​اقتصاديات إدارة الوقت..استثمار في الخدمات والإبداع والتميز

 

  • اقتصاديات الوقت لا تمت بصلة للاقتصاد النقدي وتتناسب مع تحول اهتمام المؤسسات من الجودة إلى الخدمات
  • الإدارة بالأهداف وبالاستثناء وبالتفويض للقضاء على أسباب مضيعات الوقت
  • 24 عاملاً تعيق منسوبي الأجهزة الحكومية عن إدارة وقتهم بشكل فعال و5 آليات لتنظيمه

 

يشهد عالم الإدارة العديد من التحولات المهمة والمؤثرة في مسيرة مؤسساته وتواجدها والتنافس فيما بينها، ويعد تحول اهتمام العديد منها نحو الخدمات بدلاً من الجودة أحد هذه التحولات التي أفرزت مفهوماً واتجاهاً إدارياً معاصراً وهو "اقتصاديات الوقت" الذي ربما يتبادر إلى ذهن البعض منا أنه يتعلق بالاقتصاد النقدي، وهو اعتقاد غير صحيح؛ فهو لا يمت له بصلة. فالوقت ينظر إليه خبراء وممارسو الإدارة ومتخصصوها باعتباره مصدراً حيوياً ضمن عناصر الإنتاج، ويعد من الموضوعات المهمة في مجالات الإدارة المختلفة؛ لهذا زاد الاهتمام بموضوع إدارة الوقت بشكل كبير في السنوات الأخيرة باعتباره التحدي الأساسي الذي يواجه المجتمعات الإنسانية.

وفي هذا التقرير نصحبكم لتوضيح هذا المفهوم وما يعنيه، وضوابط إدارة الوقت وأبعادها، والأساليب الإدارية المختلفة للاستثمار في اقتصاديات الوقت، وواقع هذه الاقتصاديات في أجهزتنا الحكومية.

من الجودة للخدمات

نستهل معكم هذا التقرير بتوضيح مفهوم اقتصاديات إدارة الوقت؛ فوفقاً لما يورده موقع "المرسال.كوم" هو بمثابة مصطلح شامل يتبع مجال إدارة الأعمال، ورغم احتوائه على كلمة "الاقتصاد" إلا أنه لا يمت للاقتصاد النقدي بِصِلة؛ لأن كلمة "الاقتصاد" هنا تعني التوفير، أي توفير الوقت والحفاظ عليه وتنظيمه جيداً داخل مؤسسات العمل من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأنشطة والإنجازات، ونيل رضا العملاء بسرعة إنجاز متطلباتهم والتعامل معهم.

ويرى الموقع أن اهتمام المؤسسات قد تحول من الجودة إلى الخدمات، ففي الاقتصاديات الحديثة نجد أن المؤسسات لجأت لمجال الخدمات لإرضاء الجمهور أكثر من اهتمامها بجودة المنتجات أو الخدمات ذاتها؛ حيث نجد الشركات التي كانت تتنافس في إنتاج كم أكبر من السلع أو سلع أكثر جودة أو سلع أقل تكلفة إلى آخر ذلك من معايير تنافسية، أصبحت تهتم بالدعم الفني وتحسين صورة المؤسسة أمام العملاء من خلال إدارة العلاقات العامة وإدارة التسويق.

كما أنه ظهرت الحاجة لاستغلال الوقت المهدر داخل المؤسسات والذي كان في الغالب يضيع في نقاشات جانبية بين الموظفين والعملاء، والإجراءات الروتينية العقيمة التي تعطل سير العمل والإنتاج بحجة ضرورة استخراج شهادة كذا ورسوم كذا وأختام كذا، لكن الإدارات الحديثة أصبحت تهتم بالاستفادة من الوقت والاستثمار فيه من خلال إدارته إدارة محكمة وفعالة تتيح لها تخفيض التكاليف.

والجدير بالذكر أن هذه المؤسسات التي تمكنت بحق من إدارة وقتها والتحكم فيه، استطاعت بالفعل التفوق على منافسيها وغزو الأسواق، عبر كسب ولاء العملاء ورضاهم وضمان تمسكهم بعلاقاتهم مع المؤسسة.

4 ضوابط وأبعاد

ويؤكد "المرسال.كوم" على أن هناك عدداً من الضوابط لإدارة الوقت داخل المؤسسات، وهي عبارة عن عدد من الأبعاد والمعايير التي يجب الالتزام بها جيداً؛ لضمان حسن إدارة الوقت والاقتصاد فيه وتحقيق أكبر أهداف ممكنة، وهذه الضوابط والأبعاد هي:

1-رفع سرعة الاستجابة لمخاطبات العملاء: وهو ما يتحقق باتباع عدة خطوات ومعايير، وهي:
– تخفيض الزمن المطلوب لتقديم المنتجات إلى الأسواق.
– تخفيض الزمن المطلوب لإتمام دورة تصنيع المنتج.
– تخفيض الزمن المطلوب لإنهاء الإجراءات مع العميل.
– تخفيض الزمن المطلوب لمعالجة أية أخطاء أو تعديل أي من المسارات.

2-الاستفادة من الخبرة: لكي نحقق اقتصاديات الوقت ونصل بالمؤسسة لبر الأمان، يجب علينا الاستعانة بالخبراء المتخصصين في مجال العمل، وعدم إتاحة الفرصة للغير للعمل بعشوائية، وهذا يستدعي الاستفادة من أثر الخبرات المتراكمة نتيجة الممارسة، كما أنه يتيح الفرصة لاستغلال الوقت من أجل زيادة الخبرات المهنية وتطوير الأداء.

3-الإدارة الفعالة للوقت: فبعد الحرص على سرعة الاستجابة مع العملاء، وتوفير خبراء متخصصين لإدارة شؤون العمل وضمان تحقيق أكبر انجازات في أقل وقت ممكن، يبقى أمامنا ضرورة تحقيق إدارة فعالة للوقت.

ويكون ذلك عبر التنظيم الجيد لمختلف العمليات والأنشطة، وكذلك العمل على الترتيب المناسب لكافة الوسائل والإمكانيات المتاحة، مع وضع تصميم ملائم للبرامج الزمنية، والاهتمام بالحد من الوقت الضائع، عبر إلغاء الأنشطة الثانوية غير الضرورية، والطقوس العشوائية التي يتبعها الموظفون وتضيع الكثير من الوقت والجهد.

4-الالتزام بالمواعيد والبرامج الزمنية: لكي نضمن حسن سير الإدارة والقدرة على النجاح في اقتصاديات الوقت، يجب علينا الالتزام الكامل بكافة الخطط الموقوتة، وتنفيذ برامج ومواعيد المؤسسة بكل دقة، والتي تتمثل في عمليات التوريد والإنتاج والتسليم والتنفيذ والتمويل وغيرها من اتفاقيات الصفقات والبروتوكولات.

6 أسباب و3 أساليب

وتجمل سارة المحجوبي في أطروحتها "إدارة الوقت في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" أسباب مضيعات الوقت على النحو التالي:

  • انعدام أو سوء التخطيط: فالتخطيط يعني باختصار تحديد جدول زمني معين وتخصيص مهام ضمن هذا الوقت تؤدي إلى الإنجاز، أو ما يسمى بتحقيق الأهداف، وما التخطيط إلا مجموعة من الأهداف التي ترغب بالوصول إليها ضمن فترة زمنية معينة.
  • انعدام التنظيم والتنسيق: إن استغلال هذا المورد-تقصد الوقت-بشكل سليم يستدعي قدراً عالياً من التنظيم والتنسيق؛ فتنظيم الوقت ينطوي على انشاء هيكل مقصود للأدوار، عن طريق تمييز وتحديد النشاطات اللازمة لتحديد أهداف الفرد أو المنظمة وتجميع هذه النشاطات وتخصيص فرد أو أفراد أو فريق لكل مجموعة من هذه النشاطات.
  • ضعف وظيفة التشكيل أو الإدارة السيئة للموارد البشرية: فالوقت يحتاج إلى أفراد يقومون باستغلاله، بمعنى أن الانتفاع بالوقت والفرص التي يوفرها الأفراد والمنظمات يتطلب توفير كوادر مؤهلة، وتطوير هذه الكوادر وتدريبها وتأهيلها لتكون في وضع يمكٍنها من اقتناص واستخلاص قيمة الوقت لدعم سياسات المنظمة وصولاً لتحقيق الأهداف المرسومة.
  • الافتقار إلى المعرفة: فعملية اتخاذ القرار تعتمد على مدى توافر المعلومات في المكان والزمان المحددين؛ فالبيانات المضللة أو الناقصة تؤدي إلى تأخير عملية صنع القرار، أو تؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة ذات كلفة اقتصادية واجتماعية عالية، وجميع هذه الحالات تمثل مضيعات للوقت.
  • الزيارات والاجتماعات غير الناجحة، والتردد في اتخاذ القرارات، والخوف من ارتكاب الأخطاء، والتفويض غير الصحيح، وسوء ترتيب الأولويات، والمقاطعات أثناء العمل.
  • المكالمات الهاتفية الزائدة عن الحد وقراءة الجرائد والمجلات.

ووفقاً لهذه الأسباب؛ فإن التصدي لها يتطلب انتهاج أسلوب أو أكثر من أساليب إدارة الوقت التي يبرزها محمد الصيرفي في كتابه المعنون "إدارة الوقت"، وهي:

-1 الإدارة بالأهداف: تعتمد الإدارة بالأهداف على الطرق التي تهدف إلى مزيد من العمل المثمر، وذلك عن طريق تحديد قائمة واضحة الأهداف، كما يجب أن ترتبط هذه الأهداف بجدول زمني يُحدد فيه موعد الإنجاز وتكون الأهداف بمثابة عبارات مفصلة مستندة على معايير واضحة، كما يجب أن تكون مبنية على أساس قابل للتحقيق في المستقبل المنظور.

ويركز أسلوب الإدارة بالأهداف على النتائج أو الغايات أكثر من تركيزه على النشاطات والفعاليات، فأي نشاط يجب أن يؤدي إلى تحقيق الغايات، والمهم دائماً هو النتائج، وتقاس فاعلية نجاح الإدارة بقدرتها على تحقيق النتائج، ووفق هذا المفهوم تصبح النتائج هي المبرر الرئيسي لكل موارد المؤسسة.

-2 الإدارة بالاستثناء: يعتمد أسلوب الإدارة بالاستثناء على توضيح العلاقة بين المستويات الإدارية نفسها في الهيكل التنظيمي، بحيث يحكمها تحديد دقيق للسلطات والمسؤوليات، وبذلك تتحدد وظائف كل مستوى معين ويترك للممارسة النشاط بدون تدخل من المستوى الإداري الأعلى، إلا إذا حدثت انحرافات هامة على الطريق المؤدي إلى تحقيق الأهداف المخططة. ويترتب على انتهاج المدير أسلوب الإدارة بالاستثناء العديد من الفوائد أهمها:

-توفير الجهد الضائع في اتخاذ القرارات الروتينية والإجرائية يمكن برمجتها وإسناد تطبيقها للعاملين حسب قدراتهم.

- اتاحة الفرصة للعاملين للتصرف في الحدود المرسومة، وفي الحالات المتشابهة أو التي تختلف اختلافاً طفيفاً عن هذه الحدود، وفي ذلك تدريب لهم وتنمية لبعض قدراتهم ومهاراتهم.

-3 الإدارة بالتفويض: يقصد بالتفويض النقل المؤقت للصلاحيات من شخص على مستوى تنظيمي معين إلى آخر على مستوى تنظيمي أعلى، وعندما يقبل الأخير هذا التفويض فإنه يلتزم بأداء الواجبات التي يكلفه بها رئيسه ويمارس الصلاحيات اللازمة لأدائها، ويصبح مسؤولا أمام رئيسه عما قام به من أعمال، فتختلف المؤسسات والمديرون في درجة التفويض، فكلما اتجهت المؤسسة ناحية اللامركزية؛ زادت درجة التفويض، أي زادت أعداد القرارات التي تتخذ على مستويات إدارية أقل وزادت أهمية القرارات، بينما في حالة المركزية، فعملية التفويض تتقلص؛ وبالتالي تتخذ القرارات في مستوى واحد، وتنقل القرارات المتخذة في مستويات الإدارية الأقل من ناحية العدد والأهمية والنوع، ويعتبر التفويض أحد الإستراتجيات الفاعلة لإدارة الوقت.

الوقت في أجهزتنا الحكومية

ولكن دعونا نتعرف على واقع إدارة الوقت واقتصادياته في أجهزتنا الحكومية بالمملكة، في ظل تواجد المرأة-كموظفة في أجهزتنا المختلفة ومؤازرتها الرجل في مسيرتنا التنموية-وما تستهدفه رؤية المملكة 2030 من إعطاءها دوراً أكبر والمزيد من التمكين لها؛ وهو ما عالجته نجلاء بنت محمد الخلف في أطروحتها عن "إدارة الوقت في الأجهزة الحكومية" ومقارنتها بين الموظفين والموظفات، والتي توصلت من خلالها إلى أن أهم الآليات المتبعة من قبل هؤلاء الموظفين والموظفات في تنظيم الوقت هي 5 آليات تتعلق بتقدير الوقت اللازم لإنجاز المهام، وترتيب أهداف العمل حسب أهميتها، والقيام بالأعمال بسرعة وبشكل مباشر، وتحديد أهداف رئيسية في العمل، والتخطيط المسبق للعمل من خلال تحديد الأولويات. وأوضحت الباحثة وجود فروق بينهم لصالح الموظفات في عدد من هذه الآليات وهي: ترتيب أهداف العمل حسب أهميتها، والاعتماد على نماذج معدة مسبقاً لتبسيط إجراءات العمل، وتخصيص وقت في تقويم الأعمال المنجزة، والحرص على الإعداد المسبق لأي اجتماع، بينما كانت الفروق لمصلحة الموظفين فيما يخص آليات تنظيم الوقت وإدارته؛ مثل التخطيط المسبق للاجتماعات، والإعداد المسبق لها.

كذلك توصلت الدراسة إلى وجود ٢٤عاملاً تعيق هؤلاء الموظفين والموظفات عن إدارة وقتهم بشكل فعال، وكان من أبرزها الآتي: عدم توفر المعلومات المطلوبة، وعدم حفظ الأوراق في أماكنها الصحيحة، وتأجيل الأمور وتسويفها، وعدم وجود تنظيم جيد للعمل، وعدم تحديد أهداف واضحة. وأثبتت الدراسة

وجود فروق دالة بين الموظفين والموظفات في ١١عاملاً، جميعها لمصلحة الموظفين، ومن أهم هذه العوامل ما يلي: الزيارات المفاجئة، وعدم تحديد مواعيد لإنجاز العمل، والحرص على الاطلاع، والقيام بكل التفاصيل.

وثبت من الدراسة أن أكثر المهام الإدارية التي يوزع عليها الموظفون والموظفات وقتهم هي: التنظيم، والتخطيط، وحل المشكلات. واتضح وجود فروق دالة لمصلحة الموظفات فيما يتعلق بتوزيع الوقت على مهمتين إداريتين فقط، وهما التنظيم والتخطيط. وأكدت الدراسة على أن أهم الوسائل المتبعة من قبل الموظفين والموظفات لمساعدتهم في إدارتهم لوقت العمل هي ٣ وسائل هي: الذاكرة الشخصية، وإعداد قائمة بالأعمال المطلوب إنجازها، والهاتف الجوال. وتبين وجود فروق دالة بين الموظفين والموظفات في 3 وسائل هي: البريد الإلكتروني، والمفكرة الإلكترونية، والمفكرة اليدوية، وقد كانت هذه الفروق دالة لصالح الموظفين فيما يتعلق بأول وسيلتين منها، بينما كانت تلك الفروق دالة لمصلحة الموظفات في الوسيلة الأخيرة منها. وخلصت "الخلف" إلى عدم وجود أي علاقة بين توزيع الموظفين والموظفات للوقت على المهام الإدارية، وبين الخصائص الشخصية للموظف أو الموظفة؛ كالعمر، والمؤهل العلمي، والخبرة العملية، والمرتبة الوظيفية.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة