في الآونة الاخيرة شهدت المنظمات المعاصرة تحديات كبيرة وعديدة، تشكل تهديداً لبقائها واستمراريتها، والتي يبرز منها الصراع بين الأجيال في العمل، وهو موضوع حديث ومعاصر في عالم الأعمال. فالجيل هو مسافة زمنية تفصل بين جيل وآخر، وما يميز جيل عن غيره هو وجود نظرة مختلفة إلى الأعمال، والمجتمع، والحياة وهي بذلك تحدد الهوية الخاصة لكل جيل. وطبقا لدراسة "يوتّا" في كتابها "فكّ رموز الأجيال" الذي ركزت فيه على أهم ممارسات إدارة الموارد البشرية وهي تقييم الأداء في العمل من منظور الأجيال المختلفة، وتوصلت من خلاله إلى أن أبناء جيل التقليديين (الجيل المولود بين عامي 1927-1945)؛ يرون أن "عدم ورود أخبار جديدة يدل على ما يسرّ"، أما أبناء جيل الطفرة السكانية (المولود بين 1946-1964)؛ فهم مهتمون بالتقييم السنوي لسير العمل والأداء، أما جيل اكس"X " (المولود بين 1965-1977)، فيعتبر التقييم السنوي غير كافٍ؛ لأنه يجرى مرة واحدة سنوياً، ويجب أن يكون أكثر من مرة وعلى فترات مختلفة. لكن جيل الألفية "Y " (المولود بين 1978-1999) يحتاج أبنائه إلى تقييم دوري؛ لأنهم نشأوا واعتادوا على تعزيز أنفسهم بشكل آني وإيجاب. ولذلك فإن الصراع بين الأجيال يحدث نتيجة الاختلاف في الاتجاهات والقيم والسلوكيات؛ فالجيل الأصغر ينظر الى الجيل الأكبر باعتبار أبنائه غير مواكبين لمتطلبات العصر والتطور الحالي ويصفونهم بالتقليدين، بينما الجيل الأكبر ينظر إلى الجيل الاصغر على أنهم ليس لديهم الخبرة الكافية ولا يلتزمون بالقيم والمبادئ؛ كعلاقة الرئيس بالمرؤوس والعكس باختلاف الفجوة بينهم؛ والتي ينتج عنها عدم الرضا بينهم والذي يصل في النهاية إلى تهديد كيان المنظمة وهويتها.
إن ثقافة الأجيال بكل أبعادها الاجتماعية والسلوكية والإدارية، وكافة الأسس والإرشادات الخاصة بالتعامل بين الأجيال سنجدها ونستمدها من منظومة القيم الإسلامية والتي تحد من ظاهرة الصراع بين الأجيال، حيث أشار إليها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قائلا (أحسنوا تربية أولادكم فقد خلقوا لجيل غير جيلكم). بمعنى أن صور الحياة تتغير في أشكالها وممارساتها، لكن تبقى أمور ثابتة، وهي الروابط والقيم الأخلاقية كاحترام وطاعة الجيل الأكبر والنظر إليهم بوقار، وتقدير الجيل الأصغر. فالفجوة بين الأجيال تعني أن كل جيل لديه مجموعة فريدة من المواقف والسلوكيات ومواطن القوة والضعف والمواهب في مكان العمل، وهي غير ثابتة؛ لأنها تتأثر بالتجارب والخبرات. ومن هذا المنطلق يجب أن تسعى المنظمات المعاصرة إلى تحديد الفجوة بين الأجيال والتجسير بينهم؛ دعماً للابتكار وتحفيزاً للتغيير والتطور الإيجابي في بيئة العمل. وهناك العديد من الدراسات والتجارب العملية التي ركزت على تحليل سلوكيات واتجاهات الأجيال حول قضايا مختلفة تخص الممارسات الإدارية في البيئة الغربية، ورغم ذلك، فقد لاحظت أن معظم منظماتنا العربية لم تدرك أهمية هذا الموضوع بالرغم من أنه يشكل تهديداً لهويتها واستمراريتها في عصرنا الحالي، وخاصة مع التحول الرقمي في عالم الأعمال وأثره على التعامل بين الأجيال وتواصلها معاً في بيئة العمل، وربما تسبب ذلك في ظهور الفجوة التقنية بين الأجيال؛ والتي أدت إلى مقاومة التغيير وعدم تقبله. لذلك أعتقد أنه يجب إدراك دور القيادة الحكيمة في منظماتنا لتحول التهديد من صراع الأجيال إلى فرصة لتحقيق التنمية التنظيمية المستدامة، من خلال بناء ثقافة الأجيال وتجسير الفجوة بينهم، لتحقيق الموائمة وتعزيز الإيجابية في بيئة العمل.
وفي ضوء ما تقدم، يتجسد دور القيادة الادارية الحكيمة في تجسير الفجوة بين الأجيال فيما يلي: أولاً: فهم احتياجات وخصائص كل جيل في بيئة العمل؛ لإيجاد وسيلة تواصل مناسبة تمكننا من تفادي الصراع والتصادم بينهم، وتجنب سوء الفهم الذي يؤدي إلى التوتر وربما التسبب في ترك العمل، وثانياً: فك رموز المنظومة السلوكية لكل جيل؛ لخلق قاعدة ولغة مشتركة بين الأجيال-قدر المستطاع-بهدف التكيف مع أنماطهم، وثالثا: بناء دستور الأجيال الأخلاقي ووضع إستراتيجيات تساعد على سد هذه الفجوة، ومعرفة وسيلة التخاطب المناسبة مع بناء العلاقات الإيجابية بينهم من خلال احترام العاملين أصغرهم للأكبر سناً وتقدير العاملين أكبرهم للأصغر منهم.