الملاحقة الجنائية للجرائم المعلوماتية

شهد القرن العشرين تطوراً هائلاً في مجال الاتصال وأصبحت الشبكة المعلوماتية الدولية الإنترنت من عجائب القرن العشرين التي امتدت عبر كامل انحاء المعمورة وربطت بين شعوبها؛ فأصبحت وسيلة التعامل اليومي بين أفــــراد مختلف الطبقات والمجتمعات.

ومقابل تباين الذهنيات والمستويات العلمية لمستعملي شبــــــكة الانترنت ظهرت ممـــارسات غيـــر مشروعة، فأصبحت هذه الشبكة أداة ارتكابها أو محلاً لها حسب الحالة؛ مما أدى إلى ظهور طائفة جديدة من الجرائم العابرة للحدود، مختلفة عن باقي الجرائم التقليدية، وقد سميت بالجرائم المعلوماتية أو الإلكترونية أو جرائم الانترنت. وقد أدى تسارع إيقاع التقدم التكنولوجي والتقني الهائل، وظهور الفضاء الإلكتروني، ووسائل الاتصالات الحديثة كالفاكس والإنترنت وسائر صور الاتصال الإلكتروني عبر الأقمار الصناعية الى استغلاله من قبل مرتكبو الجرائم الإلكترونية في تنفيذ جرائمهم، إذ لم تعد تقتصر على إقليم دولة واحدة، بل تجاوزت حدود الدول، وهي جرائم مبتكرة ومستحدثة تمثل ضرباً من ضروب الذكاء الإجرامي، استعصى إدراجها ضمن الأوصاف الجنائية التقليدية في القوانين الجنائية الوطنية والأجنبية.

 وبالنظر لما يتعلق بضعف نظم الملاحقة الإجرائية التي تبدو قاصرة على استيعاب هذه الظاهرة الإجرامية الجديدة، سواء على صعيد الملاحقة الجنائية في إطار القوانين الوطنية أم على صعيد الملاحقة الجنائية الدولية؛ مما أوجب تطوير البنية التشريعية الجنائية الوطنية بذكاء تشريعي مماثل تعكس فيه الدقة الواجبة علي المستوى القانوني وسائر جوانب وأبعاد تلك التقنيات الجديدة، بما يضمن في الأحوال كافة احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات من ناحية ، ومبدأ الشرعية الإجرائية من ناحية أخرى ، وضرورة التكامل في الدور والهدف مع المعاهدات الدولية. وإدراكاً لأهمية تنظيم التعاملات الإلكترونية، وافق مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية في 7/3/ 1428 هـ الموافق 26/ 3/ 2007 م على نظامي مكافحة جرائم المعلوماتية والتعاملات الإلكترونية؛ وكان ذلك للحد من وقوع الجرائم المعلوماتية وتحديد الجرائم المستهدفة بالنظام والعقوب كما صدر بتاريخ  12/2/1439 ه أمر ملكي كريم بإنشاء هيئة باسم (الهيئة الوطنية للأمن السيبراني) ترتبط بمقام خادم الحرمين الشريفين-أيده الله -والموافقة على تنظيمها   الذي يهدف  إلى تعزيز حماية الشبكات وأنظمة تقنية المعلومات وأنظمة التقنيات التشغيلية ومكوناتها من أجهزة وبرمجيات ، وما تقدمه من خدمات ، وما تحويه من بيانات ، مراعية في ذلك الأهمية الحيوية المتزايدة للأمن السيبراني في حياة المجتمعات؛ مستهدفة التأسيس لصناعة وطنية في مجال الأمن السيبراني تحقق للمملكة الريادة في هذا المجال انطلاقاً مما تضمنته رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

وتعمل عدد من المنظمات الدولية باستمرار لمواكبة التطورات في شأن أمن الفضاء الإلكتروني وقد أسّست مجموعات عمل لوضع استراتيجيات لمكافحة جرائم الإنترنت. ويستخدم مصطلح «الأمن السيبراني» لتلخيص أنشطة مختلفة كجمع المعلومات ووضع السياسات العامة والتدابير الأمنية، والمبادئ التوجيهية، وطرق إدارة المخاطر، والحماية، والتدريب، ودليل لأفضل الممارسات المهنية، ومختلف التقنيات التي يمكن استخدامها لحماية شبكة الإنترنت. وتشمل هذه السياسات المعلومات وأجهزة الكمبيوتر، والأفراد، والبنية التحتية، وبرامج المعلوماتية، والخدمات، ونظم الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومجمل المعلومات المنقولة و/أو المخزنة في الأجهزة الإلكترونية. ويهدف الأمن السيبراني جاهدًا لضمان تحقيق سلامة المؤسسات والأفراد في مواجهة المخاطر الأمنية وكل ما يتعلق بشبكة الإنترنت.

وتتمثل أهمية موضوع بحث ضرورة التعاون الدولي لمكافحة الجرائم المعلوماتية من الناحية النظرية والعملية في اعتباره من الموضوعات التي تلامس بشكل مباشر الكثير من مصالح أفراد المجتمع والدول، وعلى وجه الخصوص المصارف من خلال التعامل الإلكتروني والسحب من الأرصدة بواسطة البطاقة الممغنطة أو الدفع الإلكتروني، وأيضا المساس بالحياة الخاصة للأفراد عن طريق التسجيل وغيرها من المجالات التي تدخل في استعمال الحاسب الآلي، كما أن الإجرام الإلكتروني أصبح يستخدم من قبل المنظمات الارهابية لتهديد مصالح الدول الاقتصادية والأمنية؛ لذا وجب تحديد الصورة المثلى للتعاون الدولي للوصول إلى الملاحقة الجنائية، في إطار القوانين الوطنية وعلى صعيد الملاحقة الجنائية الدولية وضرورة كشف الصعوبات العملية في تطبيق الأفكار التقليدية والمستقرة بالقانون الجنائي كمبدأ الشرعية وسريان القانون من حيث الزمان والمكان واختصاص القضاء الوطني الذي يقوم على أساس تحديد خصائص ظاهرة الجرائم المعلوماتية ووصف طبيعتها ونوعية العلاقة بين متغيراتها وأسبابها واتجاهاتها المحلية والدولية وما إلى ذلك من جوانب تدور حول سبر أغوار المشكلة وفقا لنظام جرائم مكافحة المعلوماتية السعودي وما ورد به، كما تبرز أهمية آراء الفقهاء وبيان موقفهم من مدى اعتبار خطورة تحديات الجريمة الإلكترونية وحاجة المجتمع الدولي للتعاون الأمثل؛ لمكافحتها وما يترتب عليه من التزامات قانونية وخاصة مع انتشار ظاهرة الارهاب الدولي وجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة