أزمة منتصف المسار المهني..دوامة الروتين والتكرار وعدم التجديد

​​هل واجهت من قبل شعوراً بالندم على الوظيفة التي التحقت بها؟ وهل تشعر من فترة لأخرى بأنك تحتاج لتغيير مسارك المهني في الحياة وأن المسار الحالي لا يرضي رغباتك ولا يحقق ذاتك؟ هل تمارس عملك في ظل حالة من الملل وغياب الحماس للتجديد والتطوير الوظيفي؟ إذا كانت إجابتك نعم؛ فعليك أن تحذر: هذه مؤشرات على أنك تمر بأزمة منتصف المسار المهني. في التقرير التالي نتعرف على أعراض هذه الظاهرة وسبل حلها.

 

مشاعر سلبية

إن لأزمة منتصف المسار المهني تأثيراً عميقاً في حياة من تصيبه، إنها أكثر من مجرد لحظات عابرة يشعر فيها الانسان بالإحباط أو مشروع عمل متعب يجهدك ويستهلك طاقتك لفترة محدودة من الزمن، حسبما يقول جانبييرو بتريلييري الأستاذ المساعد في السلوك المؤسسي في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (انسياد) لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، والذي يؤكد على أنه "شعور طويل المدى بعدم الرضا وكأن لسان حال الشخص المعني يتساءل: ألا يفوتني شيء مهم في الحياة؟"، ويضيف بتريلييري: "إن هذا النوع من عدم الرضا المهني واسع الانتشار لدى الأشخاص متوسطي العمر. فمنتصف العمر هو الوقت الذي يفقد فيه المرء وهم الحياة الأبدية ويدرك أن فرصه ليست بلا نهاية ويستوعب أن الوقت محدود".   

كما تقول ويتني جونسون، والتي تعمل مدربة تنفيذية ومؤلفة لعدد من الكتب المعروفة، لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو: حتى الناس الذين حققوا مساراً مهنياً ناجحاً جداً ليسوا محصنين ضد هذه المشاعر السلبية. فهم يتساءلون: هل هذا حقاً ما أرغب القيام به في حياتي؟، وتضيف: "مع أنه من الطبيعي أن يشعر المرء بالقلق المهني، إلا أنه يتعين عليه أن يصغي إلى نداء التغيير وأن يكون سباقاً ويقرر ما يمكن فعله".

الملل الوظيفي

يعد الملل الوظيفي أحد الأسباب الرئيسية لأزمة منتصف المسار المهني، والملل الوظيفي، كما يوضحه موقع Kick Career المتخصص في التوظيف؛ يعني أن يمل الشخص من العمل الذي يقوم به، سواء كان هذا العمل محبباً إليه أم لا، فكل شخص عامل، رجل كان أو امرأة، يقتله الروتين والتكرار وعدم التجديد، سواء كانت هناك مشكلة رئيسية في العمل تزعجه من الأساس وتسبب له ضغوطات أكثر من اللازم أم لا، مثل المدير المتسلط دائمًا أو بيئة العمل غير الصحية وغيرها الكثير.

ولكن يجب أن تعرف ما الذي تعنيه فكرة الملل الوظيفي بالضبط؛ فإن تمل من يومك، وتتحدث مع أصدقائك باستمرار، وتضيع وقتك على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا ليس الملل الوظيفي الذي نتحدث عنه وإن كان مؤشراً غير جيد، لذلك يجب أن تنتبه لنفسك، ما الذي يدفعك لفعل ذلك؟ أين المشكلة في حياتك التي تؤدي بك لهذا الأمر؟ هل لديك أمرٍ ما يشغل تفكيرك؟ هل هنالك شيء يثير الرأي العام فتُكرِّث له وقتاً أكثر من اللازم؟

في كل الأحوال ذلك ليس مللاً وظيفياً، بل هذا شيء آخر مرتبط بحياتك وما تتعرض له يوميًا، أما الملل الوظيفي فهو أن تمل وظيفتك نفسها، وأن تمل ما تفعله فتذهب كل يوم وأنت متضجر وغير قادر على البدء، وإن عملت تؤدي وظيفتك بشيء من عدم الرضا.

الرضا الوظيفي

ولا يعد الممل الوظيفي السبب الوحيد لأزمة منتصف المسار المهني، وإنما يمكن ربط هذه الحالة بعدم رضا الموظفين عن أعمالهم؛ مما يسبب لهم أزمة وظيفية تجعلهم غير سعداء في عملهم ويبدأون التفكير في جدوى هذا العمل وربما تركه.

ويعد الرضا الوظيفي أحد الموضوعات التي حظيت باهتمام الكثير من علماء الإدارة، وقد أوضح محمد الخزاعلة في بحثه المعنون "مدى الرضا الوظيفي لدى موظفي جامعة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية"، أن الأفراد يقضون جزءاً كبيراً من حياتهم في العمل، ومن ثم من الأهمية بمكان أن يبحثوا عن الرضا الوظيفي ودوره في حياتهم الشخصية والمهنية، كما أن هناك وجهة نظر مفادها أن الرضا الوظيفي قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية ويترتب علية الفائدة للمؤسسات والعاملين.

إن نجاح الفرد في العمل يعتمد أساساً على مدى ارتباطه وولائه له، وما يوفره العمل من إشباع لحاجاته ودوافعه وتوظيف لقدراته. وإذا كانت الكفاءة الوظيفية نتاجاً للأعداد المتخصصة والتدريب والخبرة، فإنها أيضاً دليل على مقدار إحساس الفرد بالرضا عن عمله. ويضيف الخزاعلة إن الموظفين الذين يتمتعون بالرضا والارتياح يمتازون بمردود أفضل من غيرهم ويؤدون عملهم بشكل أفضل إلى حد ما من العاملين الذين لا يتمتعوا بالرضا الوظيفي في مؤسساتهم ومواقع عملهم.

إن الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الشعور بالرضا؛ تكون الإنتاجية في العمل أفضل عندهم من الأفراد الذين يتصفون بمستوى منخفض من الرضا، وهذا ما يعزز أهمية تلك العلاقة الارتباطية ما بين الشعور المرتفع بالرضا والأداء المتميز في العمل.

العمر الوظيفي

ويقول د.صهيب مصطفى القضاة-خبير رأس المال البشري والتطوير المؤسسي-عن هذه الأزمة: "قد يمكننا التظاهر وتجاهل عدم وجود أزمة منتصف العمر الوظيفي، ولكن هي حتماً نتيجة طبيعية لتراكم سنوات الخدمة للعاملين في المنظمات، فمرور العاملين بمنتصف السلم الوظيفي خلال مراحل دورة الحياة الوظيفية متطلب إجباري، ولا بدّ لهم من المرور والتوقف به ولو لحين بل وقد تستمر إلى نهاية العمر الوظيفي والتقاعد."

ويشير د.القضاة إلى أنه من البديهي أن تكون الشواغر الوظيفية في الوظائف القيادية في المنظمات أقل كلما اتجهنا صعوداً نحو قمة الهرم التنظيمي والوظيفي؛ وبالتالي تصبح حالة التقدم الوظيفي من الوظائف الإشرافية الوسطى باتجاه مجموعة الوظائف القيادية أقل، بل وقد تتحول إلى حالة من الحراك البطيء أو السكون.

ولا بد للمنظمات وإداراتها الواعية من التنبه إلى هذه الحالة الظاهرة، والتي قد تهدد مخزونها الاستراتيجي من الكفاءات العلمية والعملية، والتي تعد بمثابة الرافعة الرئيسية التي تستند عليها الإدارات في تحقيق أهدافها الاستراتيجية والتشغيلية، وتمثل حلقة الوصل ما بين الإدارات العليا في المنظمات وبين المستويات التنفيذية في المنظمات.

ويرى د.صهيب مصطفى القضاة أنه لا بدّ أن تقوم الإدارات في المنظمات بوضع خطط لتحفيز تلك الفئة الإدارية والعمل على الاحتفاظ بها، من خلال العمل على وضع مسارات إدارية ذات مزايا مادية ومعنوية قد تكون موازيه للمسارات الوظيفية المطبقة فيها، وبما يسهم في رفع المستوى المادي والمعنوي للوظائف الإدارية الإشرافية الوسطى. وكذلك يتوجب عليها العمل على وضع وتفعيل خطط الإحلال الوظيفي التعاقبي، وبما يسهم في الإبقاء على الكفاءات في الوحدات التنظيمية وتجهيزها لمسؤوليات المستوى التالي لوظائفهم من خلال اتباع أساليب تفويض الصلاحيات والتكليف بمهام أعلى من مهام وظائفهم الحالية وإثراء تجاربهم وإطلاعهم على سياسات وإجراءات عمل إضافية، فضلاً عن بناء قدراتهم وإكسابهم المعارف والمهارات والسلوك المرغوب بالتدريب الموجه والمستند للاحتياجات الفعلية.

ويقول خبير رأس المال البشري والتطوير المؤسسي: "ولا نغفل الدور المهم الذي يلعبه التخطيط والتنبؤ بالاحتياجات من رأس المال البشري وتخطيط المسارات الوظيفية من خلال استحداث المراكز الوظيفية الشاغرة واللازمة لتسهيل التطور الوظيفي ووضع تعليمات واضحة للترقي في الوظائف الشاغرة وتقسيم سلم الدرجات الوظيفية وعدد السنوات اللازمة لشغل كل وظيفة وبما يتيح الإبقاء على حالة من الحراك الوظيفي وتجنب السكون الوظيفي، فضلاً عن اشتراط البقاء لعدد معين من السنوات في الوظيفة الواحدة قبل الترقي للوظيفة التي تليها؛ وبالتالي السيطرة على ظاهرة الاختناق الوظيفي".

ويختتم د.القضاة: "في نهاية المطاف لا بد لمنظماتنا أن تواكب متطلبات العصر وتسعى جاهدة للاحتفاظ بالمواهب التي تمتلكها، والتي قامت بالاستثمار فيها بالتدريب والتمكين المستمر؛ وبالتالي تحقيق أهدافها التشغيلية والاستراتيجية والمحافظة على ديمومتها".​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة