ظاهرة "الضفدع المغلي"..تحذير من "فخ" الوظيفة

​​​

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

الاحتراق الوظيفي، والاستسلام لـ"برستيج" الوظيفة، وافتقاد القدرة على اتخاذ القرارات في الأوقات المناسبة، وإدارة التغيير في المنظمات المختلفة،..وغيرها من التداعيات السلبية في عالم الوظائف والإدارة؛ ربما تتفاجئ أن سببها "ضفدع مغلي"! نعم، فهو ضفدع غريب. وربما إذا لم تنتبه إلى تواجده في بيئة عملك؛ فقد تقع أسيرًا لهذا الـ"برستيج" الذي يمثل بالنسبة لك "فخًا" تعيش آلامه وأوهامه، وشيئًا فشيئًا تضعف مهاراتك، وأفكارك الإبداعية في مجال عملك، وتستسلم لواقع وظيفي مميت؛ فتصبح كالصقر الذي لا يستطيع الطيران. وربما تبرر لنفسك ومَن حولك هذا الواقع بخوفك من المجهول أو بافتقادك الأمان الوظيفي أو تختلق عددًا من الأعذار. فإذا أردت أن تتعرف على هذا "الضفدع" وأن تنتبه لهذا "الفخ"، وأسبابه، والحلول؛ فتابع معنا التفاصيل في التقرير التالي.

تجارب وظاهرة غريبة

نستهل التقرير بتوضيح فكرة ظاهرة الضفدع المغلي-نقلًا عن موقع "مشروع أنا أصدق العلم"-من خلال العديد من التجارب التي أُجريت في القرن التاسع عشر، والتي رصدت رد فعل الضفادع تجاه الماء عند تسخينه ببطء. ففي عام 1869م أوضح عالم الفيزيولوجيا الألماني "فريدريش غولتز" أن إزالة مخ الضفدع ستجعله يبقى في الماء، بينما سيحاول الضفدع السليم الهروب والقفز من وعاء الماء عندما تصل حرارته إلى 25 درجة مئوية. مع ذلك، تزعم بعض التجارب التي أجريت في القرن التاسع عشر أن الضفادع لم تحاول الهرب من الماء المسخن تدريجيًا، ومثالًا على ذلك تجربة نفذها "هاينزمان" عام 1872م ليوضح أن الضفدع العادي لن يحاول الهرب إذا ما سُخِّنَ الماء ببطء كافٍ، وهذا ما أكده "فراتشر" عام 1875م.

فتجربة الضفدع المغلي هي حكاية رمزية تصف تجربة يُغلى فيها الضفدع حيًا ببطء، والافتراض هنا يقول: إن وضع الضفدع في الماء المغلي بشكل مفاجئ سيجعله يقفز، بينما عند وضعه داخل ماء فاتر وتركه يغلي ببطء، فإنه لن يدرك الخطر وسيُطهى ببطء حتى الموت. وغالبًا ما تستخدم هذه القصة باعتبارها استعارة تصف عجز الأشخاص أو عدم رغبتهم في إدراك أو الرد على التهديدات الشريرة التي تنشأ وتكبر بشكل تدريجي وبطيء.

تحذيرات للمديرين

ويلفت عبدالله اليامي في مقاله بموقع "المجتمع الوظيفي" بعض أبعاد هذه الظاهرة في المنظمات سواء أكانت في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص، موضحًا أنه عند تعيين مدير في منصب بأحد تلك القطاعات فإنه يملك حماسًا هائلًا، ورغبة عالية في العمل من أجل الإنجاز وتحقيق الطموحات؛ من أجل الارتقاء في مجاله المهني، وهذا هو المتوقع والمأمول منه، خصوصاً أنه يرغب في أن تكون له بصمة في عمله الجديد. كذلك يؤمن الكثير بأن من أسباب النجاح في العمل هي القدرة على التأقلم مع بيئة عملهم، ويأتي ذلك من خلال قضاء بعض الوقت للاستكشاف والتعرف على طبيعة بيئة العمل. 

ففي بدايات العمل في البيئة الجديدة يعمل المدير على إظهار التزامه وإبداعه للمنظمة بشكل عام ولفريق العمل بشكل خاص، كما يبدي الحرص على إنجاز المهام بسرعة ودقة عالية؛ لكي يحقق الرضا الذاتي ولكي يشعر المسؤول في المنظمة بأنه على قدرٍ عالٍ من المسؤولية. ولكن مع مرور الوقت واكتشافه أن الوضع العام لبيئة العمل محبط وغير محفز للإنتاج والإبداع، بالإضافة إلى كثرة المحيطين به من المحبطين ما يجعله يعيد التفكير في طريقة عمله في هذه البيئة، ولصعوبة مواجهة هذا التيار لإثبات عدم ملائمة هذه البيئة للنجاح، فينجرف مع التيار ويبدأ في التأقلم مع هذه البيئة المحبطة، ومع مرور الأيام يصبح أحد مصدري هذه الممارسات التعيسة.

 ولكن في مثل هذه الظروف لا ينبغي أن يكون التأقلم مع هذه البيئة السلبية؛ فذلك سيفقدك كثيرًا من مهاراتك العملية والعلمية التي بدونها ستصبح أسيرًا لهذه البيئة، وبالتالي ستزداد الأمور صعوبة في المغادرة. كما أن البعض قد يعيقه التغيير؛ بحجة أن منصبه (كويس) وأموره (ماشية) مع الموجة السائدة في بيئة العمل المحبطة. والأهم من ذلك حصوله على "برستيجه" في المجتمع، وهذا مزعج جداً؛ لأن "البرستيج" يعزز فيك البقاء في الوعاء. و"البرستيج" كما ذكر "باول جراهام": كالمغناطيس القوي الذي يشوه حتى معتقداتك حول ما تستمتع به، فهو لا يجعلك تعمل على ما يعجبك، بل على ما تريد أن يعجبك. لذا فإنه يتطلب أن نكون على قدرٍ عالٍ من الوعي الكامل بما يدور حولنا ومدى تأثرنا بالبيئة المحيطة وإغراءاتها.

تحذيرات للموظفين

ويشدد اليامي على أنك إذا شعرت بأن المكان الذي تعمل به لا يسهم في تطويرك وارتقائك في المجال المهني وتحقيق طموحاتك، وبدأ ينتابك حينئذ إحساس بالتأثر بالبيئة المحبطة، وبأن هذه ليست درجة الحرارة التي كنت عليها عند انضمامك للمنظمة؛ فاحذر أن تتساهل وتدع الأمر يستمر، ولا تقنع نفسك بأن الأمور تسير على ما يرام؛ فحينئذ قرر أن تقفز من الوعاء وابحث عن مكان آخر يناسب طموحاتك ويسهم في ارتقائك؛ كي لا تصبح ضفدعا.

ويتداول عدد من المهتمين-في مواقع التواصل الاجتماعي-بهذه الظاهرة المقصود والمغزى منها بصفة عامة، فيرى البعض منهم أن الأهم من اتخاذ القرار هو توقيت هذا القرار؛ لأن القرار المتأخر قد يكون قاتلاً لصاحبه. كذلك فإن التغيير قد يكون مطلوباً في كثير من الأوقات؛ لأن البديل هو الموت (الفناء) الذاتي. كما أن التأقلم أو التحمل قد يكون قاتلاً إذا تم في بيئة قاتلة؛ لذلك فالهروب من هذه البيئة أسلم من البقاء فيها والتأقلم معها.

إدارة التغيير

ويتطرق د.محمد النغيمش في مقال له بصحيفة "الشرق الأوسط" إلى بعد مهم لتلك الظاهرة يتعلق بأدبيات الإدارة والتغيير الذي يقاومه الناس بضراوة، خصوصًا إذا لم يُعدُّوا جزءًا منه وليسوا على علم مسبق به. وهناك من يرى أن التغيير يمكن أن يحدث بشكل تدريجي على صعيد المؤسسات؛ فهذا التغيير البطيء قد لا يفاجئ الأفراد، بل هم على الأرجح قد يتكيفون معه، في حين أن آخرين ربما يستيقظون بعد فوات الأوان فيلقون حتفهم في هذا الوعاء.

ويتابع النغيمش: ولأن الإنسان عدو ما يجهل، فقد توصلت شركة استشارات شهيرة يطلق عليها Prosci -بعد دراسة ألف شركة-إلى أن "غياب المعرفة" سيبقى عائقاً أمام الأفراد؛ ما لم يعوا أهمية التغيير والرغبة في المعلومات التي تمكِّنهم من حسن التعامل مع رياح التغيير. كما اتضح أن نموذج أدكار ADKAR يمكن من خلاله فهم لماذا يقاوم البعض التغيير؟ وكيفية وضع خطة ناجحة من خلاله لإتمامه على أكمل وجه؟ فهناك عوامل أربعة مهمة، وهي: "الوعي"، و"الرغبة"، و"القدرة"، و"الإلزام".

صقور لا تطير

وفي سياق متصل، يحدد مروان بن عبدالملك في كتابه بعنوان: "مقتطفاتي في التنمية البشرية، القيادة، تطوير المهارات"، أسباب تداعيات هذه الظاهرة؛ من خلال طرح تساؤلات مهمة، يستهلها بقوله إن استمرار الموظف في وظيفة ما لمدة زمنية يعتمد على عوامل تحركها، ومنها: هل تشعر بالشغف نحو وظيفتك؟ هل تستفيد من تلك الوظيفة وتتعلم منها؟ وهل قدمت الوظيفة لسيرتك المهنية؟ فإذا كانت الإجابة عليها بـ "لا"؛ فمن المؤكد أنك أنت كبش لوظيفة لا تحبها، ووقعت في فخ الوظيفة، وهي الحالة التي يطلق عليها الاقتصاديون مصطلح "مغالطة التكلفة الغارقة". ومَن يعانون من مثل هذه الحالة يشبههم بالصقر الذي لا يستطيع الطيران؛ بسبب أن عينيه قد غطيتا بغطاء أو حاجز؛ ومن ثَمَّ فهم لا يستطيعون مشاهدة الخيارات الأخرى المتوافرة في سوق العمل، والتي قد تتيح لهم فرص الصعود مهنيًا. وهذا ما ينقلنا إلى النقطة اللاحقة، وهي المعتقدات أو الأعذار التي يختلقها هؤلاء الذين وقعوا في فخ الوظيفة. أما السبب الثاني للوقوع في هذا الفخ، فهو اعتقاد مثل هؤلاء بأنه لا توجد خيارات، وتجدهم يلومون الآخرين والمجتمع والحظ ولا يلومون أنفسهم، بل ويصلون للاقتناع بأنهم الأفضل. كذلك يرى أن السبب الثالث هو الخوف من المجهول، وأن المهارات والمعارف والقدرات التي يمتلكونها في وظائفهم الحالية ليست كافية ومتوائمة مع جدارات الوظائف الجديدة. هذا بالإضافة إلى سبب آخر وهو وهم الأمان الوظيفي، حيث يعتقد كثير من الموظفين بأن تمسكهم بوظائف معينة يحقق لهم فرص النمو والتطور المهني والمميزات المالية وضمان الاستمرار في العمل دون قلق بشأن مستقبله.

3 حلول

ويصف مروان بن عبدالملك العلاج للخروج من "فخ" الوظيفة؛ من خلال 3 حلول، كالتالي:

  • ابدأ والغاية في ذهنك: فهذا ما يعد إحدى العادات السبع للناس الأكثر فاعلية لـ"ستيفن كوفي" الذي ذكر أن تكتشف نفسك وتحدد أهدافك وقيمك الشخصية العميقة.
  • ضع استراتيجيات لأهدافك الوظيفية: فإذا أردت تغيير مسارك الوظيفي؛ فطور جوانب الضعف لديك من قدرات ومهارات ومعرفة، وفكر في الشهادات المهنية الخاصة بالوظيفة الجديدة.

توقف عن التفكير السلبي، وتحمل مسؤولية موقعك، وذكِّر نفسك بأن وظيفتك التي لم تعجبك لم تكن بسبب الآخرين، وإنما باختيارك أنت وحدك: خذ قرارات جديدة وتوقف عن جميع أصابع الاتهام والمسؤولية التي وزعتها على الآخرين سابقًا عندما وقعت في "فخ" الوظيفة.

​​​​​​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة