تسببت‭ ‬في‭ ‬محو‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬لمؤشر‭ "‬داو‭ ‬جونز‭"‬ ‭"‬كاتسوياما‭" ‬تحدى‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬في‭ "‬وول‭ ‬ستريت‭" ‬بـ‭"‬المطبات‭"‬

​إعداد‭/ ‬د‭.‬أحمد‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد

عندما‭ ‬يهب‭ ‬القدر‭ ‬فرصة‭ ‬العمر‭ ‬لشخص‭ ‬ما‭ ‬كي‭ ‬يصبح‭ ‬ثريًا‭ ‬وسط‭ ‬عالم‭ ‬وعمالقة‭ "‬وول‭ ‬ستريت‭" ‬وشركات‭ ‬تربح‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات،‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بأي‭ ‬فشل‭ ‬ولا‭ ‬ترحم‭ ‬مَن‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬طريقها؛‭ ‬فهو‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬عادي‭. ‬إنه‭ "‬براد‭ ‬كاتسوياما‭" ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬عمره‭ ‬الثلاثينيات،‭ ‬والذي‭ ‬واجه‭ ‬القوة‭ ‬التداولية‭ ‬الغاشمة‭ ‬لـ‭"‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬في‭ ‬حركة‭ ‬التداول‭ ‬للأسهم‭ ‬عبر‭ ‬أسواق‭ ‬البورصة‭ ‬المالية‭ ‬بـ‭"‬وول‭ ‬ستريت‭" ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬فقد‭ ‬ابتكر‭ "‬مطبات‭ ‬السرعة‭" ‬لإعاقة‭ ‬هذه‭ ‬المعاملات،‭ ‬بل‭ ‬وحقق‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬لفتت‭ ‬الأحداث‭ ‬وشخصية‭ "‬كاتسوياما‭" ‬الأنظار‭ ‬إليها؛‭ ‬فقام‭ "‬مايكل‭ ‬لويس‭" ‬بتأليف‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭: "‬فلاش‭ ‬بويز‭" ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬وفريقه‭ ‬وشركته‭. ‬كذلك‭ ‬قررت‭ ‬شركة‭ "‬سوني‭ ‬بيكتشرز‭ ‬إنترتينمنت‭" ‬إنتاج‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬عنه‭.‬

المخاطر‭ ‬و‭"‬الانهيار‭ ‬الخاطف‭"‬

غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬النهايات‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬بدايات‭ ‬أخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬تمامًا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدًا‭ ‬في‭ ‬بورصة‭ "‬وول‭ ‬ستريت‭" ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬تداول‭ ‬الأسهم‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬الثانية‭. ‬فبحسب‭ ‬موقع‭ ‬شركة‭ "‬آي‭ ‬إي‭ ‬إكس‭ ‬IEX‭" ‬التي‭ ‬أسسها‭ "‬براد‭ ‬كاتسوياما‭" ‬وفريقه‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬سبَّب‭ ‬أضرارًا‭ ‬جمة‭ ‬للمستثمرين‭ ‬والمتداولين‭ ‬في‭ ‬البورصة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬موقع‭ "‬أرقام‭" ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬والإدارة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬الانتقادات‭ ‬الموجهة‭ ‬للمعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

•‭ ‬هناك‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬الكلي‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬عن‭ ‬نطاق‭ ‬السيطرة‭ ‬وحدوث‭ ‬خلل‭ ‬مفاجئ‭.‬

•وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬المعاملات‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثوانٍ‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬حركة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬دون‭ ‬سبب،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬انخفض‭ ‬مؤشر‭ "‬داو‭ ‬جونز‭" ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭/‬آيار‭ ‬لعام‭ ‬2010‭ ‬بحوالي‭ ‬600‭ ‬نقطة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سُمي‭ ‬بـ‭"‬الانهيار‭ ‬الخاطف‭"‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬دقيقة،‭ ‬وأرجعت‭ ‬تحقيقات‭ ‬الحكومة‭ ‬السبب‭ ‬إلى‭ ‬تعطل‭ ‬النظام‭. ‬وقد‭ ‬تسبب‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬محو‭ ‬قرابة‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬السوقية‭ ‬لأسهم‭ ‬مؤشر‭ "‬داو‭ ‬جونز‭" ‬قبل‭ ‬تعافيها‭ ‬مجددًا،‭ ‬ورغم‭ ‬اتهام‭ ‬متداول‭ ‬بريطاني‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬يبقى‭ ‬القلق‭ ‬قائما‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬اختراق‭ ‬أنظمة‭ ‬أكبر‭ ‬بورصات‭ ‬العالم‭ ‬قائمًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أحد،‭ ‬حيث‭ ‬ظل‭ ‬الأمر‭ ‬لغزًا‭ ‬لمدة‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬اكتشافه‭.‬

•كما‭ ‬تسمح‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬للشركات‭ ‬الكبيرة‭ ‬بالربح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬وصغار‭ ‬المستثمرين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السماسرة‭ ‬والمتداولين‭ ‬بسببها‭.‬

جزء‭ ‬من‭ ‬الثانية

وحتى‭ ‬ندرك‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات؛‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬المقصود‭ ‬بهذه‭ ‬المعاملات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوضحه‭ ‬موقع‭ "‬عربي‭ ‬BBC NEWS‭" ‬أن‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬يستعمل‭ ‬برامج‭ ‬حاسوبية‭ ‬معقدة‭ ‬للقيام‭ ‬بملايين‭ ‬التعاملات‭ ‬المالية‭ ‬والتجارية‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬الواحدة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استعمال‭ ‬معلومات‭ ‬مولّدة‭ ‬بسرعات‭ ‬تفوق‭ ‬أضعاف‭ ‬سرعة‭ ‬غمضة‭ ‬العين،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭ ‬تلك،‭ ‬والتي‭ ‬تستعمل‭ ‬برامج‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬المثبتة‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تقدِّر‭ ‬القيمة‭ ‬المرتفعة‭ ‬لسعر‭ ‬سهم‭ ‬من‭ ‬الأسهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬ذلك‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬السعر‭ ‬بالفعل‭. ‬وقد‭ ‬مكّن‭ ‬نظام‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1999م،‭ ‬بعض‭ ‬بنوك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الضخمة‭ ‬وصناديق‭ ‬التحوّط‭ (‬المَحافظ‭ ‬الوقائية‭) ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الاستثمار‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬أسهمًا‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الثانية‭ (‬أو‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬مايكروثانية،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬المليون‭ ‬من‭ ‬الثانية‭) ‬قبل‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الأخرى‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحًا‭ ‬تعادل‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيع‭ ‬تلك‭ ‬الأسهم‭ ‬بسعر‭ ‬أعلى‭.‬

مقدمو‭ ‬السيولة‭ ‬التكميلية

وربما‭ ‬يتساءل‭ ‬البعض‭: ‬لماذا‭ ‬انتشر‭ ‬نظام‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات؟‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجيب‭ ‬عليه‭ ‬موقع‭ "‬أرقام‭"‬،‭ ‬فيذكر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬اكتسب‭ ‬شعبيته‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬عمليات‭ ‬التبادل‭ ‬تُقدم‭ ‬حوافز‭ ‬للشركات،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬إضافة‭ ‬السيولة‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لدى‭ ‬بورصة‭ ‬نيويورك‭ ‬للأوراق‭ ‬المالية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مزودي‭ ‬السيولة‭ ‬تُعرف‭ ‬باسم‭ "‬مقدمو‭ ‬السيولة‭ ‬التكميلية‭". ‬وتحاول‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬إضافة‭ ‬المنافسة‭ ‬والسيولة‭ ‬للأموال‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬البورصة‭ ‬كحافز‭ ‬للشركات،‭ ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬بنك‭ "‬ليمان‭ ‬براذرز‭" ‬عام‭ ‬2008م،‭ ‬حيث‭ ‬شكّلت‭ ‬السيولة‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬كبير‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمستثمرين‭. ‬وقبل‭ ‬إدخال‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬كانت‭ ‬أسواق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية،‭ ‬مثل‭ ‬بورصة‭ ‬نيويورك‭ ‬تعمل‭ ‬بنظام‭ "‬المزاد‭ ‬المزدوج‭"‬،‭ ‬ومع‭ ‬استخدام‭ ‬أنظمة‭ ‬التداول‭ ‬الإلكترونية‭ ‬خلقت‭ ‬نظامًا‭ ‬جديدًا‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭ ‬لبيع‭ ‬وشراء‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭. ‬وتشير‭ ‬معظم‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬تُمثل‭ ‬الآن‭ ‬نسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬50‭% ‬إلى‭ ‬75‭% ‬من‭ ‬حجم‭ ‬تداول‭ ‬الأسهم،‭ ‬ويشمل‭ ‬المتداولون‭ ‬الذين‭ ‬يستخدمون‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المعاملات‭ ‬كلًا‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والأقل‭ ‬شهرة،‭ ‬وكذلك‭ ‬البنوك‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الكبيرة‭ ‬وصناديق‭ ‬التحوط‭. ‬

‭"‬الطفل‭ ‬الذهبي‭"‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬أثار‭ ‬اهتمام‭ "‬كاتسوياما‭" ‬عام‭ ‬2002م،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬24‭ ‬عامًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬كممثل‭ ‬لـ‭"‬رويال‭ ‬بنك‭ ‬أوف‭ ‬كندا‭" ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬وهو‭ ‬تاسع‭ ‬أكبر‭ ‬بنك‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬يرويها‭ ‬لنا‭ ‬المؤلف‭ ‬الاقتصادي‭ "‬مايكل‭ ‬لويس‭" ‬في‭ ‬كتابه‭ "‬Flash Boys‭ ‬–‭ ‬A Wall Street Revolt‭" ‬الذي‭ ‬تستعرضه‭ ‬منصة‭ "‬The Investor's PODCAST Network‭". ‬فقد‭ ‬أدرك‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭-‬الذي‭ ‬ينحدر‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬أسيوية‭ ‬وهاجر‭ ‬مع‭ ‬والديه‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭-‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختلافًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بين‭ ‬كندا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إذ‭ ‬واجه‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬المتداولين‭ ‬الذين‭ ‬التقى‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬واثقًا‭ ‬في‭ ‬قدراته،‭ ‬ومهاراته،‭ ‬خاصة‭ ‬التحليلية‭ ‬منها‭. ‬فبعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التداول،‭ ‬بدأ‭ ‬يحقق‭ ‬تقدمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬وكان‭ ‬يُعرف‭ ‬أيضًا‭ ‬باسم‭ "‬الطفل‭ ‬الذهبي‭".‬

أسعار‭ ‬مريبة‭ ‬للأسهم

بدأت‭ ‬مشاكل‭ "‬كاتسوياما‭" ‬عندما‭ ‬اشترى‭ ‬البنك‭ ‬شركة‭ ‬تجارية‭ ‬ذات‭ ‬سمعة‭ ‬جيدة‭ ‬اسمها‭ ‬Carlin Financial‭ ‬مقابل‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006م‭. ‬وكان‭ "‬جيريمي‭ ‬فرومر‭" ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لهذه‭ ‬الشركة،‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬تمامًا‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬الثقافة‭ ‬التنظيمية‭ ‬للبنك‭ ‬الكندي‭. ‬وبمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬على‭ "‬كاتسوياما‭" ‬وزملائه‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬القدر‭. ‬فقد‭ ‬لاحظ‭ "‬كاتسوياما‭"-‬أيضًا‭-‬أن‭ ‬السوق‭ ‬كان‭ ‬يتصرف‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭. ‬كما‭ ‬أدرك‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بإمكانه‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬شاشته‭ ‬نظرًا‭ ‬لوجود‭ ‬شيء‭ ‬غريب‭ ‬يحدث‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عندما‭ ‬أرادت‭ ‬شركته‭ (‬رويال‭ ‬بنك‭ ‬أوف‭ ‬كندا‭) ‬شراء‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬سهم‭ ‬بسعر‭ ‬20‭ ‬دولارًا‭ ‬للسهم‭ ‬الواحد،‭ ‬وكانت‭ ‬المعلومات‭ ‬الموجودة‭-‬عبر‭ ‬شاشة‭ ‬جهازه‭-‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الأسهم‭ ‬متاح‭ ‬للشراء‭ ‬بهذا‭ ‬السعر،‭ ‬فسيكون‭ ‬بمقدوره‭ ‬عادةً‭ ‬معالجة‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬بسهولة‭. ‬ولكن‭ ‬لسبب‭ ‬ما،‭ ‬كانت‭ ‬الأمور‭ ‬تحدث‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مختلف‭ ‬وغريب‭ ‬ومريب‭.‬فحينما‭ ‬أراد‭ ‬شرائها‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬إلا‭ ‬شراء‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سهم‭ ‬فقط‭ ‬منها‭ ‬بسعر‭ ‬20‭ ‬دولارًا‭ ‬للسهم،‭ ‬بينما‭ ‬ارتفع‭ ‬سعر‭ ‬الـ‭ ‬80‭ ‬ألف‭ ‬سهم‭ ‬الأخرى‭. ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬يقرأ‭ ‬أفكاره‭ ‬ويستشرف‭ ‬رأيه،‭ ‬ويغير‭ ‬موقفه‭ ‬بمجرد‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬زر‭ ‬الشراء‭. ‬وبعد‭ ‬بحث‭ ‬شامل،‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شيئًا‭ ‬شريرًا‭ ‬وغامضًا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬وأن‭ ‬النظام‭ ‬مزيف‭.‬

مطبات‭ ‬السرعة

وبحسب‭ ‬موقع‭ ‬عربي‭ ‬BBC NEWS،‭ ‬تأمل‭ "‬كاتسوياما‭" ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستثمر‭ ‬لزبائن‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬صناديق‭ ‬التقاعد‭ ‬الكندية‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ممن‭ ‬يستطيعون‭ ‬استخدام‭ ‬نظام‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭"‬،‭ ‬وآمن‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬بالمرّة‭. ‬فعقد‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بشيء‭ ‬لعرقلة‭ ‬ذلك‭ ‬النظام؛‭ ‬فبدأ‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬زملائه‭ ‬العمل‭ ‬لإيجاد‭ ‬وسيلة‭ ‬لتعطيل‭ ‬عمل‭ ‬نظام‭ ‬الأجهزة‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ "‬إتش‭ ‬إف‭ ‬تي‭". ‬لذلك‭ ‬ابتكروا‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ "‬مطبات‭ ‬السرعة‭" ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الطرقات،‭ ‬وهي‭ ‬منظومة‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إبطاء‭ ‬التعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية‭ ‬بمقدار‭ ‬350‭ ‬مايكروثانية،‭ ‬مستعملين‭ ‬38‭ ‬ميلًا‭ ‬من‭ ‬أسلاك‭ ‬الألياف‭ ‬البصرية‭ ‬المخزونة‭ ‬في‭ ‬علبة‭ ‬بحجم‭ ‬صندوق‭ ‬أحذية‭. ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬ذلك‭ ‬وكأنه‭ ‬فاصل‭ ‬زمني‭ ‬مهم،‭ ‬لكنه‭ ‬إبطاء‭ ‬كافٍ‭ ‬لمنع‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ "‬المعاملات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬السوق‭.‬

بدايات‭ ‬صعبة

عقب‭ ‬ذلك،‭ ‬تطورت‭ ‬الأحداث‭ ‬بشكل‭ ‬دراماتيكي،‭ ‬فقد‭ ‬أسس‭ "‬كاتسوياما‭" ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012م‭ ‬شركة‭ ‬سمسرة‭ ‬للأسهم‭ ‬تدعى‭ "‬آي‭ ‬إي‭ ‬إكس‭"-‬بعدما‭ ‬ترك‭ "‬رويال‭ ‬بنك‭ ‬أوف‭ ‬كندا‭"-‬والتي‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬نظامه‭ ‬الجديد‭ ‬الخاص‭ ‬بإبطاء‭ ‬سرعة‭ ‬أنظمة‭ "‬المعلومات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭" ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬فائقة‭ ‬وضخمة‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬مشتري‭ ‬الأسهم‭ ‬ممن‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬شركته‭ ‬لم‭ ‬يواجهوا‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تواجهها‭ ‬شركات‭ ‬وجهات‭ ‬أخرى‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬كانت‭ "‬آي‭ ‬إي‭ ‬إكس‭" ‬تجني‭ ‬أرباحها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمولة‭ ‬من‭ ‬عملائها‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬بدأت‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬بدون‭ ‬نوافذ‭ ‬ولا‭ ‬تتجاوز‭ ‬مساحتها‭ ‬19‭ ‬مترًا‭ ‬مربعًا‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬حي‭ ‬مانهاتن‭. ‬وكانت‭ ‬بالكاد‭ ‬تدفع‭ ‬مرتبات‭ ‬العاملين‭ ‬فيها،‭ ‬وواجهت‭ ‬صعوبات‭ ‬كبيرة‭ ‬كي‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬باعتبارها‭ ‬شركة‭ ‬ناشئة‭.‬

‭"‬فلاش‭ ‬بويز‭" ‬والنجاح

وبإصرار‭ "‬كاتسوياما‭" ‬وفريقه،‭ ‬وطموحاتهم‭ ‬وعدم‭ ‬استسلامهم،‭ ‬بدأت‭ ‬شركة‭ "‬آي‭ ‬إي‭ ‬إكس‭" ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تقدم‭ ‬بين‭ ‬المتاجرين‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭ ‬ممن‭ ‬أرادوا‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬تقليدية‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬تغشهم‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ "‬كاتسوياما‭" ‬وشركته‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬عام‭ ‬2014م‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬الصحفي‭ "‬مايكل‭ ‬لويس‭" ‬بتأليف‭ ‬كتاب‭ "‬فلاش‭ ‬بويز‭"‬،‭ ‬ثم‭ ‬طرحه‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬فاتحة‭ ‬خير‭ ‬على‭ "‬كاتسوياما‭"‬،‭ ‬إذ‭ ‬تغيَّر‭ ‬مسار‭ ‬حياته،‭ ‬واتضح‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬للكتاب‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬ساعد‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفهموا‭ ‬تفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬المسألة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بـ‭"‬المعلومات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭". ‬وعقب‭ ‬طرحه،‭ ‬حقق‭ ‬الكتاب‭ ‬نجاحًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أفضل‭ ‬الكتب‭ ‬مبيعًا،‭ ‬لذلك‭ ‬بدأت‭ ‬شركة‭ "‬آي‭ ‬إي‭ ‬إكس‭" ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الطلبات‭. ‬وقد‭ ‬تبوأت‭ ‬الشركة‭ ‬مكانة‭ ‬أعلى‭ ‬حينما‭ ‬تقدَّم‭ "‬كاتسوياما‭" ‬بطلب‭ ‬لأن‭ ‬تصبح‭ ‬شركته‭ ‬بورصة‭ ‬جديدة‭ ‬ومسجلة‭.  ‬وحققت‭ ‬النجاح‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الشركة‭ ‬تضم‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬يتكون‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬61‭ ‬شخصًا‭. ‬كذلك‭ ‬طورت‭ ‬الشركة‭ ‬مكاتبها‭ ‬وباتت‭ ‬تحتل‭ ‬الطابق‭ ‬رقم‭ ‬44‭ ‬من‭ ‬المبنى‭ ‬الرابع‭ ‬لمركز‭ ‬التجارة‭ ‬العالمي‭.‬

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة