الإدارة بالأفكار..إبداع وابتكار واستثمار في "إدارة الغد"

​انطلاقاً من روح رؤيتنا الطموحة المباركة رؤية المملكة 2030 التي أولت الأفكار الجديدة الهادفة ومردودها الإبداعي والابتكاري اهتمامها؛ فإن الإدارة بالأفكار تصبح من الأهمية بمكان أن تتبناها مؤسساتنا الوطنية. فنحن نعيش في عصر الأفكار التي حلقت إدارتها المتميزة بدول عديدة إلى آفاق الإبداع والتقدم المذهل، فكل هذه المنجزات الحضارية، كالإنترنت، والأيزو، وغيرهما، لم تكن سوى أفكار تبنتها إدارة متطورة، وقامت بكل جد على تنفيذها. فالأفكار، والإبداع، والابتكار تمثل مرتكزات قومية لهذه الدول؛ لذلك فإن الإدارة بالأفكار هي أسلوب إداري جديد هدفه الأداء بكفاءة وفاعلية. وربما لاحظتم أعزاءنا القراء من خلال زياراتكم لمواقع مؤسسات وشركات عديدة على الإنترنت، اهتمامها بالأفكار؛ باعتبارها استثمار عصري؛ كمنصة "فكرة" التي أطلقتها الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتبني الأفكار الجديدة في مجالات تنموية عديدة؛ إيماناً من هذه المؤسسات بفوائد وأهمية إدارة مثل هذه الأفكار التي نسلط عليها الضوء في هذا التقرير.

عصر الأفكار

نستهل التقرير بما أورده "المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية" عن د.عبدالرحمن توفيق قوله: إن كانت التكنولوجیا قد أثرت على تطور حیاة الشعوب فإن العدید من اللحظات التي تغیر عندھا التاریخ ترجع أساساً إلى أفكار إبداعیة جدیدة. فالحیاة الإداریة والاقتصادیة التي نعیشھا الآن لیست سوى لحظات من الإبداع الإنساني سبقت أي تطور تكنولوجي متقدم. بل يمكن القول بأننا نعيش الآن عصر الأفكار أو التفاكر Ideation أو التناطح بالابتكار حتى صارت المیزانیات المخصصة لذلك في بعض الشركات تتجاوز ما تحققه من أرباح؛ مما أدى إلى خروجھا من سباق التسلح بالأفكار. إن فكرة الإنترنت، والمشاركة الأوروبیة، وأوروبا الموحدة، واتفاقیة الجات، وشھادات الأیزو، وإعادة ھندسة العملیات الإداریة ليست سوى أفكار إبداعية رائعة قفزت بها البشریة أسواراً عالیة من الجمود الفكري وضربت بالقیود والحواجز عرض الحائط. حتى أصبح عالم المعرفة بین یدي كل الراغبین في ذلك دون مشقة أو عناء.

ويضيف: لقد شھدت البشریة عصوراً عدیدة من التقدم والازدھار؛ كعصر النھضة، وعصر المعلومات، وعصر التكنولوجیا. وھاھي تشھد الآن عصراً یمكن أن نطلق علیه (عصر الأفكار). فھذا التزاحم الفكري والتسارع المذھل في تغییر صور الحیاة الاجتماعیة على أثر الأفكار الإبداعیة المتتالیة، لیست سوى دلیلاً بسیطاً وقاطعاً في الوقت نفسه على حیویة (الأفكار الجدیدة). وفي ھذا المجال نجد أن الدول المتقدمة تضع الإبداع في مقدمة اھتماماتھا القومیة والوطنیة؛ باعتبار أنه الركیزة الأساسیة للتقدم والازدھار، بل إن (الإبداع) یكاد یكون ھو السیناریو الاستراتیجي للولایات المتحدة للسیطرة على العالم، فمن خلال تشجیعھا للأفكار الإبداعیة وحمایتھا استطاعت أمریكا أن تحصد ما یزید عن 180 جائزة من جوائز "نوبل" عن أعمال وأفكار وابتكارات حیویة مكنتھا من احتلال الصدارة وقیادة قاطرة تقدم باقي الشعوب، لیس فقط بسبب اقتصادھا القومي، بقدر ما ھو من خلال (فكرة إبداعیة).

توليد الأفكار الجديدة

وتشير نوال الشمري بموقع صحيفة "الجزيرة" إلى أن الإدارة بالأفكار أسلوب إداري جديد لإنجاز الأعمال المطلوبة في المؤسسات الخاصة والعامة، وفي الواقع فإن تجربة الإدارة بالأفكار يمكنك من خلالھا تحقیق 5 فوائد على النحو الآتي:

الأولى: نسبة إنجاز للأعمال كبیرة جداً مقارنة بالأسلوب القديم.

الثانیة: تفاعل جید مع من تتعامل معھم في عملك الیومي.

الثالثة: اكتشاف طرق جديدة في تبسیط الأعمال الإدارية الیومیة مما يحقق السرعة في الإنجاز.

الرابعة: استغلال الوقت بما ھو نافع ومفید للمؤسسة التي تعمل بھا.

الخامسة: الاستمتاع بالعمل الإداري الیومي من كثرة ملاحقة الأعمال المراد إنجازھا.

ويبدو أن أسلوب الإدارة بالأفكار يولي الأفكار الجديدة في مجال العمل الإداري اهتماماً كبيراً؛ لذلك فإن نوال الشمري تسلط الضوء على نصائح واقتراحات بشأن توليد الأفكار الجديدة كالتالي:

أولاً: احرص على الساعات الأولى من النھار: اجعل الساعات الأولى من عملك الیومي مخصصة للتفكیر في تطوير المؤسسة، بمعنى آخر لا تنشغل في ھذه الساعات بأعمال بالإمكان عملھا في الساعات الأخیرة من العمل أو في وسط العمل.

ثانیاً: اجتماعات مبكرة: لتكن اجتماعاتك مع مرؤوسیك أو مستشاريك في الساعات الأولى من العمل.

ثالثاً: اقضِ على قواطع التفكیر: ومن أھمھا الھاتف، والمراجعون، والزوار وذلك من خلال تخصیص وقت معین يخلو الإنسان بنفسه في العمل للتفكیر والتخطیط.

رابعاً: رتب المعلومات: إن الفكرة الجديدة تحتاج إلى معلومات متوفرة؛ فاحرص على ترتیب معلوماتك من خلال الأرشفة أو استخدام الحاسب الآلي.

خامساً: دفتر الجیب: يُستفاد منه في كتابة الأفكار الجديدة وترتیبھا.

سادساً: المكان المناسب: للمكان دور مھم في تولید الأفكار، فالمكان الھادئ يساعد كثیراً على التركیز.

سابعاً: جد الحافز: فوجود الحافز الدنیوي أو الأخروي له دور في إيقاذ الحماس للعمل، ومن ثم تولید الأفكار.

ثامناً: احرص على الطاعات: فالطاعات والتقرب إلى لله بالأعمال الصالحة توجد انشراحاً في الصدر؛ مما يؤدي إلى تولید الأفكار الجديدة.

ومن الجدير بالذكر أنه في السبعینیات بالدول الغربية ظھر أسلوب إداري جديد اسموه الإدارة بالأھداف،

وھي كما عرفھا الغمري في كتابه "نظام الإدارة بالأھداف" طريقة إدارية يقوم فیھا الرئیس والمرؤوس بتحديد الأھداف الوظیفیة المسؤول عنھا المرؤوس والمعايیر الموضوعیة التي ستستخدم لقیاس مدى تحقق تلك الأھداف. ونأتي لربط ذلك بالإدارة بالأفكار، ففي الواقع أن الفكرة تأتي إلى ذھن الإنسان قبل الھدف، بل أحیاناً بسط الھدف بصورة أشمل وأوضح؛ مما يؤدي إلى نجاح تحقیق الھدف، وھو الأمر الذي أوجد ھذه الطريقة الجديدة (الإدارة بالأفكار)، فھي أسلوب إداري جديد يقضي بتجمیع ھذه الأفكار، ومن ثم دراستھا وتنفیذ الصالح منھا، من خلال المبادرة لتسجیل الفكرة وكتابتھا.

10 مبادئ أساسية

وفي ضوء ذلك، يبدو أن الإبداع هو قرين الإدارة بالأفكار؛ فالإبداع عبارة عن أفكار جديدة وخلاقة وفريدة. وهو الأمر الذي يمكن أن نستوضحه من موقع "مكتبة منهل الثقافة التربوية" الذي يذكر 10 مبادئ أساسية في الإبداع الإداري كالتالي:

1-إفساح المجال لأية فكرة لكي تولد وتنمو ما دامت في الاتجاه الصحيح وفي خدمة الصالح العام، ولم يُقطع بعد بخطئها أو فشلها. فالابتكار قائم على الإبداع لا تقليد الآخرين، ويجب أن يُعطى الأفراد حرية كبيرة ليبدعوا على أن تتركز هذه الحرية في المجالات الرئيسية للعمل، وتصب في الأهداف الأهم.

2-الاعتناء بتنمية ورعاية الأفراد؛ لأنهم مصدر قوة اقتصادية بشرية لتنمية وتطوير مسار المنشأة مما يجعلها الأكبر والأفضل والأكثر ابتكاراً وربحاً، ولتكن المكافأة على أساس الجدارة واللياقة مع احترام وتشجيع وتنمية الأفراد بإتاحة الفرص لهم للمشاركة في القرار، وتحقيق النجاحات للمنشأة، وذلك كفيل بأن يبذلوا قصارى جهدهم لأداء العمل على الوجه الأكمل، فالمنشأة ما هي إلا مجموعة جهود أبنائها وتضافرهم.

3-التخلي عن الروتين واللامركزية في التعامل مما ينمي القدرة الإبداعية، وهي تساوي ثبات القدم في سبيل التقدم والتفوق والنجاح.

4-تحويل العمل إلى شيء ممتع، لا وظيفة فحسب، وذلك بأن يتم تحويل النشاط إلى مسؤولية، والمسؤولية إلى طموح.

5-التجديد المستمر للنفس والفكر والطموحات، وهذا لا يتحقق إلا إذا شعر الفرد بأنه يتكامل في عمله، وأنه يبني نفسه وشخصيته أيضاً، فهذا الشعور الحقيقي يدفعه لتفجير الطاقة الإبداعية الكامنة بداخله، وتوظيفها في خدمة الأهداف.

6-التطلع إلى الأعلى دائماً؛ لأنه يحرك حوافز الأفراد إلى العمل وبذل المزيد، ومن ثم يجب السعي إلى تحقيق الأهداف الأبعد باستمرار، وكلما تحقق هدف يجب النظر إلى الهدف الأبعد لضمان مسيرة فاعلة ومستمرة ومتكاملة للفرد وللمنشأة.

7-يجب ملاحظة تجارب الآخرين وتقويمها، وأخذ الجيد وترك الرديء، مع وضع التعديلات اللازمة للأفضل.

8-لا ينبغي ترك الفكرة الجيدة التي تفتقد إلى آليات التنفيذ، بل يجب وضعها في البال، وتُعرض للمناقشة، فكثير من الأفكار الجديدة تتولد مع مرور الزمن، والمناقشة المتكررة ربما تعطي مقدرة على تنفيذها، فربما لم تصل المناقشة الأولى والثانية إلى تمام نضجها، فتكتمل في المحاولات الأخرى.

9-يجب إعطاء التعلم عن طريق العمل أهمية كبرى؛ لأنه الطريق الأفضل لتطوير الكفاءات وتوسيع النشاطات.

10-من المهم جداً أن يعتقد الأفراد أن أعمالهم الإبداعية ستعود بمنافع أكثر لهم وللمنشأة، كما أنها ستجعلهم في محطّ الرعاية الأكثر والاحترام الأكبر.

إدارة الغد

ويتناول أحمد بوشناقة، وطارق حمول بعداً مهماً يبرزه موضوع ورقتهما العلمية وهو إدارة الأفكار والمساهمة في الابتكار، فيعتبران أن إدارة الأفكار هي عملية منظمة للحصول على الأفكار، وتقييمها لتحديد الفكرة التي تسمح بخلق قيمة مضافة للمؤسسة وتؤدي إلى تحقيق الإبداع والابتكار داخل المؤسسة. فإنشاء إدارة للأفكار تساعد على تشجيع المساهمة في الابتكار الذي يتطلب مجموعة من العوامل، نذكر منها ما يلي:

1 -خلق جو وبيئة ملائمة وإتباع قاعدة بسيطة لتحفيز خلق الأفكار والمساهمة في الابتكار المتمثلة في "أفضل طريقة للحصول على فكرة ابتكارية هو أن تكون لدينا الكثير من الأفكار".

2 – الاهتمام بالأفراد، وبكل الأفكار.

3 – تشجيع الأفكار الجديدة والابتكارية.

4 -إدارة الأفكار المنتجة وخلق مساهمة في الابتكار: فالفكرة الابتكارية هي عبارة عن شبكة أفكار مترابطة، والتي تتغير ويمكن تطويرها وتحسينها من خلال التبادلات والحوار بين مختلف أصحاب المصلحة. وهذا المحور هو النتيجة المباشرة للثلاثة الأولى، لأن إنتاج أفكار هو خطوة محفزة وبسيطة مقارنة بعملية إدارة الأفكار.

ويرى بوشناقة وحمول أن إدارة الأفكار هي مرحلة أساسية مما يسمى بإدارة الغد؛ لذلك يجب تشجيع خلق الأفكار والعمل على تحسينها وتطويرها، وتبرز باعتبارها أداة مهمة لإدارة الأخطار.

القبعات الست

وقد اهتم الخبراء والباحثون بتطوير الأساليب التي تساعد الإنسان، وخاصة في المجال الإداري، في عملية التفكير وتوليد الأفكار المبتكرة سواء للتطوير والإبداع، أو للتصدي للمشكلات وحلها. وقد لفت د.عبدالرحيم محمد-مستشار التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي-عبر موقعه على شبكة الإنترنت إلى إدارة التفكير والأفكار الخاصة بحل المشكلات، وذلك من خلال "القبعات الست"، إحدى الوسائل المستخدمة في تنمية التفكير الإبداعي. موضحاً أن من مشكلاتنا في إدارة أفكارنا أن الكثيرين يفكرون بطريقة روتينية تلقائية، وليس بطريقة مدروسة.

وطبقاً لتحليل د.عبدالرحيم، فإن أنماط التفكير تنقسم إلى 6 أنماط، واعتبار كل نمط منها قبعة يلبسها الإنسان حسب طريقة تفكيره في تلك اللحظة. ولتسهيل الأمر فقد أعطى "إدوارد" لوناً مميزاً لكل قبعة. وتستخدم هذه الطريقة في تحليل تفكير المتحدثين أمامك بناء على نوع القبعة التي يلبسونها. وهذه الألوان الستة تم اختيارها لتضفي نوعاً من الجو النفسي على عملية التفكير والأفكار. ويوجز أهداف هذه القبعات في التالي: توجيه الانتباه، والملائمة والتوافق والتجانس، ووضع قواعد للتعامل مع المواقف.

وفيما يتعلق بآلية عمل القبعات الست، يبين د.عبدالرحيم أن هذه الطريقة تعطيك الفرصة لتوجيه الشخص إلى أن يفكر بطريقة معينة، ثم تطلب منه التحول لطريقة أخرى. وهذا التوجه يجعل الحاضرين يفكرون دون حواجز أو خوف، ومن خلال النوع نفسه من التفكير؛ حتى يتم التغلب على بعض السلبيات أثناء الحديث والتفكير؛ مثل الهجوم على آراء وأفكار الآخرين، وذلك كله على النحو الآتي:

  • القبعة البيضاء (وترمز إلى التفكير الحيادي)، تركز على التساؤل للحصول على أرقام وحقائق.
  • القبعة الحمراء (وترمز إلى التفكير العاطفي)، إنه عكس التفكير الحيادي، فهو قائم على ما يكمن في العمق من عواطف ومشاعر، ويقوم على الحدس من حيث الفهم الخاطف أو الرؤية المفاجئة لموقف معين.
  • القبعة السوداء (وترمز إلى التفكير السلبي)، وأساس هذا التفكير والأفكار هو المنطق والنقد والتشاؤم، فهو يعمل دائماً في خط سلبي واحد في تصوره للأوضاع الماضية والمستقبلية.
  • القبعة الصفراء (وترمز إلى التفكير الإيجابي)، وهو تفكير معاكس تماماً للتفكير السلبي، ويعتمد على التقييم الإيجابي.
  • القبعة الخضراء (وترمز إلى التفكير الإبداعي)، رمز للتغيير والخروج من الأفكار القديمة والمألوفة، وله أهمية كبرى عن باقي أنواع التفكير، وقد أُعطي اللون الأخضر تشبيهاً للون النبتة التي تبدأ صغيرة ثم تنمو وتكبر.
  • القبعة الزرقاء (وترمز إلى التفكير الموجه)، حيث يشير اللون الأزرق إلى اللون الشمولي وهو لون السماء، كذلك هو لون البحر الذي يركز للإحاطة والقوة، وهو ما يميز هذا النوع من التفكير.

ويختتم د.عبدالرحيم محمد حديثه عن طريقة القبعات الست بإرشادات لاستخدامها، وهي أنه-كما ذكر"دي بونو"-لا يوجد ترتيب ملزم لاستخدام القبعات، إلا أنه ينصح بإتباع الإرشادات التالية للتنقل من التفكير والأفكار الناتجة عنه إلى قبعة أخرى: من الممكن استخدام أي من القبعات أكثر من مرة، ومن المفضل أن تسبق القبعة الصفراء نظيرتها السوداء، وإذا استخدمت القبعة السوداء للتقويم الختامي فيجب أن نتبعها بالقبعة الحمراء لبيان مشاعرنا نحو الفكرة بعد تقويمها، وإذا كنت ترى أن هنالك مشاعر قوية نحو موضوع ما فيجب البدء بالقبعة الحمراء لإظهار هذه المشاعر، وإذا لم تكن هنالك مشاعر نحو فكرة فيجب البدء بالقبعة البيضاء لإعداد المعلومات وبعدها نضع القبعة الخضراء لابتكار البدائل، ثم القبعة السوداء لتقييم البدائل، ثم القبعة الحمراء لبيان مشاعرنا نحو الفكرة.

​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة