نجاح برامج التنمية الإدارية

إن نجاح ونهضة الأمم يرجع بنسبة كبيرة لنجاح العملية الإدارية، فالإدارة الفاعلة تكفل للكثير من الدول والمؤسسات النهوض والتطور حتى في ظل شح ومحدودية مواردها، لذا فإن التنمية الإدارية تعد حجر الزاوية في نجاح خطط وبرامج التنمية الشاملة للدولة؛ إذ أن إحداث أي تغيير يظل كسيحاً مالم يُتبع بتنمية تعمل على إحداث تطوير في الجهاز الإداري الذي يدير ويحرك عملية التنمية؛ لما للتنمية الإدارية من تأثير واسع  على  مختلف  مناحي الحياة، حيث يُنظر للتنمية الادارية على أنها عملية تدخُل  هادف  لجعل الممارسة الإدارية  وطرقها ووسائلها أكثر ملائمة للتغيير والتطور، وكذلك جعل الإدارة وطرقها وتقنياتها تتواءم مع الأهداف التنموية الشاملة (اقتصادية–اجتماعية–ثقافية) من خلال تهيئة المناخ العام وإيجاد الكادر المُمكن بالمعارف والممارسات الإدارية  العلمية الحديثة التي  تجعله قادراً على ترجمة الخطط والاستراتيجيات إلى برامج  تنفيذية مُعاشة بإستخدامه أفضل الأساليب الإدارية وتهيئة الظروف المادية والمعنوية وإعادة البناء التنظيمي والإستخدام الأمثل للموارد المتاحة  بشكل  يحقق تميز أجهزة ومؤسسات الدولة، ويحقق رفاهية المواطن.

لكن يبقى التساؤل هل لتكاملية الأدوار أثر إيجابي في نجاح عملية التنمية الإدارية؟ واجابة على هذا السؤال فإن لتكامل جهود الحكومة وأجهزة التنمية الإدارية وقادة الوحدات التنفيذية دور محوري في إنجاح برامج التنمية الادارية. لذلك تواترت الجهود الحكومية لتوفير البنى التحتية المناسبة لإحداث التنمية الإدارية؛ من خلال دعم وتطوير الخدمات التعليمية والصحية لتواكب  متطلبات المرحلة القادمة، كما عملت على تهيئة سبل الحياة الكريمة للمواطن من خلال تبسيط الإجراءات وأتمتة خدمات الدولة وتبسيط إجراءاتها تقنيا؛ مثل يسر، وأبشر، وموعد، ونور، وطاقات، وماطر، وغيرها من الأنظمة، وتهيئة الظروف لتطوير وتنمية رأس المال البشري وإيجاد السياسات والظروف المناسبة لتشغيله وإعادة صياغة هيكلة أجهزة الدولة وتطوير نُظمها الإدارية لتواكب رؤية 2030 مع اتخاذ التدابير اللازمة؛  لضمان حيادية وشفافية هذه الأجهزة من خلال تمكين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقيام بدورها في  تعزيز السلوك العدلي ومحاربة الفساد، ولعل الملاحظ يشهد التقدم الذي شهدته المملكة بقفزها إلى المرتبة 52 ضمن قائمة أفضل دول العالم في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حيث تقدم ترتيب المملكة خمسة مراكز كاملة وفق التقرير الذي أصدرته المنظمة عن مؤشر مدركات الفساد لسنة 2017م، ولعل  فيما تقدم إشارات  واضحة  لتوافر الإرادة السياسية  لتحقيق  برامج تنموية هادفة.

       كما أن لأجهزة التنمية الإدارية بما تقوم به من جهود بأذرعها المساعدة ممثلة في الكيانات التدريبية والاستشارية والبحثية الدور الرائد في تحقيق متطلبات التنمية الإدارية من فاعلية للتخطيط وإدراك متطلبات المستقبل الإداري عبر عمليات تنبؤية مستندة على أفضل الممارسات الإدارية الحديثة، ومدعمة بالبحوث والدراسات العلمية وتنمية مهارات الكادر العامل ورفده بالمعارف والمهارات الإدارية؛ حتى يعزز بها الممارسات الإدارية الحديثة والناجحة لموظفي القطاع العام والخاص، والانصهار المجتمعي عبر برامج الشراكة المجتمعية. ولن تكتمل الحلقة إلا بتوافر السلوك القيادي الفعال لإنجاح برامج التنمية الإدارية من خلال إستيعابه لمفهوم التنمية الإدارية وما تحتاجه من تغيرات هيكلية وتنظيمية وإجرائية داخل المؤسسة؛ لمواكبة التغيرات الواسعة وتبني أساليب تغيير فاعلة تدفع الأداء المؤسسي بطريقة سلسة ومرنة، وتخلق اتجاها إيجابيا وقناعة وسط فريق العمل بضرورة وأهمية إحداث وتنفيذ تغيرات تواكب توجهات وسياسات الدولة، بما يتسق مع برامج وخطط التنمية المتكاملة، ومع ضرورة الأخذ برؤى واقتراحات موجهات  مؤسسات التنمية الإدارية فيما يتعلق  بتطبيق النظم الإدارية الحديثة وأخذ المشورة  والرأي منها فيما يتعلق بالصعوبات والمحددات الإدارية التي  تواجه المؤسسات أثناء ممارسة العملية الإدارية مع دعم توصيات هذه الجهات مادياً ومعنوياً حتى تصبح واقعاً في المؤسسات، بالإضافة للتحفز المثير لدوافع الأفراد لتشجيعهم على طرح وتطبيق الأساليب الإدارية الحديثة المكتسبة في البرامج التدريبية الموجهة لتنمية القدرات البشرية واستخدام التقنيات والأنظمة الحديثة.

وبناء على ذلك؛ فإنه ومع توافر الإرادة السياسية للدولة وتوفيرها الظروف والممكنات المادية والمعنوية لتحقيق التنمية الإدارية، يظل نجاح برامج التنمية الإدارية رهين قيام المؤسسات المختصة بدورها بمهنية وحرفية، مع توافر الدافعية والمهارة لقادة هذه المؤسسات لتعزيز الفاعلية التنظيمية للوحدات والمؤسسات؛ حتى تتحقق الرؤية الكلية للدول للنهوض بالعملية الإدارية، وتحقيق رفاهية إنسان المملكة من خلال برامج تنموية شاملة.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة