عدم الاختصاص الجسيم

عدم الاختصاص الجسيم، عيب يتوجه إلى ركن الاختصاص في القرار الإداري، ومن المعلوم أن القرارات الإدارية هي وسيلة الإدارة الفردية والمٌلزمة للتأثير في المراكز القانونية للأفراد، وهي الوسيلة الأكثر شيوعاً وفاعلية داخل الأجهزة والمؤسسات الحكومية؛ بحسبان أنها تصدر بإرادة الإدارة المنفردة، وتتمتع بقرينة الصحة والنفاذ متى تحقق علم المخاطبين بها بالتبليغ أو النشر أو العلم اليقيني.

ويلزم لصحة القرار الإداري من الناحية النظامية أن يستجمع أركاناً خمسة كالتالي: الاختصاص، والشكل، والسبب، والمحل، والغاية؛ وبناء على ذلك يتعيب القرار الإداري ويكتسي بعدم المشروعية حال انتفاء أحد هذه الأركان. وفي ذلك نصت المادة (13) من ديوان المظالم على أن: "تختص المحاكم الإدارية بالفصل في الآتي: ... ب- دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية التي يقدمها ذوو الشأن، متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص، أو وجود عيب في الشكل، أو عيب في السبب، أو مخالفة النظم واللوائح، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، أو إساءة استعمال السلطة، بما في ذلك القرارات التأديبية، والقرارات التي تصدرها اللجان شبه القضائية والمجالس التأديبية. وكذلك القرارات التي تصدرها جمعيات النفع العام -وما في حكمها -المتصلة بنشاطاتها، ويعد في حكم القرار الإداري رفض جهة الإدارة أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقًا للأنظمة واللوائح...".

وقد درج الفقه على تقسيم عيب عدم الاختصاص إلى عيب عدم اختصاص جسيم، وعيب عدم اختصاص بسيط. وينصرف عيب عدم الاختصاص الجسيم المخالفة الصارخة للقواعد النظامية التي تحدد أصحاب الصلاحية، بحيث يغدو القرار منعدماً من الناحية النظامية؛ فلا تلحقه أية حصانة بفوات مواعيد الاعتراض عليه، ولا يُشترط التظلم منه. وقاضي المظالم في فحصة لمشروعية القرار الإداري من حيث الاختصاص لا ينتظر دفعاً من الخصوم؛ فقواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام؛ حيث تتعرض لها الدائرة من تلقاء نفسها، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ويجوز إثارة الدفع بها في أي مرحلة من مراحل الدعوى.

ومن صور عدم الاختصاص الجسيم صدور القرار الإداري عن شخص لا يحمل صفة الموظف العام-مع مراعاة نظرية الموظف الفعلي-واعتداء السلطة الإدارية على اختصاصات السلطة التنظيمية (التشريعية)، أو السلطة القضائية. وكذلك اعتداء سلطة إدارية على سلطة إدارية أخرى منبتة الصلة بها، ويبقي لقاضي المظالم تقدير ذلك في ضوء المنازعة المطروحة.

ومن تطبيقات ديوان المظالم في ذلك: "ولما كان من البين أن القرار محل الطعن بتعديه على اختصاص سلطة قضائية؛ يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم. ومن ثَمَّ يكون إجراءً معدوماً لا يرتب أثراً، ولا يخضع الطعن فيه للاشتراطات الإجرائية المنصوص عليها في قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان؛ الأمر الذي يتعين معه على الدائرة أن تكشف عن بطلانه وتحكم بإلغائه دون النظر في استيفاء الدعوى لشروطها الشكلية الإجرائية". (راجع: ديوان المظالم، رقم القضية الابتدائية 8059/2/ق لعام 1434ه، رقم الحكم الابتدائي 230/د/إ/3/2 لعام 1435ه، رقم قضية الاستئناف 5164/2/س لعام 1435ه، رقم حكم الاستئناف 2386/2 لعام 1435ه، تاريخ الجلسة 13/9/1435ه، مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية لعام 1435ه، المجلد السادس، ص 3001).

ومن تطبيقاته أيضاَ: "وحيث أن القرار الطعين الذي يطلب المدعى إلغاؤه قد صدر في صورة خطاب موجه من مدير إدارة رخص البناء بالعاصمة المقدسة إلى رئيس بلدية أجياد الفرعية، فإنه قد صدر ممَّن لا يملك حق إصداره؛ ذلك أن مدير إدارة رخص البناء غير مختص بإصدار قرار الإزالة، ولما كانت المدعي عليها قد خالفت قواعد الاختصاص، وذلك بالمخالفة لما نصت عليه المادة(2/3) من لائحة الجزاءات والغرامات البلدية فإن قرارها يكون معيبا بعيب عدم الاختصاص مما يجعله معدوما؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاءه. ولا ينال من ذلك ما دفع به مٌمّثَّل المدعى عليها بعدم قبول الدعوى شكلا؛ بحجة أن التظلم قد قدم بعد فوات المدة المحددة للتظلم؛ ذلك أن الدائرة قد انتهت إلى أن القرار قد شابه عيب جسيم أدى إلى اعتباره في حكم المعدوم فإنه والحالة هذه لا يتحصن بمضي المدة". (راجع: ديوان المظالم، رقم القضية الابتدائية 124/10/ق لعام 1432ه، رقم قضية الاستئناف 2788/2/س لعام 1436ه، تاريخ الجلسة 12/9/1436ه، مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية لعام 1436ه، المجلد الرابع، ص 2005)

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة