يعزز الانتاجية أم يحمل في طياتة تحديات نفسية وإجتماعيه التنافس بين الموظفين والموظفات : هل هو صراع أم محفز للتميز

طالما شكّل التنافس في بيئة العمل وقودًا للحماس والطموح، ومحركًا للإنجاز والتقدم، لكنه في أحيان كثيرة، يتحوّل إلى ساحة صراعات غير معلنة، خاصة حين يكون التنافس بين الموظفين والموظفات. فهل هذا التنافس صحي ويعزز الإنتاجية؟ أم أنه يحمل في طياته تحديات نفسية واجتماعية؟ وهل تُعامل الأطراف بشكل عادل في ظل تباين الأدوار والتوقعات المجتمعية؟


طالما شكّل التنافس في بيئة العمل وقودًا للحماس والطموح، ومحركًا للإنجاز والتقدم، لكنه في أحيان كثيرة، يتحوّل إلى ساحة صراعات غير معلنة، خاصة حين يكون التنافس بين الموظفين والموظفات. فهل هذا التنافس صحي ويعزز الإنتاجية؟ أم أنه يحمل في طياته تحديات نفسية واجتماعية؟ وهل تُعامل الأطراف بشكل عادل في ظل تباين الأدوار والتوقعات المجتمعية؟

التنافس المهني

ويعد التنافس في بيئة العمل هو سعي الأفراد لبلوغ الأفضلية المهنية سواء في الأداء أو الترقية أو الحصول على الامتيازات، وفي صورته الإيجابية، يُحفّز الأفراد على تطوير أنفسهم، ويُثري العمل بروح التحدي البناء أما في صورته السلبية، فقد يؤدي إلى الغيرة، التوتر، وسوء العلاقات بين الزملاء.

لماذا التنافس؟

وتتعدد الأسباب التي تجعل هذا النوع من التنافس مختلفًا عن غيره، ومنها:

الصورة النمطية: لا تزال بعض المؤسسات تنظر إلى الرجل على أنه أكثر قدرة على القيادة، وإلى المرأة على أنها أقل التزامًا بسبب التزاماتها الأسرية.

الفرص غير المتكافئة: أحيانًا تُتاح فرص التطوير والترقية للرجال أكثر من النساء، مما يخلق شعورًا بعدم العدالة.

الطموح المتقارب: في عصر التحصيل العلمي والوعي المهني، أصبحت المرأة تنافس بقوة في ميادين كانت محصورة على الرجال سابقًا.

البيئة الذكورية أو النسائية الطاغية: في بعض القطاعات، يبرز صراع ضمني بين الجنسين نتيجة سعي كل طرف لإثبات أحقيته في المجال.

إيجابي وسلبي

والتنافس بين الموظفين والموظفات يحمل البعدين الإيجابي والسلبي، هما كما يلي:

1. التنافس الإيجابي:

 يدفع الطرفين لتحسين الأداء.

يكسر الصور النمطية ويعزز المساواة.

يخلق بيئة ديناميكية متجددة.

يشجع على المبادرة والابتكار.

2. التنافس السلبي:

يؤدي إلى صراعات داخلية.

يولّد بيئة عمل سامة.

يُقلل من روح الفريق.

يزرع مشاعر الحسد والغيرة.

نماذج واقعية

وفي العديد من المنظمات، تتكرر مواقف، مثل: موظف يرى أن زميلته تمت ترقيتها فقط لتطبيق سياسة “التمكين”، في حين يشعر أنه أكثر جدارة، وموظفة تُواجه مقاومة من زملائها الذكور حين تتولى منصبًا قياديًا، رغم كفاءتها، وإدارة تعتمد على الرجل في المهام الصعبة، وتُكلّف المرأة بالمهام “الناعمة” كالعلاقات العامة أو التنسيق، والتسويق، وهذه الصور تخلق توترًا خفيًا يؤثر على ثقافة العمل.

التعامل مع هذا النوع من التنافس

ولإدارة التنافس بشكل صحي، يرى الخبراء أنه ينبغي للمنظمات أن تعزز مبدأ العدالة والشفافية في التوظيف والترقية والمكافآت، وتقيم الأداء بناءً على الكفاءة فقط دون تحيزات مرتبطة بالجنس، وتوفر فرصًا متكافئة للتدريب والتطوير المهني للجميع، وتقيم ورش عمل حول الوعي الجندري ومواجهة الصور النمطية، وتدعم بيئة عمل شاملة تسمح لكل فرد بالتعبير عن نفسه دون خوف أو تحامل.

الثقافة المجتمعية

لا يمكن فصل ما يحدث في بيئة العمل عن التأثيرات الثقافية المحيطة؛ ففي مجتمعات تعتبر الرجل هو “المعيل الأول”، تُحبط أحيانًا طموحات النساء. وفي مجتمعات أخرى، يُنظر إلى نجاح المرأة على أنه تهديد مباشر لهيبة الرجل، وهذه المفاهيم تنتقل لا شعوريًا إلى بيئة العمل وتؤثر على سلوك الموظفين والموظفات، مما يضخم حدة التنافس ويفرض توازنًا هشًا.وفي استطلاع مصغر أُجري داخل شركة متعددة الجنسيات تبين أن 62% من النساء أقررن بأنهن شعرن أنهن بحاجة لبذل جهد مضاعف لإثبات كفاءتهن مقارنة بزملائهن الذكور. و 48% من الرجال عبّروا عن شعورهم أن السياسات الحديثة “تميل لصالح النساء” في بعض المنظمات، بينما قال 87% من الطرفين إنهم يؤمنون بأن بيئة العمل العادلة والشفافة تُخفف من التوترات وتخلق منافسة إيجابية.

محفّزًا لا مدمّرًا

التنافس بين الموظفين والموظفات ليس مشكلة في ذاته، بل هو مؤشر على طموح حيّ وسعي للتطور. المشكلة تبدأ حين يُغذى هذا التنافس بتحيزات أو سياسات غير عادلة. لذا، على المؤسسات أن تعي مسؤوليتها في خلق بيئة عادلة، تحتفي بالجهد، وتكافئ الإنجاز، دون النظر إلى النوع أو الخلفية. فالتنافس الناضج يصنع التميّز، أما التنافس المشحون بالتمييز فيصنع الانقسام.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة