هل نقبل النقد؟!

من أصعب الأمور على النفس البشرية توجيه النقد لها. سواء كان هذا النقد في مكانه، أم في غير مكانه.

وما ينطبق على الفرد ينطبق أيضاً على الكيانات والمؤسسات التي يديرها بشر وأفراد. فكثير من المؤسسات والمنظمات ترفض النقد، ويكون رد الفعل لهذا النقد غاضباً. وتحاول تفنيده ونفي ما يتضمنه من معلومات ولو كانت صحيحة.

لذلك فتقبُل النقد يحتاج إلى تدريب نفسي أولاً؛ كي يستطيع الإنسان تقبله والتعامل معه بجدية. فالنقد لا يعني الطعن في الشخص أو الذات، بل توجيه إلى الأخطاء ومكامن القصور. ويجب أن يشكر المنقود الناقد على مساهمته في إصلاح ما يراه من خلل. وأحياناً يكون النقد مدخلاً لتوضيح الصورة التي ربما تكون ضبابية عن أحد جوانب المؤسسة. وليس بالضرورة أن يكون كل نقد يحمل انتقاصاً للعمل، أو إبراز القصور بشكل مسيء.

والواثقون في أنفسهم وفي أعمالهم يستقبلون النقد بصدر رحب، بل ويشكرون الناقد، مثلما كان يفعل الراحل غازي القصيبي رحمه الله. فكان يتعامل مع النقد بشكل مختلف، ويحتفي بالناقد؛ ليقينه أنه انتقد من أجل المصلحة العامة، وكذلك لإيمانه بأن الناقد قد دل على مكان خلل لم تره الوزارة. وكان يدعو النقاد إلى مكتبه ويثني على نقدهم. فإن كان نقداً صائباً شكرهم عليهم. وإن كان بخلاف الواقع وضح الصورة لهم، دون تبرم، أو حنق. وكان يطلب من بعض رسامي فن الكاريكاتير في الصحف أن يزودوه برسوماتهم النقدية؛ فيوجه بتكبيرها وتعليقها في مكتبه. ولكن كم لدينا من غازي!!

فلازال الكثيرون يفسد النقد الود معهم، ويتعاملون مع النقد الموضوعي بمعيار شخصي. وتضيق نفس المنقود وتتحول العلاقة إلى جفاء ومقاطعة. ويستطيع المنقود تحديد حالة النقد هل هو موضوعي، أم فيه تحامل واستهداف من خلال تقييم الحالة. فإن كان ما قاله النقاد صحيحاً فلايجب الغضب، وإن كان غير ذلك فربما يكون النقد ناتجاً عن قصور في المعلومات؛ سببه هذه الجهة أو تلك، وأحياناً يكون استهداف فعلي. وهذا له طرق رسمية للتعامل معه.

الخلاصة أن الإنسان مثلما يحب المديح ويعجبه الثناء، فعليه تقبل النقد مهما كان قاس، فهو جزء من متطلبات عمله، وجزء من عملية الإصلاح والتطوير والتحسين، ومن يرفض النقد عليه أن يبتعد عن العمل في المجال العام.   

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة