بحث ميداني يوصي بتغيير فلسفة التدريب الإداري

للتدريب أهميته الكبيرة في عملية التنمية الإدارية؛ إذ ينظر إليه الخبراء والأكاديميين باعتباره فرس الرهان في تعظيم قدرات ومهارات منسوبي المنظمات الحكومية والخاصة على حد سواء. ومما لا شك فيه أن الدول المختلفة، ومنها المملكة العربية السعودية تولي اهتماماً كبيراً بالتدريب، وهو الدور الذي يضطلع به معهد الإدارة العامة؛ وذلك في ضوء التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة، وإطلاق رؤية المملكة 2030. لكن تبقى القضية الأساسية التي تشغل بال المنظمات وكافة المعنيين بهذا الشأن هي كيفية تعظيم العائد من التدريب ونقل أثره إلى الواقع العملي، وهو الموضوع المهم الذي تتناوله د.البندري بنت إبراهيم الربيعه في بحثها الميداني بعنوان: "العوامل المؤثرة في انتقال أثر التدريب للواقع العملي في الأجهزة الحكومية بالمملكة العربية السعودية"، الصادر عن معهد الإدارة العامة، والذي نستعرضه معكم في هذا العدد.

يتكون البحث من مقدمة، و5 فصول، بالإضافة إلى مراجعه، وملاحقه. ويقع في 248 صفحة. وقد طبقته الباحثة على عينة من موظفي الأجهزة الحكومية الملتحقين ببرامج تدريبية بمعهد الإدارة العامة بالمملكة العربية السعودية.

تؤكد الباحثة في مستهل بحثها على أن المملكة قد أولت اهتماماً كبيراً بتطوير القوى العاملة لتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد البشرية. ويعد إنشاء معهد الإدارة العامة عام 1380هـ بمدينة الرياض مؤشراً واضحاً على اهتمام المسؤولين منذ وقت مبكر بعملية التدريب. كما جاءت اللوائح والأنظمة مؤكدة على أهمية تدريب الموظفين على رأس العمل.

الفاعلية و3 عوامل

وتشير الباحثة إلى أن المقصود بانتقال أثر التدريب هو التطبيق العملي للاتجاهات والمعارف والمهارات المكتسبة من برامج التدريب في بيئة العمل. وترى أنه يظل انتقال هذا الأثر والممارسة الفعلية في بيئة العمل هدفاً جوهرياً تسعى برامج التدريب إلى تحقيقه، ودلالة واضحة على فاعلية التدريب. تلك الفاعلية التي تحتاج المنظمات إلى دلائل واضحة عليها أكثر من ردود أفعال المتدربين حول البرنامج التدريبي وأعدادهم فيه، وهنا تبرز أهمية تحويل ما اكتسبه المتدرب من معارف ومهارات إلى سلوك وظيفي في بيئة العمل كواحدة من دلائل فاعلية التدريب في المنظمات.

وتلفت د.البندري الربيعة إلى أن الأدبيات التي تناولت هذه الفاعلية أكدت على أن هناك مجموعة من العوامل المؤثرة في انتقال أثر التدريب إلى الواقع العملي، منها ما يتعلق بخصائص المتدرب، وأخرى تتعلق ببيئة العمل، وإعطاء المتدرب الفرصة لتطبيق ما تدرب عليه، وأخيراً عوامل تتعلق بتصميم التدريب ومحتواه ومدى ارتباطه بطبيعة عمل المتدرب.

5 مجالات وأنواع

وتستعرض الباحثة 5 مجالات أساسية للتدريب وهي: المعرفة، والمهارات، والسلوك، والاتجاهات، والخبرة. وتختلف هذه المجالات تماماً عن أنواع التدريب التي تنقسم إلى عدة أنواع رئيسية وفرعية كالتالي:

  1. التدريب وفقاً للمتدربين، وينقسم إلى تدريب فردي، وتدريب جماعي.
  2. التدريب حسب المكان، ويتضمن التدريب الداخلي، والتدريب الخارجي.
  3. التدريب حسب الوقت، ويشمل التدريب قبل شغل الوظيفة، والتدريب أثناء الخدمة.
  4. التدريب حسب مستوى التدريب، ويتفرع إلى التدريب التنويري، والتدريب التشغيلي، والتدريب التطبيقي.
  5. التدريب وفق المضمون، وينقسم إلى التدريب الإداري، والتدريب الإشرافي، والتدريب التخصصي.

3 أهداف ومجموعات

وعند استعراض د.البندري الربيعة انتقال أثر التدريب يبرز لدينا 3 أهداف لتقييم هذا الأثر وهي: التأكد من ملائمة البرامج التدريبية للجهات الحكومية وتلبية احتياجاتها، ومعرفة مدى مساهمة التدريب في تطوير أداء الموظفين، وإيجاد الحلول المناسبة للتغلب على المشكلات التي تعوق الموظف عن تطبيق ما تم تدريبه عليه. وأن هناك نوعين من أنواع انتقال ذلك الأثر هما: التحويل القريب، والتحويل البعيد. وفي مجال تأصيلها للعوامل المؤثرة في انتقال أثر التدريب، ترى الباحثة أن هذه العوامل متعددة، ولكنها تركز على أكثر هذه العوامل اتفاقاً بين الباحثين والخبراء، والتي تصنفها وفق 3 مجموعات أساسية وهي:

  • بيئة العمل: وترتبط بها عوامل كدعم الزملاء، وفرصة لتطبيق المهارات الجديدة في العمل، ونظام الحوافز، والانفتاح للتغيير أو مقاومته.
  • تصميم محتوى البرنامج التدريبي: ومن العوامل المؤثرة في هذا الشأن التغذية الراجعة، واستخدام طرق تدريب متنوعة، والاحتياجات التدريبية، وإشراك المتدربين ومشرفيهم في تصميم البرنامج التدريبي.
  • خصائص المتدرب: ومنها استعداد المتدرب، والقدرة، وتوقعات المتدرب، والدافعية.

نتائج وتوصيات مهمة

وتخلص الباحثة إلى العديد من النتائج المهمة، والتي يبرز من بينها ما يلي: ارتفاع نسبة الذين عبروا عن استفادتهم من البرامج التدريبية، وأن أكثر من نصفهم قد طبقوا ما تدربوا عليه في آخر برنامج تدريبي التحقوا به وحصلوا على نتائج إيجابية، وأن ما يقارب الثلث من بينهم استطاعوا تطبيق من 40 إلى أقل من 60% من المهارات والمعارف التي اكتسبوها من آخر برنامج تدريبي التحقوا به. كذلك فإن أكثر من نصفهم التحقوا بالبرنامج التدريبي بهدف الحصول على الترقية. وأظهر البحث أن المتدرب ليس هو العامل الوحيد المؤثر في انتقال أثر التدريب إلى مجال العمل، بل هناك عوامل أخرى مجتمعة، منها عوامل تتعلق ببيئة العمل، وأخرى بالتدريب كالمدرب والبرنامج التدريبي. كما اتضح أن كلا من العوامل المتعلقة بالتدريب، وبخصائص المتدرب تقع في مستوى موافق وموافق جداً، تليها العوامل المتعلقة بمحتوى التدريب بمستوى موافق، أي أنها تسهم في انتقال أثر التدريب بشكل إيجابي إلى الواقع العملي؛ مما يشير إلى أن مدربي معهد الإدارة العامة على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة، ويساعدون المتدربين على نقل هذا الأثر. بينما العوامل الخاصة ببيئة العمل تقع في مستوى موافق ولا أوفق مطلقاً، وتعد هذه الأخيرة من أكثر العوامل التي تؤثر سلباً في انتقال ذلك الأثر إلى الواقع العملي.

وفي ضوء هذا البحث ونتائجه؛ توصي د.البندري الربيعه بعدد من التوصيات التي من بينها ضرورة تحديد الاحتياجات الفعلية للمنظمات الحكومية وموظفيها، وإشراك الموظفين في اختيار البرامج التي تتناسب واحتياجاتهم التدريبية، وتغيير فلسفة التدريب الإداري في هذه المنظمات التي تنظر للتدريب على أنه ميزانية واجبة الصرف بغض النظر عن العائد منه أو نقل أثره، وإيجاد حوافز لدعم المتدربين وتشجيعهم على تطبيق ما تم التدريب عليه.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة