الذكاء الاصطناعي..الابتكار وتطوير كفاءة الأداء الحكومي والخاص

  • د.فايز الشهري: الذكاء الاصطناعي يضع السعوديين في اتساق مع العالم المتقدم ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة
  • د.سونبا كاتيال: المحاور التقنية الجديدة ستجعل الطاقات الشابة المضيئة السعودية في مصاف الدول المتقدمة
  • د.عبدالله باحطاب: تقنية الذكاء الصناعي سيكون لها دور كبير في تطوير جميع المجالات الصحية والمدنية والصناعية
  • د.علي الخالدي: سينتج عن هذه الابتكارات تحديات جديدة كتغير أنماط العمل والمهارات والأداء للتأقلم مع مستقبل الأعمال

 

المشاركون في القضية:

  • د.فايز الشهري، عضو مجلس الشورى، باحث وأكاديمي ومستشار في الاعلام الجديد
  • د.سونيا كاتيال، المديرة المساعدة في مركز "بيركلي للقانون والتقنية" وعضوة مجلس مستشاري الاقتصاد الرقمي بوزارة التجارة الأميركية
  • د.عبدالله باحطاب، الأستاذ المشارك بقسم تقنية الحاسب بكلية الاتصالات والإلكترونيات بجدة
  • د.علي الخالدي، الأكاديمي والباحث في الذكاء الاصطناعي الاتصالات وتقنية المعلومات

 

بهدف تعزيز مسيرة الابتكار والتطور الرقمي وتحقيق أهداف رؤية 2030 وتطوير كفاءة الأداء الحكومي والخاص، صدر أمر ملكي بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات واذكاء الاصطناعي، وإنشاء المركز الوطني للذكاء الاصطناعي، ومكتب إدارة البيانات الوطنية، وأن يكون أعضاء مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي على النحو الآتي: وزير الداخلية، ومستشار الأمن الوطني، ووزير التجارة والاستثمار، ووزير المالية، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزير الاقتصاد والتخطيط، ورئيس الاستخبارات العامة، ورئيس أمن الدولة. حيث يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز مستويات الأداء والإنتاجية وتحفيز ريادة الأعمال ودعم الشباب، إضافة إلى تقديم خدمات للمواطنين أكثر ابتكاراً. لذلك خصصنا قضية هذا العدد للحديث عن الذكاء الاصطناعي.

مسيرة الابتكار

من جانبه أكد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله بن عامر السواحه، أن الامر الملكي القاضي بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-سيعزز من مسيرة الابتكار والتحول الرقمي في المملكة، وسيسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، وتطوير كفاءة الأداء على المستويين الحكومي والخاص من خلال الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة.

وقال: "الأمر الملكي الكريم بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي برئاسة سمو ولي العهد دلالة واضحة على أن المملكة عازمة على تطوير الحاضر الرقمي وبناء مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي والابتكار؛ الأمر الذي يعزز من مسيرة المملكة ورسم مستقبلها نحو الريادة في مجال التقنية والابتكار".

وبيًن المهندس السواحه أن الذكاء الاصطناعي من شأنه تعزيز مستويات الأداء والإنتاجية ودعم اتخاذ القرار في القطاعات كافة؛ مما يجعل الخدمات المقدمة للمواطنين أكثر ابتكاراً، ويفتح مجالات عدة لتحفيز ريادة الأعمال ودعم الشباب.

الفوائد

وطرحت مجلة "التنمية الإدارية" على عدد من المتخصصين والمهتمين والباحثين في الذكاء الاصطناعي السؤال التالي: ما هو الذكاء الاصطناعي؟ ولماذا أُنشأت السعودية هيئة للبيانات والذكاء الاصطناعي؟ وما هي فوائدها؟

الذكاء الاصطناعي:

يعرف العلماء الذكاء الصناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج، ويرى البعض أن الحواسيب العملاقة التي تعمل بهذا النمط التكنولوجي ستتعدى إمكانيات البشر في كل المجالات تقريباً في وقت ما بين 2020 و2060. وتتنوع تطبيقات استخدام الذكاء الاصطناعي؛ إذ يستخدم بنجاح في مجموعة واسعة من المجالات، من بينها: النظم الخبيرة، ومعالجة اللغات الطبيعية، وتمييز الأصوات، وتمييز وتحليل الصور، وكذلك التشخيص الطبي، وتداول الأسهم، والتحكم الآلي، والقانون، والاكتشافات العلمية، وألعاب الفيديو وألعاب الأطفال ومحركات البحث على الإنترنت. بينما على صعيد البيانات والمعلومات، فإنه وبحسب تقارير متخصصة، فإن العالم الرقمي سيصل حجمه إلى 180 زيتابايت (180 يليها 21 صفراً) في عام 2025م، ويمكن لهذه البيانات أن تتحول إلى عدد من الخدمات "المعرفية"، وتسهم في تغذية الذكاء الاصطناعي.

حراك تقني

وفي هذا الإطار يقول د.فايز الشهري، عضو مجلس الشورى، باحث وأكاديمي ومستشار في الاعلام الجديد: "هناك حراك تقني فعًال تشهده السعودية منذ ما يزيد عن عامين على وجه التحديد، فأصبح الحديث في أوساط الشباب عن الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق أو "البلوك تشين" و"إنترنت الأشياء" أمراً حياً وواقعاً ملموساً يدعو للإعجاب والفخر كما أن الحديث عن "الهاكاثونات" أو معارض وورش الابتكار والمبادرات لم يعد غريباً، وبات مألوفاً. كذلك تشجع الأسر والمدارس أبناءها على المجالات التقنية. ولعل مبادرة "السعودية تبرمج"، التي اختتمت مؤخراً، أعطت الانطباع عن شغف السعوديين بالمعرفة التقنية حين تخطى المشاركون في المبادرة مليون شخص.

ويضيف د.الشهري أن هذا الأمر يضع السعوديين في اتساق مع العالم المتقدم، الذي يتجه بثقة للعمل والاستفادة من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة القادمة ويصب في تطوير البلد، وتقود هذا الحراك التقني الفعال مؤسسات إبداعية، مثل أكاديمية مسك (التابعة لمؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية) التي تقوم بتدريب آلاف الشباب والفتيات الذين يلتحقون بمسارات البرمجة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي وغيرها من البرامج بالاتفاق مع مؤسسات دولية لها تجربة ثرية في هذا النوع من التعليم، حيث توظف قدراتها ليصل هذا الصنف من التعليم النوعي لكافة مناطق المملكة.

ويوضح أن مشروع "نيوم" يمثل واحداً من المشروعات السعودية التي يجري تأسيسها بالكامل وفق تقنيات الذكاء الاصطناعي، فالتصميمات الإنشائية لـ"نيوم" مبنية على جعله مدينة ذكية في البنية التحتية والطرق ووسائل المواصلات والاتصالات التي ستتوفر بجودة عالية، وإتمام المعاملات عن طريق "المترجم الآلي" الذي يغني عن المترجمين بما يحقق "رؤية المملكة 2030"؛ التي تهدف ضمن بنودها إلى الانتقال إلى عالم الإبداع والابتكار عبر التطور التكنولوجي. وفي هذا الإطار فقد أعدت شركة "إرنست آند يونغ" التي تعتبر من أكبر الشركات المهنية في العالم وبتكليف من مايكروسوفت، تقريرًا جديدًا كشفت فيه أن 89% من المديرين التنفيذيين السعوديين يتوقعون أن يحقق الذكاء الاصطناعي فوائد جمة لشركاتهم في المستقبل لتحسين عملياتهم.

نفط القرن الـ21

ومن جانبها تقول د.سونيا كاتيال، المديرة المساعدة في مركز "بيركلي للقانون والتقنية" وعضوة مجلس مستشاري الاقتصاد الرقمي بوزارة التجارة الأميركية: "السعودية مهتمة بالذكاء الاصطناعي، والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز يخدم ويرعى الموهوبين تقنياً، وقد تخرًج مؤخراً 100 سعودي وسعودية من معسكر طويق للأمن السيبراني، حيث انهالت عليهم عقود التوظيف في الشركات، وشهد أيضاً إطلاق أكاديمية للأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة".

وتابعت د.سونيا كاتيال: "هذه المحاور الجديدة ستجعل هذه الطاقات والعقول الشابة المضيئة السعودية في مصاف دول العالم، وهي كانت تحتاج خطوة حكومية مدروسة تحققت من خلال الأمر الملكي بإنشاء هيئة للبيانات والذكاء الاصطناعي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث سيبدأ الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي  كهدف إستراتيجي للمملكة العربية السعودية خلال الفترة الحالية ضمن مبادرة "رؤية المملكة 2030"، ومن أجل التحول إلى التكنولوجيا الرقمية في كل المجالات، وهو ما يسهم في تحقيق تقدم تكنولوجي يساعد على التطور الاقتصادي، كذلك تخطّط السعودية لدخول عالم المدن الذكية والتحول لتقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية، حيث يعد مشروع "نيوم" الذي يتبناه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خير مثال على ذلك والذي يتيح المباني الذكية وانتشار السيارات الذاتية القيادة والخدمات المتنقلة الجديدة التي تحسّن حياة السعوديين، من خلال المساعدين الرقميين، والمحادثة، والتعلم الآلي وغيرها".

وأشارت د.سونيا كاتيال إلى أن إطلاق القيمة الكاملة للبيانات باعتبارها ثروة وطنية في السعودية من خلال تحديد التوجه الإستراتيجي للبيانات والذكاء الاصطناعي، فالمسئولون السعوديون يسعون من خلال الهيئة الجديدة إلى الاستفادة من أقصى قدر ممكن من تحول البيانات لنفط القرن الـ21، وبحسب دراسات حديثة، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي تضيف إلى اقتصاد المملكة العربية السعودية 215 مليار دولار بحلول عام 2035، وذلك استناداً إلى شركة "أكسنتشر" المدرجة في بورصة نيويورك فإن تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي سيكون في 13 قطاعاً في السعودية؛ حيث توقع التقرير أن السعودية ستشعر بتأثيرات الذكاء الاصطناعي بزيادة في القيمة المضافة بقيمة 215 مليار دولار، كما ذكرت سابقاً، وسيظهر التأثير الأكبر في قطاعات الصناعة والخدمات العامة والاحترافية، وستحقق هذه التقنيات زيادات تصل إلى 37 مليار دولار، و67 مليار دولار، و26 ملياراً على التوالي، في عائدات القيمة المضافة الإجمالية السنوية.

ثورة ضخمة

وفي السياق ذاته يقول د.عبدالله باحطاب، الأستاذ المشارك بقسم تقنية الحاسب بكلية الاتصالات والإلكترونيات بجدة: "يوجد توجه لدى الدول العظمى في الإنفاق على برامج الذكاء الصناعي بشكل كبير جداً، حيث الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم انفاق 686.1 مليار دولار لعام 2020م، والصين تخطط لانفاق 22.15 مليار دولار بحلول عام 2020م و59.07 مليار دولار بحلول 2025م و150 مليار دولار بحلول عام 2030م، وكذلك فرنسا وجدت نفسها متأخرة في هذا المجال فعزمت على تخصيص مبلغ 1.8 مليار، بينما حجم الانفاق في دول الشرق الأوسط وإفريقيا سوف يكون فقط 114 مليون دولار بحلول عام 2021م، وتقنية الذكاء الصناعي سوف يكون لها دور كبير في تقدم جميع المجالات، مثل المجال الصحي، والمدني، والصناعي، والعسكري، وهناك تخوف من هذه التكنولوجيا؛ كونها قد تنشئ بطالة حيث سيتم الاستغناء عن الكادر البشري بشكل كبير، وهذه المخاوف كانت موجودة في الثمانينيات عند بداية استخدام الحاسب الآلي في القطاعات المدنية والصناعية والعسكرية، ولكن في الحقيقة إن استخدام الحاسب الآلي وما يتبعه من تقنيات أوجد وظائف بشكل مهول وبمرتبات عالية.

ويوضح د.باحطاب أن العالم يعيش ثورة ضخمة في مجال الذكاء الصناعي والبيانات لا تخطئها العين؛ إذ يكفي القول إن ما أنتجه العالم من بيانات ومعلومات في عام 2016م فقط يعادل كل ما أنتجه البشر حتى عام 2015م. فيما يواصل البشر التقدم خطوات نحو المستقبل في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته اللامتناهية.

المعرفة والتكنولوجيات

أما د.علي الخالدي، الأكاديمي والباحث في الذكاء الاصطناعي الاتصالات وتقنية المعلومات، فيرى أن المملكة تعمل على تأسيس كل مشاريعها المستقبلية ومدنها كذلك بناء على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يفسر اهتمامها بتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي واكتساب المعرفة والتكنولوجيات المتعلقة به من خلال شراكاتها مع الشركات العالمية، كما تهدف المملكة إلى الاستثمار في هذا المجال الواعد والمليء بالفرص التي تدر أرباحاً عالية، شأنها في ذلك شأن الدول الكبرى في العالم، مثل الصين وغيرها.

ويضبف د.الخالدي: "هذا ما أدركه ولي العهد جيداً حينما خاطب قادة القمة الرابعة عشرة لمجموعة العشرين في اليابان في يونيو الماضي، قائلاً: "إن العالم يعيش في زمن الابتكارات العلميةِ والتقنيةِ غير المسبوقة، وآفاقِ النمو غير المحدودة، ويمكن لهذه التقنياتِ الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء أن تجلبَ للعالم فوائد ضخمة، في حال تم استخدامها على النحو الأمثل، ويستنتج من ذلك أن الأهمية التي يحظى بها مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات هي ما دفعت المملكة إلى استحداث هيئة جديدة باسم "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي"، وتُعنى بالمجالات التكنولوجية المستقبلية، وهو ما يضفي أهمية خاصة عليها، ووضعها كأولوية وطنية من خلال الإشراف المباشر للقيادة العليا، كما تعتبرها المملكة طبقاً لمؤشرات المستقبل في عالم البيانات؛ ثروة وطنية يمكنها تحقيق طموحات رؤية 2030، وذلك عبر إطلاق القيمة الكاملة للبيانات من خلال تحديد التوجه الإستراتيجي للبيانات والذكاء الاصطناعي، كما أنه من شأن إدارة البيانات الوطنية استثمارها كأصول وطنية من خلال إدارة البيانات الرقمية، وتنميتها، وتمكينها، وتعزيز قدرات المملكة في تطوير سياسات وضوابط، وتشريعات لإدارة البيانات، حيث ستتولّى الهيئة المستحدثة التعامل مع جميع الأصول البيانية الموجودة داخل المملكة، سواء إلكترونية أو ورقية، وستكون وحدها الجهة المسؤولة عن أجندة البيانات الوطنية؛ وهو ما يلغي تداخل الاختصاصات بين جهات متعددة، كما ستستعين الهيئة الجديدة بأفضل الممارسات العالمية في سعيها نحو معالجة التحديات القائمة على صعيد البيانات والذكاء الاصطناعي، فكما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في قمة مجموعة العشرين في "أوساكا" باليابان: "نحن نعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنية غير المسبوقة، وآفاق النمو غير المحدودة، ويمكن لهذه التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، في حال تم استخدامها على النحو الأمثل، أن تجلب للعالم فوائد ضخمة، وفي الوقت ذاته فقد ينتج عن هذه الابتكارات تحديات جديدة، مثل تغير أنماط العمل والمهارات اللازمة للتأقلم مع مستقبل العمل، وكذلك زيادة مخاطر الأمن السيبراني وتدفق المعلومات؛ مما يستوجب معالجة هذه التحديات في أقرب وقت؛ لتفادي تحولها إلى أزمات اقتصادية واجتماعية".

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة