من قبل أفراد أكفاء ومؤهلين تأهيلاً جيدًا ويبذلون العناية المهنية اللازمة في أثناء ممارستهم لمهامهم.

عزيزي القارئ؛ لَعَلَّ قراءتك لهذه الكلمات المختصرة عن نشاط المراجعة الداخلية تضع بين يديك صورةً حقيقةً عن عمل ونشاط المراجعة الداخلية، وأهمية اعتباره نشاطاً صديقاً ينتمي للجهاز نفسه، وأنه ليس من ضمن أهدافه إظهارك بشكل لا يليق بك، أو إضعاف مكانتك التي تعكس مكانة الجهة نفسها التي ينتمي إليها، إذ يجب ألا يخالطنا شَكٌّ في أن هذا النشاط لديه أولوية قصوى وهي تقديم الدعم دائماً. وكن على ثقة في أن المراجعة الداخلية "تعمل لمساعدتك، وليس لمساءلتك".

​ 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة