الرياضة ميزة تنافسية للمنظمات وتحافظ على لياقة أداء الموظفين

​​​​​​​​

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

تبوأت ممارسة الرياضة في بيئات العمل المختلفة مكانتها المتميزة لدى الشركات والمنظمات المعاصرة؛ حتى أصبحت مقياسًا لقوتها ولياقة أدائها وجودة أداء منسوبيها. وسعت الكثير منها لتحفيزهم على ممارستها. وهو الاتجاه الذي تدعمه رؤية المملكة 2030 ضمن برنامجها "جودة الحياة"، وإدراكها أهمية ممارسة الرياضة بصفة عامة. فيكفي أن نعرف أنها حققت زيادة في نسبة المساهمة في الناتج المحلي مقدارها 170%، أي ما يعادل 5,6 مليار ريال، إضافة إلى إنشاء شركات خاصة للاستثمار الرياضي، وخلق فرص وظيفية للمواطنين، ومن بين أبرز عوائدها الاقتصادية زيادة القدرة الإنتاجية لممارسيها في أماكن عملهم وتخفيض عدد أيام الغياب؛ بسبب الإجازات المرضية. إن ممارسة الموظفين الرياضة تحقق العديد من الفوائد لهم ولمنظماتهم، والتي نتعرف عليها في هذا التقرير.

الطريقة السويدية

نستهل التقرير بما يورده موقع "Regus"-المتخصص في بيئات العمل-أن كلمة Friskvård  يقصد بها-في السويد-حرفيًا "العافية"، وتشير إلى بدل مكان العمل الخاص بالرياضة والأنشطة الصحية الذي يُقدر بحوالي 7000 كرونة سويدية في العام، تُخصص للإنفاق على عضوية صالات ألعاب القوى، أو النوادي الرياضية، أو اليوجا، أو الأنواع المختلفة من جلسات التدليك. وتوفر الإصدارات المتقدمة من هذا النظام السويدي عطلة إضافية لمدة أسبوع للموظفين الذين يمارسون الرياضة لمدة لا تقل عن 3 ساعات أسبوعيًا.

اجتماعات الدراجات والجري

وبحسب "Regus"، يصرح "ديكون لوي"-منظم الفعاليات الرياضية وخبير تحسين الصحة-الذي يعمل على الارتقاء باللياقة البدنية في العمل: "نُجري الاجتماعات أحيانًا أثناء ممارسة رياضة الجري أو أثناء ركوب الدراجات". وقد نظم "لوي" فعاليات رياضية وأخرى خاصة بالأنشطة منها فعالية الركض إلى المنزل خلال دورة الألعاب الأولمبية عام 2012م، حيث بدأ الآلاف من الناس في العودة من العمل ركضًا إلى منازلهم. وعقدت فعالية أخرى تتعلق بتشكيل فرق من زملاء العمل للتنافس في سباق الدراجات في وسط لندن. ويقول لوي: "عندما يتأنق الجميع بخوذاتهم المرسوم عليها العلامة التجارية للشركة وأمتعتها-التي تشمل حتى جواربهم-يتجاوز الأمر فكرة مجرد ممارسة الرياضة بكثير. ويُضيف: "إنه يزيل الحواجز بين العاملين في أي منظمة". ويعتقد "لوي" أن أفضل أنشطة المكتب هي التي يُعدُّها الموظفون بأنفسهم، بدلًا من أن تُوضع بشكل رسمي وُتفرض من قبل الإدارة.

اليابانيون و"راجيو تايسو"

وتذكر صحيفة "الشرق الأوسط" أن موظفين يابانيين بملامح جدية وملابس العمل الرسمية يعمدون إلى التدرب على حركات رياضية للحفاظ على لياقتهم البدنية واندفاعهم في العمل، في ممارسة ليست بالنادرة في اليابان. وبدأت شركة "أدوك إنترناشونال" للمعلوماتية، الواقعة في ضاحية طوكيو، منذ عام 2014م، تطبيق هذه الطقوس المعروفة باسم "راجيو تايسو"، أو ما ترجمته "الجمباز الراديوي"، وهي تمارين تجرى في بادئ الأمر عبر الاستماع لبرنامج يجمع بين نغمات البيانو والتعليمات، ويبث عبر قنوات الراديو الوطنية منذ عشرينات القرن الماضي.

ويوضح "كليفتون لاي" الموظف في قسم الموارد البشرية: "اخترنا الـ"راجيو تايسو"؛ لأنها سلسلة التمارين الأبسط التي يمكن تنفيذها". مضيفاً: "أكثرية اليابانيين، والأشخاص الذين كبروا في اليابان، باتوا معتادين على هذا النوع من الحركات، وليست لديهم أي مشكلة في القيام بها، وللانطلاق في يوم العمل، صباحاً أو بعد الظهر، بإيجابية، يُقبل الموظفون على هذا التمرين الرياضي المقتضب". ومن الجدير بالذكر أن هذه الطقوس الرياضية العائدة إلى ما يقرب من قرن، بدأت في شركة تأمين أميركية. وقد انتشرت سريعاً في أنحاء اليابان في أماكن العمل والمدارس؛ حتى بلغ عدد ممارسيها يوميًا عام 2017م حوالي 28 مليونًا.

تويوتا وسوني وفوجيكورا

وتبرز "الشرق الأوسط" أن شركة "تويوتا" اليابانية تنظّم نسختها من هذا النشاط على طريقتها. وفي شركة "سوني" يُدعى العاملون على اختلاف درجاتهم الوظيفية إلى جلسة تليين عضلات جماعية عند الساعة الثالثة بعد الظهر، غير أنها ليست إلزامية. هذه التمارين الرامية لتعزيز الاندفاع تجاه الشركة، وهي من القيم الأساسية في المجتمع الياباني، من شأنها أيضاً الحفاظ على صحة الموظفين، وإبقائهم في صفوف الشركة لسنوات أطول. ويذكر "كينيشيرو أسانو" الذي يهتم بمتابعة الوضع الصحي لموظفي شركة "فوجيكورا" للتجهيزات أن "التركيبة السكانية اليابانية تسجل شيخوخة سريعة، وعدد الأطفال إلى تناقص، وهذا خطر كبير جداً على الشركات". ويؤكد أن الحفاظ على الموظفين بصحة جيدة يمثل استراتيجية مهمة في الشركات؛ فالصحة بحد ذاتها تسمح بتحقيق إدارة فضلى للشركة.

بالقانون وبالإلزام

ويبدو أن ممارسة الرياضة لم تعد خيارًا شخصيًا-بحسب موقع "الجزيرة"-فقد دخلت شركة تكنولوجية دائرة الضوء في الصين بعد أن فرضت قانونًا يجبر الموظفين على المشي عشرة آلاف خطوة يوميًا أثناء فترة الدوام؛ وذلك في إطار تحفيزهم على الحركة والعمل بحيوية. ووفق ما جاء في الخبر الذي تداولته مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، فإن من يتقاعس عن القيام بالمهام الجديدة سيخضع لعقوبة جزائية يضطر فيها الموظف لممارسة تمارين الضغط المعروفة لعدد مرات تتراوح بين 50-100 مرة.

وبررت الشركة الصينية قرارها بأنه جاء للحفاظ على صحة موظفيها، مؤكدة أن العديد من الموظفين يقضون ساعات طويلة خلف مقاعدهم ومكاتبهم؛ مما يؤدي إلى أمراض السمنة والقلب والسرطان والموت المبكر.

الرياضة عن بُعد

ونقلًا عن موقع "ديجيتال" الذي أجرى استطلاعًا للرأي شمل ألف موظف يعملون عن بُعد؛ لاكتشاف الأسباب الحقيقية وراء رغبة معظمهم في الاستمرار في العمل عن بُعد، يبرز موقع "أرقام"-المتخصص في الشأن الإداري-4 أسباب، أولها وأهمها هو ممارستهم الرياضة أثناء النهار، وهو ما ذكره 72% من هؤلاء الموظفين.

ويوضح موقع "CNN بالعربية" أن استبيانًا تم تطبيقه بعنوان: "صحة وعافية الموظفين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"؛ كشفت نتائجه عن أن لأصحاب العمل دورًا كبيرًا في تعزيز صحة موظفيهم؛ إذ لديهم تأثير كبير عليهم ومن الممكن أن يساعدوهم على اتباع نمط حياة صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. كذلك قال 95,4% من المشاركين فيه إنهم سيمارسون التمارين الرياضية أكثر لو كان يوجد في صالة رياضية في مكان عملهم أو خصومات على الاشتراك في النوادي الرياضية.

إدارة الوقت والإنتاجية

ويتفق الخبراء والمتخصصون على أهمية ممارسة الموظفين الرياضة، فيلفت موقع "Regus" إلى دراسة أجرتها جامعة "بريستول" وجدت أن زيادة ممارسة الرياضة أدت إلى انخفاض مستوى التوتر وتحسين علاقات العمل وزيادة التركيز والإنتاجية. ومن بين 200 من الموظفين الذين شملهم استطلاع الرأي، أفاد 72% منهم بأن هناك تحسنًا في إدارة الوقت في الأيام التي يمارسون فيها الرياضة بالمقارنة بالأيام التي لا يمارسون فيها، في حين ذكر 79% منهم إن أداءهم "العقلي والعلاقات الشخصية" قد تحسَّن. ويؤكد الموقع أن هذه المبادرات تمثل جزءًا من حركة، يزداد انتشارها في جميع أنحاء عالم الأعمال، تؤمن أن الصحة واللياقة البدنية في العمل تجلب منافع متعددة.

10 فوائد مهمة

كذلك يجمل موقع "إي عربي" 10 فوائد للرياضة لتحسين أداء الفرد في العمل، وهي:

  1. تؤدي ممارسة الرياضة إلى جعل الفرد عازمًا في العمل: فهو سيتعلم منها ألا يستسلم لأي شيء، وستحل مشاكله؛ لأنها مجرد تحدٍّ آخر بالنسبة له.
  2. التخلص من التوتر والضغط النفسي: فالتوتر هو رفيق غير مرغوب به في العمل؛ حيث لا بد من التنويه أن الأفراد الذين يعملون في الشركات الضخمة يعانون من الكثير من الضغوطات بحكم عملهم، وممارسة الرياضة تساعدهم بشكل كبير على التخلص من جميع الضغوطات السلبية، والطاقات السلبية، والتوتر والتخلص من الأذى الذي يلحقه التوتر بالجسم والذهن.
  3. جعل الموظف بارعًا في العمل التعاوني؛ حيث أن الزملاء في التمارين دائمًا ما يشجعون بعضهم البعض على الأداء بشكل أفضل، خصوصاً إن كان الفرد يمارس رياضة جماعية ضمن فريق، مثل كرة السلة، والتي تجعله الرياضة شخصًا متعاونًا أكثر، وهذا ينطبق على العمل؛ حيث أن الأفراد في العمل من المهم أن يقوموا بمساعدة بعضهم البعض؛ من أجل إكمال المهام المطلوبة.
  4. تشجع الموظف على تقبّل فشله بصورة أفضل، ولا سيما ممارسة الرياضات الجماعية.
  5. تنمي في الفرد روح المسؤولية، وتجعله أكثر مسؤولاً بشكل عام؛ حيث في الرياضات الجماعية، على سبيل المثال رياضة كرة القدم تنمي تحمل المسؤولية لدى الفرد، تمامًا كما في العمل.
  6. تؤدي إلى زيادة الابتكار والإبداع؛ فممارسة الموظف الرياضات الهوائية تعزز من هذه المهارة والقدرة المهمة، فمثلاً عند حاجته للتفكير وتنفيذ أفكار جديدة يمكنه أن يخرج للركض قليلاً.
  7. تغني ممارسة الرياضة في الصباح عن القهوة؛ فالرياضة تجعل الموظف مفعمًا بالطاقة.
  8. تُعلِّم الموظف الإصغاء والانضباط.
  9. تفسح له مجالًا للتأمل، حين يمارس رياضته المفضلة، كالسباحة مثلًا؛ إذ يتوقف خلالها عن التفكير في كل ما ليس له علاقة بهذه الرياضة، ويركز فقط على تقنيته في السباحة، وقدرته على التحمل.
  10. تساعد على لقاء الزملاء والأصدقاء والزبائن، والتعرف على أشخاص جدد، والتقرب أكثر من كل هؤلاء؛ وبالتالي بناء علاقات إنسانية قوية.

النهار أفضل

ويدلل موقع "BBC News عربي" على مثل هذه الفوائد، من خلال دراسة شملت أكثر من 200 موظف في بريطانيا؛ حيث خلص الباحثون إلى أن الموظفين الذين استخدموا صالات الألعاب الرياضية الملحقة بشركاتهم، زادت قدراتهم على التركيز والإنجاز أثناء النهار، وكانوا أكثر رضا عن العمل في الأيام التي تمرنوا فيها أثناء ساعات العمل. كذلك انتهت دراسة أخرى إلى أنه بغض النظر عن المرحلة العمرية، فإن هناك "فوائد فورية" للوظائف الإدراكية جراء ممارسة تمارين رياضية معتدلة، مثل القيام بتمرين متوسط الشدة لمدة 15 دقيقة على دراجة ثابتة. وتشير هذه النتائج إلى أن ممارسة التمارين الرياضية أثناء النهار قد تكون أفضل من ممارستها قبل بداية دوام العمل أو بعد نهايته. ويضاف هذا إلى المزايا التقليدية لممارسة النشاط البدني من إنقاص الوزن، والتغلب على الأرق، والاستمتاع بنوم هادئ، وتحسين الحالة المزاجية، والوقاية من الأمراض. ويصف "بيتر أنطونيو" مدرب اللياقة البدنية وخبير التغذية بنادي جامعة "برمنجهام" للألعاب الرياضية واللياقة البدنية، الخروج من مكان العمل لممارسة الرياضة أثناء فترة الاستراحة في منتصف النهار بأنه "فرصة ذهبية"؛ لأنه يعطي الموظف شعورًا بالرضا عن النفس يمتد حتى نهاية اليوم، فضلًا عن أنه يساعده في زيادة لياقته البدنية.

واجب إجباري

ووفقًا لما بثته صحيفة "العرب" اللندنية، فمن خلال دراسة عالمية موسعة أُجريت على 29 ألف موظف موزعين على 262 مركزًا طبيًا في 52 دولة بكل من: آسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأستراليا، وشمال أمريكا وجنوبها؛ أثبتت أن ممارسة التمارين أثناء فترات العمل ووقت الفراغ؛ تساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية بشكل جوهري سواء في البلدان النامية أو المتقدمة. وتلفت الصحيفة إلى أن هناك جدل أُثير مؤخرًا بين المؤسسات الصحية وأصحاب الشركات حول فرض التمارين الرياضية كواجب إجباري على الموظفين في الشركات؛ بهدف محاربة الخمول البدني الذي تسرب إلى بيئات العمل.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة