د.بدر الحربي وأ.هــــــدى أبوحيمد يبحـــــثان أثـــره على المنظمـــــة والمـــــوظف التقاعد المبكر في الأجهزة الحكومية
  • ​​المتقاعدون مبكراً بلغت نسبتهم 47% ويستحوذون على 58% من الفاتورة الشهرية للرواتب التقاعدية
  • الإناث وأصحاب الوظائف التنفيذية والمطلقون ومن تتراوح أعمارهم بين 56-59 سنة والحاصلين على أقل من الثانوية العامة الأكثر رغبة في التقاعد المبكر
  • ضرورة الاهتمام بتنمية وتطوير الأداء المؤسسي في الأجهزة الحكومية والاهتمام بأوضاع الموظفين وإنشاء مركز اجتماعي للمتقاعدين

 

منذ سنوات قليلة مضت، كان بريق الوظيفة الحكومية يخطف أبصار الباحثين عن التوظيف في المجتمع السعودي؛ لأنها تمنحهم نوعاً من أنواع الضمان الاجتماعي، بالإضافة للعديد من المزايا والضمانات الأخرى التي ربما أصبحت غير ذات مطمع، خاصة مع هيمنة القطاع الخاص في الوقت الراهن على سوق العمل وارتفاع ما يتقاضاه موظفو هذا القطاع، بالإضافة إلى عدد من المتغيرات الأخرى. ولذلك لوحظ لجوء بعض موظفي الأجهزة الحكومية مؤخراً للتقاعد المبكر، وهو القرار المصيري الذي يتخذه الموظف الحكومي ويتضمن انتهاء علاقته بالوظيفة العامة بمحض إرادته. ولهذا القرار تأثيره المباشر سواء على الموظف، أو منظمته الحكومية. وقد لفتت هذه الظاهرة انتباه كل من: د.بدر بن جزاء الحربي، وأ.هدى بنت صالح أبوحيمد؛ فتناولاها في دراستهما الميدانية الصادرة عن معهد الإدارة العامة بعنوان: "التقاعد المبكر في الأجهزة الحكومية وأثره على المنظمة الحكومية والموظف المتقاعد في مدينة الرياض".

قرار مصيري

تتكون هذه الدراسة من 6 فصول متنوعة، بالإضافة للمراجع والملاحق، وتقع في 210 صفحات. يستهلها الباحثان في الفصل الأول بمدخل الدراسة الذي يقرران فيه أن العلاقة الوظيفية يتم تنظيمها منذ بدايتها وحتى انقضائها من خلال تشريعات وأحكام، غير أن انتهاء العلاقة الوظيفية يختلف عن انتهاء أي علاقة حقوقية أخرى؛ لأن العلاقة الوظيفية محاطة بمجموعة من الأحكام المختلفة بسبب طبيعة الوظيفة نفسها. والأصل أن الموظف يلتحق بالوظيفة العامة بإرادته، وبناء على طلبه، كما أنه يستطيع أن يتركها أيضاً بإرادته؛ من خلال ما يسمى الاستقالة أو التقاعد المبكر. وهذا التقاعد عبارة عن قرار مصيري وله تأثيره المباشر على حياة المتقاعد مبكراً، كما أنه يؤثر على توازن القوى العاملة في المنظمة؛ لذلك يجب عليها التخطيط السليم لمواجهة مثل هذا القرار.

ويرى الباحثان أن أسباب التقاعد المبكر تفرض نفسها على الواقع الإداري في المملكة؛ إذ إنها تنقسم بشكل أساسي إلى فئتين من الأسباب؛ الأولى أسباب على مستوى المنظمة، والثانية على مستوى الموظف المتقاعد نفسه؛ حيث تكمن معظمها في العوامل الاستثمارية أو الوظيفية أو الخاصة به وبحياته العائلية، والرغبة في الاهتمام بالأسرة بشكل خاص والواجبات الاجتماعية بشكل عام، من مشكلات الأبناء والأهل، والسكن، والانتقال وغيرها. وتشير الإحصائيات الصادرة عن المؤسسة العامة للتقاعد إلى تزايد أعداد المتقاعدين مبكراً في الأجهزة الحكومية؛ ففي عام 1981م كانت نسبتهم 19,11% وارتفعت بشكل تدريجي خلال الأعوام التالية لتصل في عام 2014م إلى 42,3% من إجمالي المتقاعدين، ثم ارتفع عددهم ليصل إلى 95 ألف متقاعد؛ وهو ما يمثل ما نسبته 47% من إجمالي متقاعدي الضمان؛ مما يشكل تحدياً كبيراً يجب على هذه الأجهزة مواجهته والعمل على معالجته بشكل فعال. فهذه النسبة المذكورة عالية جداً، وتؤدي إلى استنزاف حقيقي في فاتورة التقاعد؛ إذ يستحوذ المتقاعدون مبكراً على 58% من الفاتورة الشهرية للرواتب التقاعدية مجتمعة؛ إضافة إلى الآثار السلبية لهذه الظاهرة.

"بكير على تقاعدك"

ويؤكد الباحثان على أنه رغم أن توجهات الدولة بشكل عام نحو الاهتمام الدائم بتشجيع القوى العاملة من رجال ونساء على الاستمرار في العمل، والاشتراك بالضمان لفترات أطول بما يمكنهم من الحصول على راتب تقاعدي جيد، وللحد من ظاهرة التقاعد المبكر التي يشير الواقع إلى تزايد الأعداد التي تقدم على طلب التقاعد المبكر؛ لدرجة أن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي طلقت مؤخراً حملاتها الإعلامية والتوعوية، مثل حملة "بكير على تقاعدك".

وعلى صعيد متصل، تبدو أهمية هذه الدراسة من بعدين هما: البعد المعرفي؛ حيث هناك ندرة تكاد تكون شبه منعدمة في الدراسات العربية والأدبيات بشأن التقاعد المبكر لدى موظفي الأجهزة الحكومية خصوصاً في المملكة العربية السعودية، وقلة الدراسات الميدانية في مجال التقاعد، وخاصة التقاعد المبكر. والبعد الثاني أهميتها العملية؛ فهي تمثل مرجعاً مناسباً لكافة المختصين بتقاعد الموظف الحكومي؛ من حيث حل المعوقات التي تحد من كفاءة وفعالية استثماره، وأنها قد تساعد صانعي القرار في الأجهزة الحكومية على الاسترشاد بالتوصيات والمقترحات المقدمة لحل كافة التحديات التي قد تواجهها نتيجة التقاعد المبكر لمنسوبيها.

الشروط والأنظمة

وقد تمثل الهدف الرئيسي للدراسة في دراسة الآثار المترتبة للتقاعد المبكر في تلك الأجهزة على المنظمة والموظف المتقاعد، إضافة إلى أربعة أهداف فرعية، وهي: التعرف على معدل التقاعد المبكر في الأجهزة الحكومية، وأسبابه، والآثار المترتبة عليه بالنسبة لهذا الموظف، وبالنسبة لمنظمته التي كان يعمل بها. وقد أُجريت الدراسة على عينة ملائمة بلغ حجمها 354 مبحوثاً من الموظفين المتقاعدين مبكراً، وأيضاً 69 مبحوثاً من مديري التخطيط الإستراتيجي والموارد البشرية في الأجهزة الحكومية في الرياض.

ويستعرض د.بدر الحربي، وأ.هدى أبوحيمد في الفصل الثاني "الإطار النظري للدراسة"، حيث يركزان على جزئيتين مهمتين؛ أولاهما هي التقاعد والتقاعد المبكر ويبرزان من خلالها التقاعد بصفة عامة، والتقاعد المبكر في المملكة العربية السعودية، والتقاعد المبكر والصندوق التقاعدي للتأمينات الاجتماعية، والتقاعد المبكر للمرأة. وتتحدد الجزئية الثانية في تأثير التقاعد المبكر على التخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية وتتضمن إدارة الموارد البشرية، والتخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية، وتأثير التقاعد المبكر على التخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية.

وفي ضوء ما سبق، يسلط الباحثان الضوء على التقاعد في المملكة التي عرفت أول نظام للتقاعد في عام 1364هـ، ثم نظام التقاعد في عام 1378هـ، ثم نظام التقاعد في عام 1381هـ، وأخيراً نظام التقاعد الصادر في عام 1393هـ، والذي ما زال ساري المفعول حتى تاريخه. وقد اشترط هذا النظام للإحالة إلى التقاعد عند بلوغ 20 سنة في الخدمة الشروط التالية: أن يكون طلب الإحالة للتقاعد المبكر بناءً على رغبة الموظف نفسه، وأن تبلغ مدة خدماته عند تقديم الطلب 20 سنة بعد استبعاد أيام الغياب ومدد الإجازة الاستثنائية دون أن تبلغ خدمته 25 سنة؛ إذ عند بلوغه المدة الأخيرة يستحق معاشاً تقاعدياً بموجب النظام بغض النظر عن سبب إنهاء خدماته، وأن توافق جهة العمل. وتجدر الإشارة إلى أن مقدار المعاش التقاعدي يكون وفق المعادلة التالية:

المعاش التقاعدي = (الراتب الأساسي ÷ 40) × عدد سنوات الخدمة

نتائج وتوصيات

وقد توصلت الدراسة لنتائج عديدة تتركز في الآتي: غالبية المتقاعدين مبكراً وبنسبة 83% من أفراد العينة المختارة لم يعملوا بعد سن التقاعد. وأن معدل التقاعد المبكر في الأجهزة الحكومية تزايد بشكل ملحوظ مع بداية العام 2010م ووصل لأعلى قيمة في العام 2014م ثم انخفض قليلاً في العام 2015م. وتنوعت أسباب هذا التقاعد المبكر بين الحاجة إلى الراحة، وحاجة أسرة المتقاعد لمتابعة شؤونها والتفرغ لها، وعدم القدرة على مزاولة أي تجارة أو مشروع تجاري في أثناء العمل الحكومي. كما اختلفت آثار ذلك التقاعد على المتقاعد نفسه فكانت كالآتي: أن قرار التقاعد كان موفقاً؛ حيث نجحت المشاريع التجارية للمتقاعد، وأصبحت علاقته مع أسرته أفضل بكثير، بينما رأى متقاعدون آخرون أن مشكلاتهم الأسرية زادت بعد التقاعد المبكر. وجاءت آثاره بالنسبة للمنظمة كالآتي: التقاعد المبكر يعطي فرصة لضخ دماء جديدة لجهة العمل، ويزيد من الوظائف المقررة لها، وأنه يؤدي إلى فقدانها لعدد من الكفاءات الإدارية. وقد تحددت الفئات الأكثر رغبة في التقاعد المبكر من نظرائهم في كل من: الإناث، وأصحاب الوظائف التنفيذية، والمطلقين، وأصحاب الفئة العمرية (من 56-59 سنة)، وذوي المؤهل الدراسي أقل من الثانوية العامة.

وفي ضوء هذه النتائج؛ يبدي د.بدر الحربي، وأ.هدى أبوحيمد التوصيات التالية: ضرورة مساعدة الوزارات المعنية للمختصين في مجال التقاعد المبكر؛ للحد من تفاقم الظاهرة، وضرورة الاهتمام بإستراتيجية تنمية وتطوير الأداء المؤسسي في الأجهزة الحكومية، وكذلك ضرورة الاهتمام بأوضاع الموظفين الاجتماعية والنفسية والوظيفية والمادية ودراسة الطرق التي ترفع من درجة الرضا الوظيفي، والعمل على إنشاء مركز اجتماعي خاص بالمتقاعدين يضم جميع الوظائف الحكومية، وضرورة العمل على دراسة السن الأنسب للتقاعد المبكر مرتبطاً بموافقة جهة العمل.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة