الذكاء الاصطناعي والتحول نحو القيادة الإدارية الرقمية

كان لأنماط القيادة الإدارية ومنذ ظهور المدارس الإدارية المختلفة (الكلاسيكية، والسلوكية، والمعاصرة) دور بارز في الاهتمام والبحث، وما زالت إلى يومنا هذا تلقى تزايداً في الطرح والدراسة والبحث؛ نظراً لما لها من أهمية بالغة في تحقيق التنمية وتطوير مسارات الأداء الوظيفي، وباتت هي التي تحسم قرارات مصير المنظمة نحو النجاح أو الفشل، وذلك ليس لكونها هي التي تتصدر الخطوط الأمامية في المنظمة، أو لتبوئها في المواقع الإدارية العليا، وإنما لكونها هي التي تمتلك مستلزمات التأثير المختلفة (الإثارة، والقدوة، والابداع، والتجدد، وقوة الشخصية، والحكمة،  والمعرفة، والتفكير الإستراتيجي الخلاق، وغيرها....).

فالقيادة الإدارية عرفت بطرق مختلفة، وهذا ليس بغريب في ميادين البحث العلمي؛ لأن مفاهيم المواضيع أياً كانت تبنى انطلاقاً من عناصر مختلفة للباحثين (الرؤى، ووجهات النظر، والثقافة، التخصصية، والأهداف، وغيرها)، ولكنه من المؤكد أن هناك توافقاً فكرياً على أنها-أي القيادة الإدارية-العملية التي يتم من خلالها القدرة في إحداث التأثير على الآخرين، أي تأثير من قبل طرف على الطرف الآخر (الرئيس، والمرؤوس) في بيئة العمل؛ للتمكن من تعديل سلوكيات العاملين بشكل يتناغم مع سياسات المديرين وأهداف المنظمة وإستراتيجياتها التنظيمية.

وللقيادة الإدارية أنماط متعددة (ديكتاتورية، وأوتوقراطية، وديموقراطية، ومتساهلة، وتحويلية، وتبادلية)، حيث إن كل قائد إداري يمارس النمط الذي ينسجم مع تغيرات مختلفة هي التي تحدد نمطية السلوك القيادي، وفقاً لمتغيرات مختلفة كالخصائص الشخصية في ذات القائد نفسه، أو خصائص التابعين ومدى استجابتهم وتفاعلهم مع القائد، والظروف البيئية من البعدين المكاني والزماني، وفضلاً على ذلك يوجد العديد من النظريات القيادية التي أفرزتها نتائج البحوث والدراسات في علوم الإدارة، والنفس، والاجتماع، كنظرية السمات، والشبكة الإدارية، والموقفية، والبعدين، وغيرها، والتي كانت لها مساهمات فعلية ونوعية في البعدين العلمي والعملي لدى الكثير من المديرين، وتجذير ثقافات سلوكية ذات أبعاد أفقية المدى في التفكير الإستراتيجي والأسلوب التحولي المرن في التطبيقات الإدارية والتفاعلات مع الواقع.

التحول الذكي

وفي الوقت المعاصر الذي تواجه فيه قيادات وإدارات المنظمات التحول الرقمي في ممارسات أساليب الإدارة؛ نتيجة لما أفرزته التكنولوجيا، فقد بات واقع استجابة القيادات الإدارية مطلباً ملحاً نحو التحول من النهج التقليدي بمختلف أشكاله وتطبيقاته إلى النهج الحديث، ولم يعد لهم من الخيارات المحمودة، وأن من يتجاهل ذلك من المديرين سيقود بنفسه الى العزلة وإقصاء الذات من صفوف المتميزين وصعوبة اللحاق بهم؛ لأن خيار التحول بات أمراً محسوماً يتحكم فيه أصحاب مصالح متنوعين كالموظفين، والمالكين، والزبائن، وذوي النفوذ والتأثير في القوى السوقية المختلفة. فالقيادات الإدارية الذكية هي التي تبادر إلى الاستجابة السريعة وتتفاعل مع متطلبات الواقع المحيط بها والظروف البيئية المستجدة والتكيف معها بمنظور تحولي يتناغم مع متطلبات العصر؛ ليضمن لها الاستمرارية في دورة حياتها الوظيفية، بل والتميز في الأداء وتحقيق الجدارة التنافسية.

وما التغيرات العديدة التي تحيط بالقادة الإداريين في الوقت الحاضر كالاقتصادية، والاجتماعية، والتكنولوجية، والثقافية، وغيرها إلا نتاجاً للتطبيقات الحاسوبية والتحولات الرقمية والإنترنت والمنظمات الافتراضية ونظم المعلومات الإدارية وشبكات الاتصال والمواصلات والعولمة والتجارة الإلكترونية التي كانت المحرك الأساسي في توعية وتثقيف الناس؛ مما أصبح الخيار الإستراتيجي أمامهم الاعتراف بحجم القوى واستباق مسارات التغيير بالمبدأ التحولي والتفاعل المرن والعمل الجاد نحو نهج القيادة الإدارية الرقمية التي شكلت-لا محالة-تموضع مكاني حصين، وثورة تحولية راسخة تقود بروادها إلى التميز وتعصف بعاكس مسارها.  

مفاهيم جديدة

والتحول الرقمي بمفهومه العام يعني عملية التطبيق والتوظيف التقني للتكنولوجيات المختلفة (الإنترنت، والحوسبة السحابية، والهواتف الذكية، والذكاء الاصطناعي) في وظائف الإدارة (التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، واتخاذ القرار، والرقابة، والعلاقات العامة والتواصل، والتنسيق)، وفي وظائف المنظمة (الانتاج، والتسويق، والتمويل، والموارد البشرية)، وفي عمليات إدارة الموارد البشرية المختلفة ( التخطيط للموارد البشرية وتحديد الاحتياجات الوظيفية، والاختيار والتوظيف، والتدريب والتأهيل، وتقييم الأداء، وأنظمة الأجور والحوافز، والسلامة والصحة المهنية، وتطوير علاقات العمل الداخلية والخارجية)، لتحل محل التطبيقات البدائية أو التقليدية.

وفي ضوء ما تقدم يمكن القول إن عملية التحول الرقمي لا تشكل حدثاً أسطورياً من حيث الصعوبة والتعقيد في التطبيق، بقدر ما تحتاجه العملية إلى توفر الشخصية القيادية الفذة والملهمة القادرة على توفير بعض المتطلبات الداعمة للتحول الرقمي، مثل: قناعة الإدارة بمبدأ التحول الرقمي وتبنيها في السياسات والإستراتيجيات التنظيمية، وتهيئة الموظفين من خلال التدريب والتأهيل والتوعية الملائمة للحد من مقاومة التحول والتغيير، وبناء الثقافة التنظيمية القوية، وتوفير البنى التحتية والفوقية، وتوفير الموارد الكفؤة.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة