​مبادئ أساسية ضد عمليات الفساد وهدر المال العام.. "الحوكمة" وحماية النزاهة في المالية العامة..معايير وتطبيقات

 

  • د.ثريا عبيد: لكي تتمكن المنظمات المحلية والدولية من مواكبة تطورات العصر لابد من تبني ضوابط الحوكمة
  • د.عبدالله البريدي: تطبيق معايير الحوكمة يضمن تعزيز النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد وحفظ المال العام
  • د.أسامة القحطاني: النزاهة الحوكمية ليست ادعاءً أو افتراضاً إنما بتحقيق الاشتراطات والالتزامات المستمرة
  • د.عامر الحسيني: تفعيل الإدارة الرشيدة يضمن تحقيق مكاسب اقتصادية ويضمن نجاح خطة التحول الوطني

 

المشاركون في القضية:

  • د.ثريا عبيد، عضو مجلس الشورى سابقاً
  • د.عبدالله البريدي، أستاذ الإدارة والسلوك التنظيمي بجامعة القصيم
  • د.عامر الحسيني، المستشار في الحوكمة، والكاتب في صحيفة "الاقتصادية"
  • د.أسامة القحطاني، أكاديمي ومستشار اقتصادي وقانوني

 

حرصاً من المملكة على تعزيز الجهود المبذولة للمساهمة في حماية النزاهة ومكافحة الفساد بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 التي عكست الإرادة الجادة والطموحة لبناء مستقبل مشرق لهذا الوطن؛ تتواصل جهود الدولة في مختلف القطاعات المعنية للقضاء على الفساد وحفظ المال العام، ومحاسبة المقصرين من خلال رفع الوعي بأهمية الحوكمة، والشفافية، والمساءلة، وتطبيق الاتجاهات الحديثة في هذا المجال.

ويرى خبراء الإدارة والاقتصاد أن الشفافية في المنظمات تعد واحدة من أهم مكونات الحوكمة؛ لما توفره من عدالة ومساواة للجميع، وعليه، فقد عرفتها منظمة الشفافية الدولية بأنها المبدأ الذي يسلط الضوء على الأنظمة، والخطط، والإجراءات، والعمليات لمعرفة لماذا، وكيف، وماذا، وبأي مقدار. كما أنها – الشفافية-تتيح معرفة أن المسؤولين في مختلف المنظمات يمارسون أنشطتهم بطريقة واضحة ومفهومة بما يضمن العدالة والمساواة، والمساءلة والمحاسبة من خلال الأنظمة الرقابية الرسمية. ولذا ينظر إلى الشفافية على أنها أضمن طريق للحماية ضد الفساد، والمساعدة على رفع مستوى الثقة بالأفراد والمنظمات لتحقيق الأهداف المشتركة التي يسعى الجميع لها، وأنه من الضروري أن تبدأ المنظمات في تطبيق معايير الحوكمة باعتباره عمل أساسي ومهم للغاية ضد الفساد وهدر المال العام.

نزاهة حوكمية

عن مبادئ الحوكمة الحديثة؛ يقول الأكاديمي والمستشار الاقتصادي والقانوني د.أسامة القحطاني: "إن مبدأ النزاهة؛ يعد أحد أهم المبادئ التي تؤكد الحوكمة الحديثة على ضرورة تحقيقها، ومراقبتها بالحد الأعلى الممكن، وكل إنسان أو منظمة أو جهاز يمكن له أن يدعي النزاهة والأمانة، ويفترض أنها متحققة". متسائلاً: لكن ما المعايير التي من خلالها تضمن الحوكمة نزاهة كل منتسبي الأجهزة المالية وقطاعات المال العام الحكومية؟ ويجيب د.القحطاني: إن أساس الحوكمة ألا أحد منزه وفوق الرقابة أو غير قابل للرقابة، والتأكد من تطبيق شروط الحوكمة والتزاماتها، كما أن الحوكمة تفترض من تلقاء نفسها الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى الفساد، وتراقبها من خلال إغلاقها ووضع تشريعات تحميها بشكل دوري؛ وبالتالي فإن هذا يجب أن يسري على الأجهزة المالية الحكومية جميعاً وبشكل دوري وبصرامة.

ويؤكد د.القحطاني أن النزاهة الحوكمية هي ليست ادعاءً أو افتراضاً بالنزاهة، إنما من خلال تحقيق الاشتراطات والالتزامات المستمرة التي يجب أن يحققها كل منتسبي الأجهزة الحكومية في كل إجراء بحسبه، من خلال لوائح حوكمية متطورة وتُحدًث باستمرار، والهدف من ذلك؛ هو تأكد الجهاز الحكومي من تحقيق الحد الأعلى من النزاهة، من خلال وقائع ثابتة على الورق والواقع، وليس فقط بافتراض عدم وجود الفساد.

انهيارات وتحولات

وفي السياق ذاته، تؤكد عضو مجلس الشورى سابقاً د.ثريا بنت أحمد عبيد أن من التزامات مبدأ النزاهة وجود الشفافية والإفصاح بإقرار ذمة المسئولين في القطاع الحكومي والخاص على أن يُحدًث ويراقب بشكل دوري، مع منح أغلب الأجهزة الحديثة التي تعنى بالرقابة والمتابعة لتحقيق الالتزام بمبادئ الحوكمة.

وتقول: "إن الانهيارات الكبيرة والأزمات المالية التي طالت الكثير من المنظمات، والمؤسسات والشركات الدولية كان سببها الرئيس هو نقص الخبرات، والكفاءة، وعدم توفر إدارات كفؤة ذات خبرة ومهارة ورقابة؛ أي عدم الأخذ بمباديء الحوكمة "الحكم الرشيد"، وهو ما جعل هذه المنظمات تنهار".

وتضيف د.ثريا عبيد: بالتالي أولت-حالياً-الكثير من المنظمات، والمؤسسات الدولية اهتماماً متزايدا ًبموضوع الحوكمة، وركزت جل اهتمامها على هذا، وذلك بعد الدور المتنامي والتوسع الهائل للقطاع الخاص في الحياة الاقتصادية بشكل عام، مع العلم أن العالم أصبح يعيش عصر التحولات الكبيرة التجارية أو الاقتصادية والواسعة في مختلف مناحي الحياة. ولكي تتمكن المنظمات المحلية والدولية الحكومية والخاصة من مواكبة تطورات العصر؛ لابد من تبني ضوابط الحوكمة ومبادئها كبناء وتقوية المساءلة، والمصداقية، والشفافية، وسلامة البيانات والمعلومات، وتطوير ثقافة قيم السلوك المهني والأخلاقي، وتحقيق النزاهة، وتوضيح القواعد واللوائح الخاصة باتخاذ القرار داخل المنظمات، وتحقيق الرقابة على كفاءة الأداء، والمحاسبة. الخ.

وترى د.ثريا العريض أن الحوكمة هي خط الدفاع الأول ضد عمليات الفساد وهدر المال العام، مع ضرورة ربطها ببرامج رقابية صارمة داخلياً وخارجياً؛ حتى يتحقق تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.

فساد منظم

ويتفق أستاذ الإدارة والسلوك التنظيمي بجامعة القصيم د.عبدالله البريدي مع ما ذكرته د.ثريا عبيد في أن تطبيق الحوكمة في القطاع الخاص هو الحامي من عمليات الفساد؛ قائلاً: "تطبيق معايير الحوكمة يضمن تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وحفظ المال العام-فعلى سبيل المثال-بعض المنظمات وشركات القطاع الخاص ممن يطبقون الحوكمة تعاني بعض الأقسام فيها، وخاصة المشتريات والمرتبطة بالعقود من عمليات هدر مالي وفساد تتوارى عن أنظار الجهات الرقابية وتظهر في التعاملات مع الأطراف الخارجية".

ويتابع: "بعض إدارات المنظمات والشركات لا تكترث بردود أفعال الموردين أو المتنافسين على العقود؛ حين ظهور ملامح الفساد المؤثر في عدالة المنافسة. ومع اعتقاد الكثير أن الفساد يرتبط بالقطاعات الحكومية، إلا أن الحقيقة توضح أن الفساد ينخر بقوة في مؤسسات القطاع الخاص، وبعض الشركات التي يفترض أنها من أكثر الشركات تطبيقاً للحوكمة وتفعيلاً للبرامج الرقابية، ومن الطبيعي أن يكون لهيئات الرقابة دور في تفعيل متطلبات الحوكمة، غير أن دورها في مكافحة الفساد داخل الشركات محدود جدا".

ويؤكد د.عبدالله البريدي أن مؤسسة النقد العربي السعودي لها دور فاعل في الرقابة على البنوك والحد من الفساد؛ حمايةً للقطاع المصرفي بفضل الأدوات الرقابية المتاحة لها، ومن الطبيعي أن يكون للشفافية دور مهم في تعزيز النزاهة، إلا أن الرقابة الفاعلة والمشددة هي الضامن الأول لمكافحة الفساد، كما أن لآلية التقاضي والتبليغ وحماية المبلغين دور مهم في تفعيل ثقافة مكافحة الفساد بين العاملين في القطاع الحكومي والخاص.

تحقيق الإستراتيجيات

أما المستشار في الحوكمة، والكاتب في صحيفة "الاقتصادية" د.عامر الحسيني، فيرى أن الدول تقاس من خلال مستوى الشفافية والتشاركية ومحاربة الفساد على مؤشر التنمية المستدامة؛ ولذلك جاءت أهداف التنمية المستدامة لتؤسس لمرحلة جديدة باستخدام خيار الإدارة الرشيدة "الحوكمة" التي تساعد على تحقيق مبادئ العدالة والشفافية والنزاهة والمساءلة.

ويستطرد قائلاً: "لو كانت المنظمات والمؤسسات ضعيفة، فقد تضعف احتمالات نجاح أهداف التنمية المستدامة، ولذلك تدعوا هذه الأهداف إلى مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، وينطبق هذا على الجميع؛ القطاعين العام والخاص محليا وعالميا، وعلى كل من المانحين والمتلقين للمساعدات الرسمية؛ للتأكد من أن تقديم المساعدات يتم بكفاءة وشفافية؛ كي تصل إلى من يحتاجون إليها بالفعل، من دون أن تُهدر أو تتحول وجهتها أو تتسم بالازدواجية، وينطبق ذلك على الشركات الخاصة والمؤسسات المملوكة للدولة؛ للتأكد من أن استثماراتها تتم بشفافية على أساس من المنافسة الحرة، حتى تعود بالنفع على المواطنين".

ويتابع موضحاً أن للحوكمة بعداً إستراتيجياً في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتنمية المحلية التي جاءت ضمن "رؤية 2030"؛ كونها إحدى الأسواق الرئيسة في المنطقة، وللمساهمة في تحقيق المستقبل المراد الوصول إليه لضمان انتعاش السوق المحلية، وتنمية الاستثمار الدولي. ويتحقق ذلك من خلال تفعيل الحوكمة "الإدارة الرشيدة"؛ لضمان تحقيق المكاسب البعيدة لاقتصاد المملكة، ولضمان نجاح خطة التحول الوطني في جميع مراحله. ومن المهم أن نأخذ موضوع الحوكمة بأهمية قصوى في تحقيق الإستراتيجيات التي تهدف إليها المملكة؛ كونها أداة تساعد على تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة الدولية والمحلية.​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة