يصفها بعض الخبراء والأكاديميين بأنها من أهم الكائنات البحرية في عالمنا المعاصر. إنها سمكة "المنهادن Menhaden" التي تعيش على سواحل المحيط الأطلنطي، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تدير عملها والحفاظ على حياتها بأسلوب عمل جماعي متميز. وبالرغم من أنها لا تستخدم كطعام مباشر للإنسان ولا تباع في أسواق الأسماك، إلا أنها تعد حلقة بارزة في الحفاظ على التوازن البيئي واستقامة البيئة الحيوية لمعيشة الإنسان. فإذا أمعنا النظر في الأداء الجماعي للمنهادن-التي تعيش في أسراب-وطريقة حياتها والحفاظ على نفسها وفوائدها واستخداماتها؛ لأدركنا أنها نموذج متميز في مجال الإدارة والعمل الجماعي.
وأما ما يلفت الأنظار إلى المنهادن هو إدارة عملها الجماعي بأسلوب مبتكر، مما يعد بمثابة دروس يستلهمها الخبراء والعلماء لتطبيقها في تطوير تكنيكات فرق العمل. ومن أبرز ما تتميز به المنهادن في هذا الأمر تعظيمها قيمة العمل الجماعي؛ لأنها تدرك تماماً أنها بدون الآخرين في السرب الذي تعيش فيه تصبح ضعيفة ولن تستطيع استكمال دورة حياتها وربما تفقد قيمتها وأهميتها بالنسبة للكائنات الأخرى ومن بينها الإنسان. كما تتفانى المنهادن في أدائها داخل السرب أو ما يمكن أن نطلق عليه فريق عملها، فإذا شعرت بالخطر من جانب كائنات أخرى تطلق إشارات حيوية يلتقطها أقرانها في السرب فيقومون بتعديل اتجاهات السير والهروب من هذه الكائنات المفترسة وتعديل طرق أدائهم للأفضل، بل وربما تتعرض للافتراس وهي تقوم بهذا الدور لكنها لا تتخاذل أبداً عن هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر. كذلك يتميز أسلوب العمل الجماعي للمنهادن بالكفاءة والفاعلية من حيث الإفادة والاستفادة؛ فهي تعمل بجد واجتهاد وتبذل جهوداً دؤوبة للحصول على طعامها من بقايا الكائنات، وهي في هذا الشأن تنظف البيئة، وتتغذى عليها كائنات بحرية أخرى عملاقة كالحيتان الحدباء والدلافين وغيرها، كما يصطادها الإنسان كي يصنِّع منها الأسمدة والأعلاف. وفي ضوء ما سبق فإن المنهادن في أسلوب عملها الجماعي تظهر أعلى درجات الولاء والانتماء لأقرانها في السرب (فريق عملها وحياتها) ولا تفارقه مطلقاً، وإن حدث هذا في ظروف قهرية فإنها تعاود الانضمام لسربها حتى وإن كلفها ذلك حياتها.
القارئ العزيز، أود في الختام التأكيد أن الإنسان في إدارته لأسلوب عمله سيظل يتعلم من كائنات أخرى، خلقها الله، ونستلهم منها دروساً ذات قيمة؛ لأنها ببساطة أمم أمثالنا...فسبحان الله الخالق العظيم.