التعصب الرياضي بين الموظفين والموظفات.."مهاترات" وفوائد نفسية

​​​

سُئل سياسي بريطاني بارز عن كرة القدم في أحد البرامج الحوارية: لماذا لا تلغى كرة القدم لأنها مضيعة للوقت وتلهي الشعوب عن قضاياها؟ أجاب: "لا يمكن تخيل الحياة بدون موسيقى أو مسرحية أو قصة أو أي نوع من الفنون، وأنا أعتبر كرة القدم فن من هذه الفنون؛ لذلك لا يمكن أن أتخيل الحياة بدون كرة القدم".

جلد منفوخ

وتاريخياً، نشأت كرة القدم وبدأت مزاولتها بشكل بدائي في حواري إنجلترا القديمة، ومع مرور الوقت اخترعت الكرة المدورة من الجلد المنفوخ، كما يسميها البعض، وأصبح لها فيما بعد قوانين، ووُضِع أول قانون سنة 1865م؛ لينظم اللعبة وطريقة ممارستها، ثم تأسست اتحادات كرة القدم في مختلف البلدان، وتأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم، وتأسست لها روابط المشجعين المنتشرة في العالم، وأصبحت لعبة شاملة لها قوانينها، وأنديتها، ولاعبيها، ولها مشجعيها الذين يقدرون بالملايين حول العالم، وأصبحت صناعة متكاملة تُدِر مبالغ مالية عالية جداً، وتحولت للعبة من الألعاب الرياضية  الشعبية التي يتابعها الملايين حول العالم، ولأجلها نشأت قنوات تلفزيونية والصحف، ومواقع إلكترونية متخصصة.

جزء اساسي

وتعد كرة القدم المتنفس الرياضي لكثير من أفراد المجتمع؛ لما تحتويه من إثارة وحماس وتنافس، وبساطة وسهولة في ممارستها؛ ولذا يحرص الكثيرون على متابعة كل تفاصيلها كجزء أساسي في حياتهم. ورغم ذلك هناك من يتابعها بشكل غير دائم، وبدون اهتمام بالتفاصيل والأخبار، وهناك من لا يحبها أبدًا ويعتبرها مُضيعة للوقت. ولكن من اللافت أن ظاهرة التشجيع الرياضي والتعلق بالأندية، والمنتخبات الكروية زادت وتطورت خلال السنوات الأخيرة بين عامة الناس، حتى أن الكثير من النساء أصبحن مشجعات متعصبات يتابعن ويحضرن مباريات كرة القدم في مدرجات الملاعب لمشاهدة فرقهن المفضلة.

الجماهير

وفي دوائر العمل ينعكس ويبرز تأثير كرة القدم الكبير على نفسيات الموظفين والموظفات بمختلف مستوياتهم الوظيفية، والذين ينقسمون إلى نوعين، أولهما ما يسمى بالهواة وهم الذين يتابعون المباريات الخاصة بالفريق المفضل للاستمتاع بالمباراة فقط دون التأثر بالنتيجة، أما النوع الآخر وهم المتعصبون فيتابعون ويشجعون بحماس، ويتأثرون نفسياً في حالة الفوز أو الهزيمة، بل إن المباراة تمثل لهم أحد أسباب السعادة أو التعاسة في العمل، وتنعكس تداعياتها ايجاباً أو سلباً على طبيعة الأداء والإنتاجية، وطبيعة العلاقات بين الزملاء لاسيما عندما يشجعون فرق تتنافس فيما بينها، ويمكن القول إن بعض الموظفين والموظفات المتعصبين كروياً يهربون من ضغوط العمل والحياة وأزماتها، ويعتبرون المباريات التنافسية تحدٍ لهم مع الأزمات والضغوط. فإن فاز فريقهم المفضل يعتبرونه انتصارًا لهم، وفي حال الهزيمة تزداد الضغوط مرة أخرى، وتتزايد الرغبة في الهروب منها بالجدال، والمهاترات، والانفعالات، والمشادات والمشاجرات وافتعال أي أزمة مع زملاء المكتب للتنفيس عن هذا الإحباط.

الخلافات

وبالتالي قد ينجم عن ظاهرة انتشار التعصب الرياضي بين الموظفين ظواهر سلبية، كالخلافات بين الزملاء، والشللية لمن ينتمون لتشجيع فريق واحد ضد الآخرين، وتعرض بعض الموظفين لمشكلات صحية كالأزمات القلبية وارتفاع الضغط، وحالات الوفاة، والانفعالات بين المتعصبين، والتي ربما تتسبب في إتلاف مقتنيات المكاتب في حالات نادرة. كذلك فإن الموظفين المتعصبين أكثر عرضة للأمراض المزمنة، وتنعدم لديهم القدرة على التحكم في غضبهم؛ مما يتسبب في الكثير من الأحيان في قطع علاقاتهم بزملائهم، ويتعرضون لخسائر كثيرة، فضلاً عن القلق النفسي أثناء المتابعة وسرعة الغضب والانفعال السريع.

تداعيات

وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن تفاقم ظاهرة التعصب الرياضي بين الموظفين انتبه له بعض أصحاب المحال التجارية والمقاهي؛ فاستفادوا منها في استقطاب الزبائن من هواة الكرة والتشجيع، وأصبحت أغلب المطاعم و"الكوفي شوب" توفر شاشات عملاقة لنقل أحدث وأهم اللقاءات الكروية والبطولات العالمية مقابل دفع الزبون لمبلغ محددـ وأصبح بعض الموظفين يتحايلون على الدوام اليومي؛ من أجل الخروج وحضور المباريات ومشاهدتها في المقهى أو البيت، بل إن من بينهم من يستخرج مبررات مرضية مزيفة للتغيب عن العمل يوم المباراة، خاصة أثناء البطولات العالمية، ككأس العالم أو البطولات الأخرى، وقد يتغيبون عن عملهم لمتابعة فرقهم المفضلة.

فوائد التعصب

لكن، هل للتعصب والتشجيع الرياضي فوائد؟ قد يستغرب البعض أن تكون هناك فوائد طبية أقرها علماء النفس من التشجيع الرياضي ومساندة الفريق المفضل ومتابعة مبارياته، وهناك استفادة نفسية من التشجيع والصياح والفرح بمتابعة هدف الفريق المفضل. فمشاهدة المباريات ومتابعتها والاستمتاع بذلك فن قد لا يجيده الكثيرون؛ فهي ترويح ذو فائدة كبيرة من الناحية النفسية، ويُخرِج المشجع من القلق المعتاد والاهتمامات التقليدية ليعيش أجواء المنافسة والاستماع بها. كذلك يعد توجيه النقد والتعبير عن الرأي في كل ما نشاهده تنفيسًا انفعاليًا إيجابيًا ووسيلة لإسقاط الانفعالات الداخلية على الحكم واللاعبين والمدربين، وهذا التعبير وسيلة لتأكيد الذات وحرية الانفعال، ويساعد ذلك في تعميم هذا الاتجاه في مواقف الحياة الأخرى، أيضاً يمكن التخلص من الخجل والمخاوف الاجتماعية والانطواء والتعود على التفاعل مع الأحداث.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة